خربشات الجمعة

 ( ١)

* الدكتور  بشير إدريس  عبد السلام من الكفاءات  المهاجرة في بلاد الإفرنج  التي وصفها مصطفى سعيد في موسم  الهجرة للشمال أنها بلد نساؤها (…) وتلك  بلدان لم يألفها السودانيون إلا بعد أن ضاقت  بهم ما وسعت أرضهم ودفعت بهم ظروف المعيشة للهجرة  حتى لروسيا البيضاء، وآخرون اتخذوا من شيلي وأرغواي وطناً بديلاً  لأم درمان.. وأبلغ أهل الاستنارة في هذا البلد من قال عن هجرته إلى دولة  ليبيا والتحاقه بإحدى جامعاتها (ما كنا في السودان نعاني ضيق معيشة لو ساد  في السودان أهل البصائر)، وكيف يسود أهل البصائر وقد لفظتهم حكومات بلادهم من بيد  إلى بيد كما يقول الناصر قريب الله في إحدى تجلياته الشعرية..  

صحيح  ما كل مغترب  ومهاجر ولاجئ كان  مقصده الخلاص الذاتي  وجمع المال وتعليم الأولاد  والعيش في رغد مثل حسني بطل  رواية الرجل الخراب لعبد العزيز بركة ساكن.  

هناك  من كان  مقصده وهدفه  الخلاص الجمعي  لوطن مزقته الحروب  وأقعدته الصراعات، وبشير  إدريس رغم انتمائه للمعارضة  سابقاً وحمل معاول الهدم لطرد  الإنقاذ من الحكم وهو من المناوئين  للإسلاميين غير المباغضين الكارهين، لأن  الدكتور الصيدلاني خرج من بيت الشيخ الفقيه  إدريس عبد السلام محمد زين، وهو من فقهاء ما قبل  شريعة ١٩٨٣ التي قال الصادق المهدي بأنها أقل قيمة  من سعر الحبر الذي كُتبت به (شفت رخصة الشريعة عند ود المهدي  عليه السلام ).

الدكتور  بشير إدريس  رغم معارضته للنظام  السابق، كان يكتب بموضوعية  وينتقد نظام البشير بمنطق ناعم  وساخر ويعترف بحقائق الواقع الشيء  الذي أكسبه احترام الجميع وإجماعهم على حسن  تقديره وعفة لسانه, وعندما طرح د. بشير على منصات  التواصل الاجتماعي فكرة مشروع تعمير مدرسة الدبيبات  الأولية هبَّ الجميع مساندين وداعمين وتبرع الجميع بما  يملك من مال وذهب وفضة وثيران وتيوس ونعاج ونحرت البهم ونهض  مشروع بناء المدرسة وإعادة ترميمها، وكان الوالي عيسى آدم أبكر  أول المتبرعين، وكذلك المعتمد المكي إسماعيل قادم وجمع الواتساب بين  من هم في الشرق ومن هم في الغرب، ونظر الكثيرون لدكتور بشير بأنه رجل توافقي  يستحق أن تنعقد له الأمارة، وحتى نيابة المنطقة في البرلمان القادم دون أن ينظر  أهل القرى للون بطاقته وانتمائه الحزبي أن جرت انتخابات حقاً ولكن آه من لكن هذه  !!

كان  نفير مدرسة  الدبيبات الأولية  في جنوب كردفان أول  محاولة لجمع أهل المنطقة  من غير بطاقات هوية حزبية ولكن  جاءت عاصفة السياسية واقتلعت رياح  التغيير النظام السابق، وأطلت فرصة جديدة  لتعزيز مشروعات النفير، وأصبح الدكتور بشير  إدريس من المقررين لمصير السودان كله، وليس المنطقة  الصغيرة، وتحمل اعباء الدفاع عن قوى الحرية والتغيير التي  شغلتها السلطة عن الأقاليم البعيدة والأصقاع والهوامش وأعباء  الدفاع عن حكومات العالم الثالث مهمة صعبة جداً وخاصة في ظروف  اقتصادية بالغة التعقيد الناس من العامة لها أحكامها إذا عجزت الحكومة  عن توفير الضروريات اليومية للناس يصبح وجودها لا خير فيه.  

في تسعينات  القرن الماضي  تم تعيين الدكتور  بشير آدم رحمة والياً  على أهله في غرب كردفان،  وهو عالم لا يختلف حوله اثنان  ومثقف عميق النظرة، ولكنه ذهب لولاية  لا تملك بيدها إلا العجاج ودخان البترول، وجمع  الوالي أهل مدينة الفولة ليصغي إليهم دون حاجب  سلطاني، تحدث من تحدث مدحاً للثورة وقدحاً في الأحزاب  وكل بما في جرابه فرحًا . 

نهض  أحد البقارة  وقال سيدي الوالي  الإنقاذ دي في أيامها  الأولى كانت حكومة سمحة  ما شينة، لكن الآن جابت لينا  المحليات مثل الزول الشايل مخلايته  وسكينه مكان ما شاف ليه لحماية قطعها  ودخلها فى مخلايته،  

بعد  ذلك الحكومة  قالت ما تقدر تعالج  المرضانين ولا تستطيع  تعليم العيال الأميين إلا  أبهاتهم يدفعوا القروش والآن  قالت ما بتقدر تداوس إلا الناس  يداوسوا معاها يا سيد الوالي حكومة  ضعيفة زي دي بسوا بيها شنو ما تمشي  يااخي.  

والدفاع  عن الحكومات  في السودان ديمقراطية  أو انتقالية منتخبة أو  معينة هي أسرع وسيلة لإنهاك  المدافع عن الحكومات وتبديد رصيده  فيما لاجدوى منه .

             (٣)

لن  نردد  مع وردي  خوفي منك،  ولكن خوفي على الدكتور  بشير إدريس من تحمل تبعات  الدفاع عن أشخاص لهم خطاياهم  وإيجابياتهم وحزني أن يمضي في درب  الغشامة وتسرق قلمه النظيف قاذورات  الطريق ويصبح مثل بت بيلو قبل أن يهديها  الله وتهب كل ثروتها لليتامى والمساكين، ولكنها  في أيامها كانت تلسع الناس بلسانها وتكشف حالهم حتى تطاولت  يوماً على الشيخ مدثر الحجاز فضربها أحد تلاميذه بعصا جعلتها  طريحة الفراش لنصف عام.  

والناشطون  في نقد الحكومة  لا يردعهم وازع، وهم  من أجل تحقيق أهدافهم مستعدون  للنزال حتى في أزقة حي أبوروف لذلك  نربأ بالصديق بشير إدريس من العراك غير  المجدي والقيام بمهمة حراسة بوابة الحكومة  الانتقالية لأن من هم دونه علماً وأدبا كفيلون  بمثل هذه المهام.  

وود  إدريس  من الذين  ندخرهم لجمع  الناس ووحدتهم  لا تشليع الرواكيب  وإشعال النيران في تكال  القش عند قدوم فصل الصيف.  

في الختام،  نبعث إليك باقة  حب مع طلب سماع أغنية  كتبها التجاني حاج موسى  وتغنى بها كمال ترباس  

ارجع  بالزمن  مَره  

واتذكر  حكايتي معاك  

تلاقي  القصة جد  مُره  

وهل  راعيت  شعور مضناك  

كلما تزيدني  في هجرك  

أقول  ليك زيدني  ما أحلاك  

لا شَفَع  التوسّل ليك  

ولا  حرماني  يوم همّاك..

 

وكل  جمعة والجميع  بخير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى