حركات دارفور… الدفاع عن المركز والتخلي عن الهامش

 

الخرطوم- آثار كامل   31 أكتوبر 2022م

حركات الكفاح المسلح الموقعة على سلام  اتفاق جوبا قبل عامين والتي حملت السلاح لعدة سنوات دفاعاً عن حقوق الهامش والمطالبة بالتنمية والصحة والتعليم والخدمات وإنصاف ضحايا الإبادات الجماعية وعودة النازحين من المعسكرات والكثير من المطالبات التي جلس من أجلها حاملو السلاح وإيمانهم بمقولة (أرضا سلاح) مع حكومة الفترة الانتقالية بوساطة دولة جنوب السودان والتوقيع على اتفاقية سلام جوبا إيماناً منهم بحقوق الهامش التي حملوا السلاح من أجلها، مر العام الأول والثاني وخلال العامين تغيَّرت الأحوال وتحوَّلت حركات الكفاح المسلح من المطالبة بحقوق الهامش سابقاً إلى المطالبة بحقوق في المركز يقرأها البعض تحت بند انتهازية سياسية، والبعض الأخر يرى بأن بعض الحركات لازالت متمسكة بقضاياها .

سلام جوبا

رغم توقيع اتفاق سلام جوبا والاحتفاء الكبير الذى صاحبه، فضلاً عن الترويج الواسع بأنه اتفاق مختلف وسوف يعالج جذور المشكلة بخلاف الاتفاق الذي وقع خلال فترة  نظام البشير،  ورغم أن قيادات الكفاح المسلح نالت استحقاقاتها السياسية وتبوأت المناصب، إلا أن التوترات الأمنية بدارفور لم تنته، بل أن دارفور ما زالت تنزف ولازال أهل الهامش ينتظرون أن يتحقق حلم السلام على أرض الواقع، وشهدت دارفور منذ العام 2003م، حرباً عنيفة خلال حكم النظام السابق خلفت (300) ألف قتيل، ونزوح ولجوء الآلاف، نتيجة لتهميش الإقليم سياسياً واقتصادياً، ورغم تراجع القتال في السنوات الأخيرة لحكم المخلوع عمر البشير، إلا أن العنف ظل يتجدَّد في بعض المناطق من حين لآخر بسبب النزاعات المنتشرة بين الرعاة والمزارعين، في ظل انتشار السلاح بأيدي المواطنين وذات الصراع بدأ يظهر من جديد رغم توقيع اتفاق سلام جوبا.

تحديات الواقع

يرى مراقبون سياسيون أن حركات الكفاح المسلح وضعت أمام تحديات أقرتها اتفاقية سلام جوبا بجانب الابتعاد عن الحكم الذاتي الذي خلق أزمات في السابق وتطبيقة على إقليم دارفور يخلق أزمة جديدة ويزداد الوضع تعقيداً خصوصاً بأن حركات الكفاح المسلح وجدت نفسها في وضع معقَّد من كل النواحي وخصوصاً السياسية، ولفت المراقبون بأن الوضع السياسي وبروز الخلافات والتحالفات جعلت حركات الكفاح المسلح تتنازل عن القضية الأساسية وهي الدفاع عن حقوق الهامش والدخول في خانة الدفاع عن المركز وسط الأجواء السياسية المتأزمة فأصبحت أمام تحدي الواقع السياسي الموجود بالساحة.

الخلافات تغيِّر الأهداف

قال محمد إسماعيل، زيرو القيادي بالجبهة الثورية في حديثه لـ(الصيحة) بأنه في الفترة الأخيرة نجد أن الحركات تأثرت بالسلطة وبدأت التنازل عن حقوق الهامش ومطالبات الهامش وحدث تحوُّل كبير لهذه العوامل منها الخلافات بين المدنيين والعسكريين مما جعلهم يغيِّرون الأهداف، وأضاف في نظري المكتسبات التي اكتسبت بعد التوقيع على السلام تغيَّرت منوِّهاً بأن بعض الحركات التي وقعت على السلام لم تستأثر بالسلطة، وكشف زيرو عن عدم تنفيذ برتوكولات آلية سلام جوبا، منوِّهاً بأن تنفيذ الاتفاق لم يتجاوز (5%) وتم في الجانب السياسي فقط  حتى الترتيبات الأمنية لم تكتمل بعد عدا المنطقتين لم تتجاوز (30%) ولم يحدث تقدم والوضع كما هو عليه، وأشار بأن هنالك تباينات كثيرة ظهرت نتيجة للإشكالات، ونجد أن القيادات الكبيرة تنازلت عن القضايا الأساسية وحدوث تراخي وتنازل عن مطالب الهامش ووحقوقها التي حملت من أجلها السلاح وأضاف بأن آلية تنفيذ الاتفاق لم تر النور، منوِّهاً بأن هناك آليات كثيرة لم تنشأ حتى الآن خاصة بالمفوضيات والمؤتمرات العامة والصناديق لم تر النور، مما يؤكد بأن هنالك عدم إرادة من الطرفين في تنفيذ اتفاق السلام وإكمال الآليات الأساسية وإنزال السلام على أرض الواقع.

تأثير الخلافات

قال المحلِّل السياسي  النذير منصور، بأن الخلافات والتشاكسات والمصالح التي نشبت مؤخراً لن يكن لها تأثير في مداها القريب، بل بدأ يظهر في المدى البعيد الأن، ولفت في حديثه لـ(الصيحة) بأن الخلافات ظهرت منذ قيام الاعتصام حول محيط القصر أو عدمه  ووقع  بين حركات الكفاح المسلح مما أصبحوا جزءاً من العملية السياسية وتناسي قضايا الهامش ومثل هذه الخلافات تعكس الصورة السالبة للمواطن بأن الحركات المسلحة حركات مصالح فلابد من تدارك الخطأ ويرى خطوة جميلة أن تقدِّم الحركات المسلحة مبادرات ورؤى  لحل الأزمة السياسية لأنها جزء من الحرية والتغير، ولكن لا ينسيهم ذلك القضية الأساسية التي حملت من أجلها السلاح.

سلام ناقص

يرى الخبير الاستراتيجي  عبدالله الحسن، خلال حديثه لـ(الصيحة) بأنه على الرغم من وجود اتفاق سلام،  ولكن على الأرض نزاع ومطالبات واحتجاجات  تشير على أنه اتفاق على ورق ويعد ناقصاً مالم تستقطب الحكومة كل الحركات ويصبح شامل، ولفت أن الصراعات التي تقع بدارفور حتى الآن لم تضع اتفاقية جوبا أسس لحلها خاصة قضايا الأرض والحواكير وتحديات دمج إعادة النازحين واللاجئين، فحتى الآن لم ينفذ على الواقع سوى محاصصات مجلس السيادة الانتقالي ونسب معيَّنة منحت لدارفور بالوزارات، وأضاف كل ما ذكر قد جعل من يمثلون الحركات المسلحة وهم على رأس السلطة في حالة نسيان لقضايا الهامش والتركيز على المركز والأمور السياسية، ولفت إلى أن تحقيق السلام يواجه تحديات كبيرة على رأسها الأزمة السياسية الراهنة التي أدت إلى فراغ في الحكم ذاته إذ لاتوجد حكومة الآن حتى تنجز المهمة الأولى للفترة الانتقالية وهي استكمال العملية السلمية مع الحركات غير الموقعة حتى الآن مثل الحركة الشعبية قطاع الشمال، الحلو وحركة تحرير السودان، عبدالواحد، ولفت بأن التحدي الثاني هو عدم تنفيذ ما تم توقيعه فعلاً في جوبا منذ أكتوبر 2020م، وحتى الآن، والثالث هو انقسام كتلة السلام ذاتها إلى كتل متنافسة ومتكايدة وهذا يضر باتفاقية السلام.

الأزمات قائمة

يقول المحلِّل السياسي والمراقب للعملية السلمية في دارفور عبد الله آدم خاطر، لـ(الصيحة): إن الصراعات القبلية والإثنية في السودان ارتبطت بالصراع حول الموارد والحواكير، وأوضح  بعد ثورة ديسمبر وسقوط النظام، وتوقيع اتفاقية السلام في أكتوبر 2020م، هذه التغيُّرات الجوسياسية أوجدت شكلاً جديداً للصراع في ولايات دارفور، حيث أصبحت بعض حركات الكفاح الموقعة على السلام طرفاً خفياً في تأجيج الصراعات القبلية لأهداف الطموح الاقتصادي، والمصالح مثلما حدث في غرب دارفور، وفي شرق السودان، وقال: إن الأحداث في النيل الأزرق لم تكن بعيدة عما حدث في هذه الولايات، ولم يستبعد خاطر وجود أيادي خفية تسع لتأجيج الصراع بين هذه الإثنيات، لا سيما في ظل انعدام الأمن والاستقرار السياسي في البلاد، وزاد: ربما هذا ما يفسِّر تحول الصراع من موارد إلى صراع قبلي سياسي، وأضاف بأن القضايا الأساسية التي تخص الهامش لم ينفذ منها ولا شيء، بل أصبح الكل منشغل بالأمور السياسية.

بناء أمة

أكد مناوي في حديث سابق  بولاية شمال دارفور خلال تخريج أول دفعة من قوات حركات الكفاح المسلح أن اتفاق جوبا بداية لبناء الأمة السودانية يسودها المحبة والسلام، مضيفاً: يجب أن تموِّن آلياتها، مبنية على المصالحات بين قطاعات المجتمع السوداني كافة وخاصة دارفور، مؤكداً أهمية تطبيق اتفاق جوبا وضرورة تكوين المفوَّضيات وصندوق دعم دارفور وصندوق إعادة النازحين، وأضاف: يجب أن يبدأ فوراً حتى نكون صادقين أمام شعبنا. وشدَّد يجب الالتزام بدفع (٧٠٠) مليون دولار، لتنمية دارفور، وجدَّد التزامهم الجاد بالحوار بين جميع السودانيين بالاحترام، من أجل إنقاذ البلد من الوضع الهش ضرورة بناء الثقة عبر آلية الحوار وإدارة التنوع.

مشاكل متراكمة

أقر مناوي أن هناك مشاكل تراكمية، وأضاف: سقوط الأشخاص لا يعني الحل ولكن فرصة لتناول القضايا وكيفية حلها ونادى بضرورة بناء آلية سودانية للحوار لحل مشكلة السودان. وشدَّد يجب أن تأتي الديموقراطية بتراضي المكوِّنات بمختلف تنوعهم.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى