صلاح الدين عووضة يكتب : نيــــم!

19   أكتوبر 2022 م

وأكلنا النيم..

أكلناه ونحن صغار… ونأكله الآن ونحن كبار..

طول عمرنا نأكل النيم..

رغم أن الغنم ذاتها لا تأكله؛ فطعمه مر… مر حتى على الغنم..

ولكنا لم نكن نأكل ما لا تأكله الغنم هذا..

ما كنا نأكل صفقه… وإنما ثمره… وثمره – حين يكون مصفراً – فهو حلو..

أو كان كذلك في نظرنا – وعلى ألسنتنا – ونحن أطفال..

وعندما كبرنا لم نعد نأكله..

ولكنا أُجبرنا على أكل أوراقه هذه التي لا تأكلها الغنم… ولا الحمير..

وهو تعبير مجازي عن مرارة الحال..

فهو مر كصفق – وفروع – شجر النيم؛ وليتنا أُجبرنا على أكل ثمره..

فحتى ثمره – الأصفر – هذا استعصى علينا..

وبتنا نترقب حلاوته – على قلتها – بينما آخرون يأكلون الملبن..

تماماً كما يترقب عشاق الهلال حلاوة بطولة خارجية..

منذ قرابة قرنٍ من الزمان وهم يترقبون… وينتظرون… ويتشوقون..

ثم – فقط – طعم النيم يذوقون..

وليس حتى ثمره الأصفر؛ وإنما أغصانه… وأوراقه… وأفرعه..

منذ أن وُلدت إليزابيث وهم يفعلون ذلك..

وإلى أن تزوجت ملكة بريطانيا هذه وهم يحلمون ولو بكأسٍ خارجي واحد..

وإلى أن وضعت ابنها الأمير تشارلس وهم يحلمون..

وتشارلس الآن يكاد يمشي بالعكاز..

وإلى أن تم تتويجها بلقب ملكة وهم ينتظرون تتويجاً؛ ولو بكأس سيكافا..

وإلى أن كبرت… وهرمت… وكعكعت… وهم ينتظرون..

ثم إلى أن ماتت – وعمرها نحو مئة عام – وهم في حالة الترقب هذه..

بمعنى أن حلمهم هذا عمره قرنٌ من الزمان..

ولم يتذوقوا سوى طعم صفق النيم؛ وليس حتى ثمره الأصفر..

ونحن حلمنا – الجمعي – عمره أقل من هذا بقليل..

فمنذ نيلنا استقلالنا ونحن نحلم… ونرقب… وننظر… ونقلق… ونبحلق..

ولا نرى – أبداً – ضوءاً في نهاية النفق..

وليس في حلوقنا غير طعم ورق النيم؛ وبقية من ذكريات طعم ثمره..

والبركة في ذكريات طعم ثمره هذا..

وفي ما عداها من جميل الذكريات؛ فهي التي تعيننا على تحمل مر السياسات..

سياسات سياسية… واقتصادية… ومعيشية..

سياسات بطعم النيم؛ وواضعوها يتلذذون بطعم الملبن..

فكل سياسيينا – قديماً وحديثاً – يعملون بالمثل القائل: فتِّح عينك تأكل ملبن..

وكل واحدٍ منهم يماثل رئيس الهلال..

رئيس الهلال طوال مختلف الحقب؛ منذ مولد إليزابيث… وحتى وفاتها..

ورئيسه الحالي لم يغادر متردم أسلافه..

أو كما قال عنترة حين شرع في معلقته: هل غادر الشعراء من متردم..

بمعنى: لا تلوموني؛ فكلنا كذلك..

كلنا نبدأ بالغزل… والتشبيب… والبكاء على أطلال – وآثار – المحبوبة..

ومن المنطلق هذا بشر أهل الأزرق بالكأس..

كأس أبطال أفريقيا؛ وليأكل الأهلي… والوداد… والترجي… صفق النيم..

ولم يقل لهم إن كان يعني كأس عامنا هذا..

أم العام الذي سيتُوج فيه الأمير وليم ملكاً بعد وفاة أبيه تشارلس..

ومن قبل قال منصور خالد أن جميع ساستنا تافهون..

أو ربما أنهم أنانيون… أو انتهازيون… أو فاشلون… أو جشعون؛ لا فرق..

وكان من الأفضل لو قال إنهم يأكلون الملبن..

وذلك مقارنة بالنيم الذي نأكله نحن؛ وتعافه حتى الغنم… والدواب..

وأستاذ لنا كان اسمه نعيم..

وهو اسم يشابه – سجعاً – كلمة نيم… ورآنا ذات نهار نأكل ثمار النيم..

نيم المدرسة نفسه الذي نُجلد بفروعه..

فنطفئ مرارة جلد أفرع النيم هذه بحلاوة ثمارها الصفراء..

قال لنا – نعيمٌ هذا – حكمة لم ندرك مغزاها إلا لاحقاً..

إلا بعد أن كبرنا – وكبرت أحزاننا – وصرنا نشتهي حتى ثمار النيم..

وبالمناسبة: هل كف النيم عن إنتاج الثمر؟..

فشخصياً لم أر ثماره الصفراء هذه منذ أن بلغت إليزابيث منتصف عمرها..

وبلغ نادي الهلال منتصف عمره أيضاً..

فعمرهما واحد؛ إلا أنها كفت عن الأحلام وماتت… ونديدها ما زال يحلم..

ونحن – كذلك – ما زلنا نحلم..

ويسرق أحلامنا هذه من يأكلون الملبن..

بينما لا نأكل نحن إلا الذي تعافه حتى الغنم… والحمير… والبهائم..

النيـــــم!.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى