إضرابات العاملين.. مشروعية المطالب وصُعوبة الاستجابة

 

الخرطوم- جمعة عبد الله 27  سبتمبر 2022م

تزايدت ظاهرة إضرابات العاملين بالمؤسسات الحكومية بشكل لافت، ورغم تعدد أماكن الإضراب، إلا أن المطالب والأسباب هي نفسها بلا اختلاف، ويتصدّرها زيادة الأجور، وتهيئة بيئة العمل، وتحسين شروط الخدمة، مع مطالب أخرى متباينة.

وابتدر العاملون بقطاع الكهرباء، سلسلة الإضرابات بعد مطالبات مستمرة بزيادة رواتبهم، وتصاعدت قضيتهم حتى وصلت وزارة الطاقة والنفط التي أعلنت الاستجابة لمطالب زيادة الأجور والاتفاق على هيكل جديد أنهى بموجبه العاملون اضرابهم، بيد ان تعثر إنفاذ الهيكل الراتبي المتفق عليه، أعاد القضية لنقطة الصفر.

وتلا إضراب عمال الكهرباء، موظفي وزارة الزراعة والغابات، ووزارة التجارة والتموين، والمطالب هي نفسها، في انتظار ما ستسفر عنه الأمور بشأن قضيتهم.

مطالب مشروعة ومستحيلة

وأدخلت هذه الإضرابات والمطالبات، الحكومة في موقف لا تحسد عليه، نظراً لاستحالة الاستجابة لمطالب العاملين المشروعة، لجهة افتقار البلاد للموارد الكافية، وعدم تضمين الزيادات في موازنة العام الحالي، علاوةً على ذلك تفتقر البلاد لسياسة قومية الأجور والهيكل الموحد، فنتجت عن كل ذلك اختلالات مزمنة تتمثل في زيادات الأجور لفئات دون الأخرى، في وقت يرى فيه مختصون أن الأنسب هو إقرار هيكل أجور موحد وإزالة المفارقات ليكون التمييز بعلاوة طبيعة العمل، وتحقيق العدالة بين العمال بالحفاظ على قومية الأجور وتوحيد الهيكل الراتبي للعاملين بالدولة، بدلًا من المطالبات الفردية لكل وحدة من وحدات الدولة لزيادة الأجور دُون معايير وأُسس واحدة وشاملة يؤدي إلى زيادة المُفارقات الشاسعة وعدم الاستقرار. والإضرابات لتحقيق المطالب بدلًا من المفاوضة الجماعية وتعزيز الشراكة الثلاثية التي ينص عليها قانون المجلس الأعلى للأجور.

الغلاء وآثاره

يرجع المحلل الاقتصادي د. الفاتح عثمان، أسباب إضرابات العاملين بالمؤسسات الحكومية الى دخول البلاد في أضخم موجة غلاء، مُشيراً لارتفاع سعر قطعة الخُبز مائة ضعف مقارنة بسعره في عهد الإنقاذ، وكذلك الوقود والمواصلات وتكلفة التعليم والصحة والكهرباء وغاز الطهي وجميع السلع المُستوردة والمُنتجة محلياً، وأشار إلى زيادة المرتبات ضعيفة جداً لا تصل إلى عُشر حجم زيادة الأسعار، ومضى قائلاً: بذلك أصبحت أحوال موظفي الحكومة بشكل خاص ومُواطني السودان بشكل عام في غاية الصُّعوبة مِمّا أدى لإطلاق أكبر موجة هجرة من السودان إلى مصر وتركيا وماليزيا وبات السودان دولةً طاردةً، ويتوقّع د. الفاتح أن موجة الإضراب عن العمل لن تتوقّف طالما أنّ بعضها نجح في تحقيق مكاسب كبيرة وطالما كانت الوظيفة نفسها غير مُجدية بوضعها الحالي، داعياً الحكومة بأن تشرع في التخطيط لهيكل راتبي جديد ليس بالضرورة يُلبِّي غالب احتياجات العاملين ولكن يُساعدهم على تحقيق الاحتياجات الأساسية، ولفت إلى أن الحكومة تجد نفسها بين سندان تلبية مطالب العاملين ومطرقة ضعف الإيرادات والخوف من إطلاق موجة تضخُّم إن لجات للاستدانة من بنك السودان المركزي على المكشوف، وشدّد على ضرورة أن تبتكر الحكومة حلولا وسيطة بين هذا وذاك، مع العمل على جلب تمويل دولي لهذه الزيادات على الأقل لمُوازنة العام الجديد، لأنّ زيادة المرتبات قد تؤدي إلى تخفيف الركود الاقتصادي وتحريك الاقتصاد، وبالتالي زيادة الإيرادات.

غياب النقابات

يقول المحلل الاقتصادي د. عوض الله موسى، إن استحقاقات أو تحسين وتعديل الرواتب والأجور باستخدام سلاح الإضراب أو التوقُّف عن العمل، هذه المسألة في ظل غياب اتحادات العمال والنقابات المهنية، وتساءل كيف كانت تُدار المطالبة بالحقوق، في السابق النقابات واتحادات العمل كانوا يجلسون ويتفاوضون مع الحكومة لتحسين مستوى الدخل والأجور وكيفية دعم العاملين في الغذاء والصرف على الطلاب والرسوم الدراسية والمنح والعلاوات عموماً في المناسبات والأعياد، وقال هذا الوسيط غاب وافتكر أن دوره اتحاد مطلبي يرعى حقوق العاملين بصورة جماعية في مرافق الدولة برؤية مشتركة متفق عليها، الآن أصبحت المطالبات فرديةً، فهناك إضرابٌ لأساتذة الجامعات وتجلس معهم الحكومة، وبالتالي من اتجاه موظفي الكهرباء وبالتالي موظفي الموانئ وخلافهم يعلنون الإضراب، واصفاً إيّاها بالظاهرة غير الحميدة وقال: تشل من حركة الدولة ويتضرّر منها المواطن، وتابع قائلاً: في السابق لم تكن تتم بهذه الطريقة بل كان اتحاد العمال الممثل الشرعي للنقابات يُحدِّد مُشكلاتهم في جميع القطاعات والمؤسسات ويتم تقديم المطالب والاتّفاق عليها بشكل موحد، وزاد: “الآن أي قطاع يضرب على كيفه وبالزمن الذي يراه”، وبحسب تقدير د. عوض الله أن الحل الصحيح لهذه القضية عودة النقابات والنقابات لا تعينها الحكومة، بل ينتخبها العاملون، وبالتالي يقدمون من يمثلهم ويثقون فيه إلى أن تجتمع النقابات وتكوِّن اتحاد عمال السودان، وقال إن قانون تنظيم النقابات عالمي، وكافة الدول لديها اتحادات عمال ونقابات وهي اجسام مطلبية وتعمل على تنظيم المطالبات، وأوضح: الآن السودان يعيش ظاهرة أحادية لجهة أن الدولة مشتّتة ما بين النقابات المختلفة، قائلاً منذ أبريل الماضي خلصت الدولة من مطالب أساتذة الجامعات، وقلّل من نجاح الإضرابات بهذه الطريقة، وقال يجب أن تتعالج المشاكل بصورة كلية لكل العاملين بالدولة بالتزامن مع بداية الميزانية، وقال لا يجوز تعديل أثناء العام في الميزانية لكل نقابة منفصلة، وأوضح أن هذه المسألة فشلت في تحقيق أهدافها وخلقت مزيداً من التشوه ومزيداً من الاختناقات والضغوط وعدم الرضاء، وأكد أن هناك قطاعات حسّاسة وفي حال إضراب موظفيها يتم التدخُّل المُباشر من الدولة لمُعالجة المشكلة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى