محمد طلب يكتب: القتل العمد مع سبق الاصرار والترصّد

الجملة عنوان المقال اكتسبناها ومعظم (الشباب) و(الشيوخ) من جيلنا (كل كما يريد) عبر المسلسلات العربية… وهي أصلاً مسلسلات (مصرية) لأنه لم يكن هناك غيرها أو قل أجمل منها… فاكتسبنا ما يُعرف بثقافة المسلسلات… فقد كان لها أثرُ بارز في بناء ثقافة معينة في أذهاننا الغضة ونحن طلاب بالمدارس الإبتدائية… ظلّت بعض الجمل تداعب خيالنا ولا نعرف معانيها تماماً لكن تصلنا بعض الدلالات عن أي عبارة جديدة علينا… من تلك الجمل على سبيل المثال:-

جملة (الشهر العقارى) فقد كانت جملة غريبة نوعاً ما على أذهاننا إلا أننا ومن خلال  تسلسل الأحداث أدركنا ما المقصود بـ(الشهر العقاري)، وكذلك لا يخلو الأمر من بعض الطرائف أذكر أن الدرس كان عن الشهور الأفرنجية وتم تعريفنا بهذه الشهور من شهر يناير إلى شهر ديسمبر وطلب المعلم حفظ هذه الشهور لأنه سوف يسمّعها في الحصة القادمة وكان الصف يخيم عليه صمت كما هو حالنا في تلك الأيام لا تسمع إلا صوت الأستاذ وصوت (صفير البلبل)، وأحياناً صوتنا مع فرطقة الأصابع أستاذ… استاذ ستازستازستاز عند الإجابة على أي سؤال أو استفسار مطروح، ونحن في حالة الصمت تلك إذا بأحدهم يرفع يد مفرطقاً بأصابعه أستاذ أستاذ (نحفظهم كلهم) أجاب الأستاذ بالإيجاب مع التحذير من عدم الحفظ… فرد التلميذ  لكن يا أستاذ الشهور دي ناقصة!!! ! (وين الشهر العقاري) ولكم أن تتخيلوا ما حدث بعد ذلك في ذاك النهار القائظ والحصة السادسة….

ولعلنا بعد ذلك فهمنا أن الشهر العقاري أو الإشهار العقاري يمثل ما يعرف عندنا (بشهادة البحث) وجملة التسجيل بالشهر العقارى تقابل عندنا استخراج (شهادة البحث).. والله أعلم…

أيضاً من الجمل الشهيرة في المسلسلات غير كلمات (الحب)… بالمناسبة لم يكن هناك شئ يسمى بـ(الحب) عندنا في السودان، أما الآن فقد أصبحت له دببة و(خرفان) والضحية معلوم…. والله جد ما كان عندنا (حب) فقد كنا (ناس ريدة ساااااي) ولعل الأغاني السودانية وثّقت لذلك بكثافة و(الريدة الكتيرة يا حنين شقاوة) مثلما تغنّى إبراهيم حسين وقبله ردد الكاشف (الشوق والريد).

وكذلك عندما تغنى الفنانون لسمسم القضارف قالوا:

يا سمسم القضارف الزول

صغير ما عارف

قليب الريد الريد كل ما هويتك شارف

وشبه تلك (المحبة) والإلفة بعطف وحنو كائن لطيف على أطفاله:

بريدك ريد ريدة الحمامة لي وليدا

حبيب تعال تعال خلي النتم الريدة

ولعل (تم الريدة) المقصود به (فتح الخشم) (وقولة خير) و(سد المال) و(الصُفاح) مع التأكيد على (الصاد) وليس غيرها لأن الكلمة تتبع المندثر من الموروثات في لهجة أهل السودان ولا تستخدم على أيامنا هذه إطلاقا فقد أصبح (عقداً) مثله ولأي عقودات أخرى (الصاد) نفسها أصابها ما أصاب مجتمعنا من خروقات وانتهاكات…

وكلمة (الحب) هذه تأتي في الأغاني على استحياء ومعطوفة على الريدة أن أتت:

ابتدت ريدة ومحبة

وأصبحت في ذاتا غاية

كنت تمنحني السعادة

وليا تتفجر عطايا

مثلما تغنى الفنان الذري إبراهيم عوض من كلمات سيف الدسوقي أو كما تغنت الفلاتية بأغنية بعنوان الريدة:

الريدة الريدة يا حبيب قلبي

الريدة الريدة ليك براك حبي

ألم أقل لكم إن مفردة الحب أو إحدى مشتقاتها تأتي خجولة وعجولة بخجل (مزز) ذلك الزمان (لاحظوا تكرار مفردة الريدة) ذات المفعول الثلاثي.

ولكن الذي دعاني لكتابة هذا المقال هو الحيرة التي تنتابني حول ما يحدث من قتل بشكل شبه يومي ولا تكاد الوسائط الإعلامية تخلو من صور الشهداء وسؤال للجهات العدلية هل هذا هو القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد؟؟؟؟ لا أدري

سلام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى