مشروع سندس الزراعي خفايا وأسرار (1)
مستثمرون: جملة الخسائر للفترة من 2018 وحتى يونيو 2020 11 مليون دولار
مدير عام سندس: تم علاج مشاكل نظافة القنوات والري
الأهالي: الإدارة فشلت في حل مشكلة البعوض
مستثمر: هل لوالي الخرطوم الوقت لمتابعة مشروع زراعي بهذا الحجم
مغترب: باأي قانون يمنحون أرضي لآخر
تحقيق / محيي الدين شجر
صراع مستمر وخلافات دائمة بمشروع سندس الزراعي أشهر مشروعات النظام المخلوع.. والذي كان من المأمول أن يحقق نهضة زراعية ضخمة للسودان ..
ولكن سوء إدارته أقعد به وجعله من المشروعات الاستثمارية التي يضرب بها المثل في الحسرة والخسران ..
الصيحة تابعت مشواره والمشكلات التي تحيط به إحاطة السوار بالمعصم خاصة بعد الحرائق التي تعرض لها في محصول الرودس في الفترة الأخيرة وخرجت بتفاصيل يشيب لها الغراب .
كلفة المشروع
يقع مشروع سندس الزراعي على بعد 30كيلومترًا جنوب الخرطوم بمحاذاة الضفة الشرقية للنيل الأبيض في مساحة تقدر بحوالي 110 ألف فدان . وتبدأ حدوده الشمالية بقرية طيبة الحسناب، وتنتهي جنوباً بقرية ود الكريل بمحلية القطينة، ومن الناحية الشرقية يحده مشروع الجزيرة ومن الناحية الغربية يحده طريق الأسفلت الخرطوم ربك. وبلغت تكلفة المشروع حينها حوالي 72 مليون دولار أميركي، ويمتد المشروع في ثلاث ولايات وهي ولاية الخرطوم وولاية الجزيرة وولاية النيل الأبيض بنسب مختلفة ويرأس مجلس إدارته والي ولاية الخرطوم.. وبدأ تنفيذ المشروع فعلياً على أرض الواقع نهاية العام 1992
خسائر دولارية
بعض المستثمرين بالمشروع ….. حكوا لي خسائرهم في الفترة من 2018 وحتى يونيو 2020 وقالوا
في العام 2018 بلغت نحو ٢ مليون دولار نتيجة الحرائق وتعطل العمل بسبب شح المياه في حين قالوا إنها وصلت في 2019 حوالي 4 ملايين دولار أمريكي نتيجة الحرائق ومشاكل المياه أما العام
2020 حتى يونيو فقد بينوا أنها وصلت ( 5) ملايين دولار نتيجة اختناقات وعدم توفر المياه وحوالي(100) ألف دولار خسائر جراء الحرائق.
وذكروا أن جملة الخسائر للفترة من 2018 وحتى يونيو 2020 فاقت 9 11 مليون دولار على حد قولهم .
وأضافوا: هناك خسائر غير مباشرة تتكبدها شركات الحصاد خلال العام، حيث تفقد شركات الحصاد مبالغ لا تقل عن 500 ألف دولار في كل حصدة واحدة لا تتم بسبب الري.
وهناك تجارة قطع الغيار وخيوط التحزيم والترحيل وحركة الصادر بالميناء كل ذلك يتأثر بتوقف الحصاد.
وزادوا بقولهم: أيضاً يفقد قطاع الدواء أكثر من مليون دولار باعتبار أن هناك ١٠٪ من الصادر للأدوية
وأوضحوا: في هذا العام من يناير الى يونيو 2020 كان يفترض أن يتم حصاد المساحة الكلية والتي تقدر بحوالي ١٤ ألف فدان في ثلاث حصدات، ولكن في الواقع حصدت مرة واحدة، وبالتالي هناك حصدتان فاقد
وحساباتها ١٤٠٠٠ فدان ٣ طن للفدان تساوي 42000 طن وسعر الطن حوالي 120 دولاراً، وبالتالي يكون الفاقد والخسائر حوالي 5 ملايين دولار.
صراع محتدم
وعلمت (الصيحة) بوجود ثلاثة مكونات متصارعة بالمشروع الأهالي والمستثمرون، ولهم جمعية خاصة بهم والطرف الثالث هو إدارة سندس.. وأن المعركة أصبحت بين الأهالي والمستثمرين في حين أشار بعض المستثمرين لـ (الصيحة) بأنهم لا ذنب لهم في الصراع الدائر لأنهم تورطوا في الاستثمار المطروح من قبل إدارة سندس..
وتفيد متابعات الصيحة أن الأهالي أغلبهم من رؤساء اللجان الشعبية السابقة، لذلك يصنفهم المستثمرون أنهم بقايا نظام بائد فيما يعتبر الأهالي أن المستثمرين دولة عميقة بحكم أنهم استثمروا أراضيهم مع أن كل المستثمرين حسب ما توصلنا إليه هم من المواطنين العاديين والزراعيين والإيجار متاح لكل شخص..
معوقات
من خلال متابعة الصيحة ولقاءاتها مع عدد من المستثمرين فقد كشفوا أن أبرز معوقات المشروع وجود والي الخرطوم على رأس مجلس إدارته واشاروا إلى أن ذلك يؤدي إلى ازدواجية في العمل الإداري وتساءلوا متى تم عقد آخر اجتماع لمجلس إدارة المشروع وما هي مخرجاته، وقالوا: هل والي الخرطوم لديه من الوقت والأولوية لمتابعة مشروع زراعي بهذا الحجم ومجلس الإدارة في كل النظم الإدارية له مهام ومسئوليات تتعلق بالتخطيط والرقابة ووضع السياسات والتوجهات ومحاسبة الإدارة التنفيذية وأوضحوا أن سياسة النظام البائد هي وضع المسؤولين في مجالس الإدارات من دون تطبيق المهام والمسئوليات ودون اتباع مبدأ المحاسبة، لذلك أصبحت إدارة مشروع سندس من غير رقيب أو مساءلة أو قياس أداء أو رقابة مالية وإدارية وفنية.
مفارقات
ويكشف مصدر ـــ فضل حجب اسمه ــ لـ (الصيحة) أن القيادات الثلاث العليا التي تدير المشروع من المعاشيين وقال إن الدولة العميقة ما زالت تحكم حتى الآن، ولم تسقط في المشروع. وطالب المصدر أن يكون المشروع ضمن مواكب ثورة التغيير وضخ دماء جديدة فيه تعمل على تحقيق الأهداف وتحل المشكلات الإدارية والفنية المزمنة بالمشروع خصوصًا العطش باعتبار أن الري من أهم العمليات التي قام عليها المشروع من خلال نظافة القنوات بجدول زمني معروف مثل كل المشاريع الزراعية في السودان، وكذلك صيانة الطلمبات والاهتمام بالكادر البشري، وقال إن الإدارة الحالية تجاهلت مطالبهم ولم تتحرك لإيجاد حلول لمشكلات الري ومشكلات العاملين ..
ويعدد أحد المستثمرين في حديثه لـ(الصيحة) ملفات قال إنها تحتاج إلى حل من قبل إدارة المشروع مثل ملف الأراضي وملف التعديات على المشروع بالحرائق والأضرار، وقال إنها لم تقدم حلولاً تعالج المشكلة من جذورها مع الملاك والمستثمرين والأهالي حول القرى ولم تستطع أن تحل مشكلة الآثار البيئية الناجمة عن زراعة القمح أو القطن أو الخضروات أو علف الرودس.
وأضاف: هذه الإدارة والتي ظلت منذ تأسيس المشروع فشلت في حل مشاكل متلازمة الحريق والري والتجفيف والبعوض، مضيفاً: فلننظر كيف عالج القطاع الخاص مشكلته في أقل من 3 أشهر كما فعل معاوية البرير من تسويات ومعالجة جذرية لمشكلة الأرض مع مشاريعه بسنار.
وقال إن الإدارة أيضاً لا تقبل المبادرات لحل المشاكل الأساسية خصوصًا وأن هناك أطرافاً في القضية هي الدولة والملاك والمستثمرون والمجتمع المحيط .
الإدارة تنفي
من جهتها نفت الإدارة أي تقصير في المشروع، وقال الطيب محمد الطيب مدير عام سندس إن مشاكل نظافة القنوات والري تم علاجها، وحول غياب اجتماعات مجلس إدارة المشروع قال: يعود إلى الظروف السياسية وتغيير والي الخرطوم المستمر، مبيناً أنهم أعدوا ملفاً كاملاً لوالي الخرطوم السابق يحوي كل صغيرة وكبيرة عن المشروع وقبل أن يدعو إلى اجتماع مجلس إدارة تمت إقالته وفيما يتعلق بحرائق الرودس قال إنه طالب المتضررين بفتح بلاغات إذا كانوا يتهمون أشخاصاً بعينهم لوصول شكاوى إليهم من بعض المستمرين بتلقيهم تهديدات بالحريق وقال إنهم في حال تقدموا ببلاغات سيمدونهم بتقديرات التلف لإرفاقه مع البلاغ.
وأوضح أن مشكلات البعوض ظلت تحل بالتعاون مع ولايتي الخرطوم والنيل الأبيض وللولايتين آليات رش خاصة وفق برنامج مشترك وسيقومون بتفعيله، وأنهم يتحملون التكلفة، وحول استخدامهم للشرطة لإجبار المستثمرين لدفع التزاماتهم، قال إنهم أصلاً لم يربطوا تقديم الخدمة بدفع التزامات المستثمرين، مبينًا أن على المستثمرين ديون كثيرة لعدد من السنوات لم يسددوها موضحاً أن الوقت الحالي غير مناسب لمطالبتهم بها لأنهم يركزون على حل مشاكل الري والقنوات ..
وشرح لي المدير العام أسباب قلة الحصدات بقوله إن الحصدات للرودس تقل في فصلي الخريف والشتاء لظروف مناخية بحتة، مبيناً أن همهم الآن الانتظام في الري وتنظيف القنوات، مؤكداً أن أبوابهم مفتوحة لكل الشكاوى ويعملون على حلها، ولقد حلوا مؤخراً إشكالات لبعض المستثمرين، مشيراً إلى أن جائحة كورونا أثرت على العمل ..
حسابات المشروع
وحسب متابعات الصيحة فقد تبين لها أن مراجعة حسابات المشروع تتم عبر مكتب مراجعة خاص وليس المراجع القومي..
وأن الفدان يتم إيجاره سنويًا بـ 1000 ج وأن هنالك حسب التقديرات التي أجرتها الصيحة بمساعدة خبير مالي نحو 20 مليون جنيه سنوياً ريع فقط لـ20% من مساحة المشروع تدخل خزينته خلاف الإيجارات الموسمية والتي تكون قيمة الإيجار فيها تقارب ضعف الإيجار المستديم ..
عدم دفع الإيجار
ورد بعض المستثمرين على اتهامهم بعدم التزامهم بسداد الإيجار بقولهم إن السبب يعود إلى إخلال الإدارة بشروط التعاقد بتوصيل المياه إلى فم أبوعشرين وفشلها في الوفاء بالالتزامات التعاقدية، وأكدوا أن الإدارة تلجأ الى استخدام الشرطة لإيقاف عملية الحصاد لتحصيل المديونيات مما يكبدهم خسائر فادحة، وقالوا إن العقد شريعة المتعاقدين وبما أن الإدارة أخلت بشروط العقد فلا تملك الحق في استخدام الشرطة لإيقاف عمليات الحصاد.
المسكوت عنه
مغترب حدثني بحسرة قائلاً: لقد تحصلت على أرض من مشروع سندس وأملك (5) أفدنة وفق شهادة بحث منفعة لمدة 99 سنة، ولكني عندما طرقت باب إدارة الموقع قيل لي إن مساحتك تم إيجارها لمستثمر من خارج المشروع لمدة 10 سنوات، وبعد أن تنتهي مدة الإيجار يمكن أن نمنحك أرضك وفي المقابل يطرحون عليك قيمة إيجار رمزي خلاف المبلغ الذي تم إيجاره للمستثمر أي ظلم هذا، ومن الذي فوض إدارة المشروع بإيجار ارض زراعية يملك مالكها شهادة بحث ..
ويضيف المستثمر المغترب في حديثه لـ(الصيحة) قائلاً :
ستظل قضية قانون نزع الأراضي من الملاك الأصليين بأخذ نسبة الـ40 % من الأرض دفعة واحدة وترك الـ 60% لهم مقابل شق الترع وقنوات الري والذي جاء نتيجة استصدار القرار الجمهوري رقم 95 لسنة 1992م شوكة في حلق الاستثمار الزراعي بالمشروع “قريب ومتوسط وبعيد المدى”، وقد فشلت هذه الإدارة في إيجاد حلول ومعالجات لهذا الواقع طيلة الـ28 عاماً السابقة، مضيفاً: نتيجة لعدم معالجة تلك المشكلة يظل الاستثمار مهدداً بالحرائق والأضرار فأصبح المستثمر بين سندان الحكومة ممثلة في إدارة المشروع بعدم الوفاء بالعقود والعطش ومطرقة الأهالي والمواطنين بالحرائق والتعديات المتكررة بمتوالية هندسية ويتكبد فيها الاستثمار خسائر مليارية خصوصاً وأن أغلب المستثمرين يزرعون عن طريق التمويل من البنوك ..
مراجعات واقتراحات
واقترح المستثمرون والمختصون أن يتم تطبيق حزمة من المراجعات والتوصيات تتمثل في مراجعة الأوضاع الإدارية بالمشروع وضرورة تفعيل مجلس الإدارة وتمثيل المستثمرين فيه باعتبار أن الاستصلاح الذي تم للأراضي التي زرعت بعلف الرودس تمثل 25% من مساحة المشروع، وتم ضخ ما لا يقل عن 15 مليون دولار وأن يقوم المجلس بدوره الرقابي والتوجيهي والتطويري وأن تنتهج الإدارة الأسلوب الإداري والفني لإدارة المشروع وفقاً لإسس وإدارة المشاريع الزراعية من حيث الحقوق والواجبات والتخطيط السليم
والتأكيد على اقتصادية الرودس في المساحة المحددة له ٢٥٪ لخلق التوازن الزراعي، وأن العلف مصدر أساسي للاستثمار في الإنتاج الحيواني إضافة إلى أن ملوحة الأرض لا تقبل إلا هذا المحصول، واقترحوا زيادة فترة إيجار الأرض للمساحة المزروعة بالرودس، والتي تنتهي عقود بعض المستثمرين فيها في أكتوبر ٢٠٢٠ م وطالبوا رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس إدارة مشروع سندس الزراعي ووالي ولاية الخرطوم بجبر الضرر الذي حاق بهم بزيادة فترة الإيجار لمدة لا تقل عن خمس سنوات ..
مسؤولية من
المواطن طه محمد أحمد من أهالي المنطقة نفى لي أن يكونوا قد قاموا بحرق الرودس، وقال إنهم بعيدون كل البعد عن الممارسات غير القانونية مع أنهم يعانون من كثرة البعوض وما يسببه من أمراض ..
وقال إن جمعية منتجي الرودس أكدت لهم أنها تدفع باستمرار لمكافحة البعوض لكنهم لم يروا أي عمليات رش تتم مشيراً إلى أن المسؤولية تقع على عاتق إدارة المشروع وقال من التزاماتها مكافحة إثاره لكنها لم تفعل شيئاً مبيناً أن البعوض يتوالد بكثرة في مياه الرودس التي تستمر لفترة طويلة .
إقرأ في الجزء الثاني من التحقيق
الرودس … ملف شائك ..