التّسوية السِّياسيَّة.. هل تُطيح بوهج الثورة أم تشعله؟!

 

تقرير: مريم أبشر   22 أكتوبر 2022م

ما بين التبشير بقرب التوصل لتسوية سياسية تقي البلاد شبح الانهيار الوشيك، بين طرفي الأزمة في السودان (المكونين العسكري والقوى  السياسية المدنية) وبين نفيها من كلا الطرفين، خرج رئيس الآلية الأممية الخاصة بدعم التحول الديمقراطي فولكر بيرتس بتصريح، أبدى عبره قلقه من أن تدفع التسوية المرتقبة مع اقتراب اكتمال عام لانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر لخنق  أصوات الشباب وقود الثورة ونبضها المحرك للشارع، وهم يتأهبون لإحياء ذكرى الانقضاض على التحوُّل الديمقراطي ويتمسكون باستعادة الحكم المدني.

قال بيرتس في تدوينه له مبذولة على الوسائط الإعلامية “إن الجهات السياسية الفاعلة والمتنوعة بدأت مؤخراً في الالتحام حول مسودة الدستور المطروحة من اللجنة التسييرية لنقابة المحامين”.

وأضاف فولكر “يعمل هذا التحالف الواسع للفاعلين السياسيين الآن على توسيع الإجماع حول المسودة، ومُعالجة القضايا المتبقية في النص وصياغة إعلان سياسي يُمهِّد للمفاوضات مع الجيش”.

وأكد فولكر استعداد الآلية الثلاثية لدعم العسكريين والمدنيين للتوصُّل إلى اتّفاق يبدأ فترة انتقالية أكثر استدامةً مع حكومة انتقالية ذات مصداقية بقيادة مدنية تتمتّع بالمصداقية والقبول، ومُستعدة لمُعالجة التّحديات المُختلفة التي تُواجهها البلاد.

وأضاف “الزخم الذي شهدناه في الأسابيع الأخيرة هو علامة على أنّ نهاية الأزمة قد تلوح في الأفق أخيرًا. ومع ذلك، فإنّ هذا الزخم الجديد هَشٌ ويحتاج إلى الحماية. لكي تتماسَك التحالفات السياسية الناشئة وتتوسّع، يجب أن تُحافظ مُكوِّنات هذه التحالفات على علاقة مُتساوية، شفّافة وتشاركية، حيث لا يتم استبعاد أي طرف من اتّخاذ القرارات الرئيسية”.

وتابع “يحتاج جميع الفاعلين السياسيين إلى الدخول في حوارٍ بنّاءٍ، يضعون فيه خلافاتهم جانبًا ويُركِّزون على مصلحة الشعب السوداني للوصول إلى حل ذي مصداقية ومقبول ودائم. السُّودان لا يملك رفاهية المُعادلات الصفرية والمناورات السياسية. الوقت جوهريٌّ والسودان والشعب السوداني سيكونان هُمَا مَن يتحمّلان تكلفة أي تأخير إضافي”.

ومضى قائلاً “لكن التهديد الأكبر لاحتمال التّسوية هو خنق أصوات الشباب. مع اقتراب الذكرى السنوية للانقلاب، أحثّ السُّلطات على التصرف بمسؤولية والامتناع عن استخدام القُوة ضد المتظاهرين وحِماية حق المُواطنين في ممارسة حريتهم في التّعبير والتظاهر والمُعارضة السلمية”.

تحذير فولكر للسُّلطات القائمة في البلاد من خنق الشباب واستخدام العنف ضده وهو يُمارس حقه في التظاهر السلمي حفاظاً على ثورته التي دفع  الآلاف من رفقائهم أرواحهم من أجلها، أمّن عليه كل المُراقبين للمشهد السياسي، وأكدوا أنّ الوضع لا يحتمل مزيداً من التصعيد وإزهاق الأرواح، وأنّ على السُّلطات والأجهزة الأمنية ممارسة ضبط النفس.

 

التزام السلمية:

من جانبه، يرى الفريق محمد أحمد جامع أن ما يجري حالياً من تسوية سياسية يجب أن تشمل أكبر قدرٍ من الكُتل السياسيّة وأن لا تكون بين طرفين فقط،  وأضاف: هناك أطرافٌ مُعارضة مسلحة وأخرى قوى سياسية وحتى يتم تفادي مزيد من التصعيد الذي لا تتحمّله البلاد في ظرفها الراهن، على كل الأطراف الجلوس في مائدة مستديرة تناقش كل القضايا وصولاً لتوافق على الحد الأدنى يستوعب معظم الأطراف، يتم عبره وضع ميثاق يخدم ما تبقى من الفترة الانتقالية، لافتاً إلى أن توافق كل القوى هدفٌ لا يُمكن تحقيقه، غير أنه بتوافق الأغلبية يُمكن أن تمضي البلاد من هذا المُنعطف، وقطعاً ستكون هنالك قوى رافضة لكنها ستكون أقلية.

مضيفاً أن الشباب إذا التزموا جانب السلمية في تظاهراتهم لن يكون هناك أي تعدٍ، غير أن أي محاولات للتعدي بالحجارة في مواجهة الأجهزة الأمنية أو التعدي على الممتلكات العامة قد يُخرج التظاهرات عن سلميتها، لأن مهمة الأجهزة الأمنية الحفاظ على الممتلكات العامة.

نهج العنف:

مُحاولات التوصل لتسوية لن تُوقف القتل والعُنف باعتباره منهجاً وغاية في حد ذاته كما يراه الدكتور والمحلل الأكاديمي صلاح الدومة، وقال إنّ المجموعة الحاكمة تُمارس العنف ليس من أجل تحقيق هدف، وإنما من أجل ذاته كما يقول، مُضيفاً في إفادته لـ”الصيحة” أن أي تسوية أو انفراج سياسي لن يُوقف العنف والقتل باعتبار أن ممارسة القتل والسادية مرضٌ نفسيٌّ يصيب الفلول ومن لفّ لفهم وفق قوله.

أستاذ العلوم السياسية الدكتور عمر عبد العزيز، قال لا وجود لشباب في الشارع أو ما يُسمى مجموعات شبابية من لجان مقاومة وغيرها، واعتبر من يخرجون للشارع هم واجهات تُحرِّكها أحزاب سياسية، ويرى أن هذه المجموعات تفتقر للبرامج، لافتاً إلى أن السنوات الأربع الماضية كانت كفيلة بأن تضع تلك الكُتل برامجها، لأنّ السياسة في العالم تُمارس عبر الأحزاب السياسية، واستبعد أن تضم التسوية قوى الثورة، وأضاف أنه لا توجد مُعالجات أو توافق 100% حتى لدى القوى والأحزاب السياسية في العالم، ولا يوجد إجماعٌ كاملٌ لأنّ الاختلاف فطرة ربانية، وزاد: هنالك توافقٌ على الحد الأدنى، وحمّل الدكتور عمر، الأحزاب السياسية مسؤولية كل الانقلابات العسكرية، وأضاف كل الانقلابات سببها الأحزاب، ولفت الى أنّ مطالب الشباب المتمثلة في تحقيق الديمقراطية والحكم المدني لن تتحقّق إلا عبر صناديق الانتخابات أو التوافق، وحذّر من أنّ استمرار الآلية في أن تكون التسوية السياسية محصورة على طرفين فقط، فإنّ احتمالات النجاح  ستكون ضئيلةً، في ظل وجود كُتل أخرى (الهبوط الناعم، الوفاق والميثاق) مستبعدة، وحذّر الخبير السياسي كذلك من أنّ استمرار حالة الشد والجذب سوف تُوصِّل البلاد لمرحلة الشرارة التي لا يُحمد عقباها.

ولفت إلى أنّ أيِّ حديث عن تنمية أو استثمار لن يتحقّق إلا في ظل وجود حكومات مُنتخبة ذات برامج مُحدّدة ومعلومة، لأنّ أيِّ مُستثمر لن يقبل على المخاطرة بأمواله إذا لم يجد الضمانات الكافية، وأهمها حكومة مُنتخبة ذات برنامج واضح وتتحلّى بالشفافية والمصداقيّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى