(مبادرة القومة للسودان).. الحقيقة المخفية!!

 

الرمادي: إخفاء الأرقام الحقيقية للمبادرة أمرٌ مُخجل

البنك المركزي: برنامج القومة للسودان ضمن مسؤوليات وزارة المالية

خبير اقتصادي: الاقتصاد السوداني  لا يُمكن معالجته بتلك المبادرات

وزارة المالية: البرنامج والمبادرة من اختصاصات مجلس الوزراء

 

بعد تفاقم الأوضاع المعيشية وحالة تدهور غير مسبوقة في الاقتصاد السوداني،  ووسط تضاؤل فرص الحل في ظل نقص موارد النقد الحر، وتكرار الأزمات الاقتصادية جراء تصاعد معدل التضخم الذي وصل إلى 150% وتراجع قيمة الجنية أمام الدولار لم تجد الحكومة خياراً أمامها سوى الاستناد والتعويل على نتائج مؤتمر برلين الاقتصادي، بجانب تبرعات المانحين.

وما بين الحيرة والرغبة، أطلقت الحكومة مبادرة القومة للسودان التي اعتمدت على منهج التحويلات المباشرة للمتبرعين داخل السودان وخارجه، عن طريق رقم حساب مصرفي موحد لكل البنوك التجارية والحكومية وخدمة تحويل الرصيد عبر شركات الاتصالات، حيث حققت المبادرة مبالغ ضحمة كان يمكن أن تساعد كثيراً في فك جزء من الضائقة المعيشية المتمثلة في أزمة الوقود والخبز والغاز،  ولكن تجاهلت الحكومة الحديث عن أموال القومة ومساهمتها في فك الضائقة، بل والكشف عن أرقامها الحقيقية وما دون ذلك ستكون المبادرة بمثابة الخذلان الكبير للشعب.

 

تحقيق النذير دفع الله

 

مشاركات واسعة

سارع نجوم المجتمع السوداني ورجال الأعمال والمواطنون على جميع أطيافهم بإعلان التبرع لحملة البناء والتعمير على صفحات بمواقع التواصل الاجتماعي،  حيث يرون أن المبادرة ستمكن من إنعاش الاقتصاد، وهو الشيء الذي يقطع الطريق أمام مخططات النظام البائد.

نتائج مضمونة

واعتبرخبراء في الاقتصاد أن مستوى التفاعل مع مبادرة البناء والتعمير التي أطلقها رئيس الوزراء السوداني  أكدت  نجاحها من خلال  جمع مبالغ تنقذ الاقتصاد وتحسن الأوضاع المعيشية في البلاد، وشدد الخبراء على ضرورة أن تكون تبرعات السودانيين في الخارج بالعملات الصعبة، لأن ذلك سيكون له مردود كبير على تقليص فجوة البلاد من النقد الأجنبي، وأوضحوا أن مثل هذه المبادرات معهودة وربما تكون نتائجها مضمونة إذا حظيت بالتفاعل الشعبي الكبير، وقد شاهدنا هذا النجاح في الجارة مصر حيث مبادرة “صبح على مصر بجنيه”، وصندوق (تحيا مصر) اللذين ساهما في استقرار الاقتصاد المصري، ويرى الخبراء ضرورة أن تصاحب حملة القومة للسودان، تحركات أكثر قوة لاسترداد الأموال التي نهبها نظام الإخوان البائد، التي ستمكن من سد حاجة البلاد من النقد الأجنبي.

تحديات اقتصادية

وجاءت مبادرة القومة للسودان بعد أن أقر  رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أثناء تدشينه المبادرة، قائلاً بتدهور الأوضاع الاقتصادية وقائلاً: (لا نكذب على الشعب، فنحن نعاني تحديات اقتصادية كبيرة ورثناها من النظام البائد وهي نتيجة سياساته وفساده)، وحث حمدوك أثناء انطلاق وتدشين المبادرة السودانيين على التفاعل مع الحملة، وقال كما وقفنا متحدين لإسقاط النظام السابق، نقف الآن مرة أخرى لإعادة بناء وإعمار البلاد بعد عقود من الدمار والانهيار، مؤكداً أن معركة البناء والإعمار هي استكمال للخطى المجيدة التي مشى عليها الشعب السوداني في ثورته المستمرة، التي توجت بإسقاط النظام المخلوع.

انعدام الضمان

ورغم التفاعل الكبير مع حملة البناء والتعمير، فإن نتائج هذه الحملة  حسب رأي الخبير الاقتصادي عبد العزيز أحمد، أن المبادرة  تبدو غير مضمونة، حيث يرى أن وسائل أخرى ستكون أكثر نجاعة في تحسين الأوضاع المعيشية في السودان بينها استرداد الأموال من نظام الإخوان البائد، وقال عبد العزيز: هذه المبادرة طيبة للغاية وستحدث انفراجاً نسبياً في الضائقة المعيشية، ولكن استرداد الأموال المنهوبة من النظام البائد ستحقق استقراراً كبيراً في الاقتصاد السوداني.

تغريدات

وكان رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير قد غرّد على صفحته الشخصية بتويتر قائلاً إن هذه الحملة هي استدعاء لثقافة (النفير) التي عرف بها السودانيون، والواجب الوطني يفرض على الجميع أن يبذلوا ما في وسعهم لإنجاحها.

مبادرات سابقة

هيثم فتحي المحلل والباحث الاقتصادي قال لـ(الصيحة) إن حملة أو مبادرة القومة للسودان لم تكن الأولى في تاريخ الشعب السوداني، حيث شهد على مرّ التاريخ دعوات شبيهة بينها “جنيه الكرامة”، وهي حملة أطلقت خلال عهد الرئيس السابق جعفر نميري كما تداعى السودانيون للتبرع من أجل حفر قناتي مشروع “كنانة والرهد” خلال حقبة التسعينيات، وأضاف هيثم: كنت أتمنى أن تحقق المبادرة أهدافها لأنها مبادرة وطنية تداعى لها كل السودانيين بمختلف انتماءاتهم السياسية وكل فئاتهم.

وقال هيثم: كان يجب أن تكون القومة للوطن بمنهجية قائمة على أعلى درجات الشفافية والمكاشفة والمحاسبة والمساءلة وتوحيد الجهد الوطني المتمثل بتبرعات المواطنين بالداخل والخارج والمؤسسات الوطنية العامة والخاصة، مشيرًا إلى أن التبرع الخارجي المتمثل في تبرعات الجهات المانحة والصديقة للسودان كان يُستحسَن أن يتم وضعها في حساب خاص في البنك المركزي على أن تدمج جميع الصناديق والمبادرات التي أطلقت من قبل. فيها، وشدد هيثم على أن الاقتصاد السوداني لا يمكن أن يُعالَج بمثل تلك المبادرات مقارنة مع الموارد الطبيعية المتعددة والمتنوعة والموارد البشرية المؤهلة، بينما معالجة أي قصور في الاقتصاد هناك خبراء يمكن لهم تحديد أسباب القصور والعجز ورؤية معوقات تَقدّمه والبدء الفوري في وضع خطط زمنية واقعيه لإزالة المعوقات ومعالجة القصور، موضحًا أن اقتصاد السودان منذ فترة يسير في طريق الاقتصاد الاستهلاكي، ولا توجد أية بوادر لخطط إنتاجية.

وكشف هيثم أن  الجميع لديه علم بأن  غالبية المصانع العاملة تعمل بـ 20% من طاقتها، فضلاً عن المتعطلة والخارجة عن العمل وذلك لمعوقات روتينية يعلمها الجميع ولم تُتَّخَذ أي خطوة لمعالجتها، وعلّل بأن  الإعداد للمبادرة لم يكن جيدًا، حيث كان من الأفضل تحديد مشاريع معينة حسب أولويات معدة ومحددة مسبقاً حسب الحاجة بحيث يصبح هذا المشروع من الأولويات يساهم فيه الجميع.

توظيف صحيح

فيما أكد محلل سياسي ـ حجب اسمه (للصيحة)،  أن أموال (القومة للسودان) لم يتم توظيفها بالصورة الصحيحة، وقال إن الأموال بحسب ما ورد من المصادر أنها موجودة في الأرصدة بالبنوك دون الكشف عن الأرقام. وأشار المحلل السياسي إلى أنه لم يتم الحديث عنها حتى الآن مثل ما تم الحديث حول أموال الكورونا ودعم أصدقاء السودان والدعومات وغيرها، لذا من الضروري لحكومة حمدوك أن تعمل على كيفية توظيفها بالصورة المطلوبة، وخصوصاً أنه لا توجد تصريحات واضحة بهذا الخصوص ولا عن الأرقام الموجودة داخل أرصدة البنوك. وأضاف المحلل أن التحدي الأكبر أن يتم وضع أموال القومة للسودان في مشاريع. وتساءل (أين هي أموال القومة للسودان وما هو حجمها حتى وإن تم استخدامها استخداماً سالباً، وما هو متاح من معلومات حولها يوحي بأن الأموال مجمدة كما ذكرت آنفاً). وطالب المحلل الجهات المعنية بالكشف عن أرصدة القومة للسودان وتمليك المعلومات الكاملة بشفافية ودقة، ويرى  أنه آن الأوان لكشف ما هو مستور وإزالة الرؤية الضبابية.

مبالغ مرصودة
كشفت بعض المواقع الإخبارية ومنها  باج نيوز في وقت سابق أن ما حققته مبادرة “القومة للسودان” التي أعلنها رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك حققت أرقاماً قياسية ووصل عدد التبرعات فيها إلى  (515.202) معاملة
وبلغت جملة التبرعات حتى مطلع أبريل الماضي مبلغ (82.903.065) جنيه سوداني حسب موقع باج نيوز، ووجدت المبادرة تفاعلاً كبيراً من قطاعات الشعب السوداني المختلفة بداية من قيادات الدولة والقوات المسلحة والعاملين في القطاع العام، بالإضافة إلى مساهمة كبيرة من القطاع الخاص.

إخفاء الأرقام

بينما أكد الخبير الاقتصادي دكتور عبد الله  الرمادي (للصيحة) أن مبادرة القومة للسودان تشبه في تفاصيلها من يريد أن (يأخذ دماً من شخص مصاب بفقر الدم) أو كشخص لديه مخزن من الأغذية موجودة أمامه ويبحث في بيوت النمل، وأضاف الرمادي أن القومة للسودان كانت عملية فاشلة اضطروا للوقوع فيها حتى يقولوا للشعب السوداني إننا ما زلنا نبني بعد أن فشلوا في إقناع العالم الخارجي، وأكدوا للشعب أنه بمجرد تولي المهام ستنهال على السودان أموال العالم، ولكنهم فشلوا حتى في جلب أموال مؤتمر برلين التي لم تتعدّ 2 مليار دولار والتي لن يتم إعطاؤها لهم وستظل مجرد وعود، وأشار الرمادي أن الشعب السوداني ما زال منهكاً جراء التضخم الذي وصل إلى 150% بعد أن تركته الإنقاذ 68% إذا اعتبرنا أن الإنقاذ استلمته صفر % ولكنها خلال 30 عاماً ألحقته إلى  68%، ولكن هذه الحكومة خلال عام واحد ألحقته  الضعف، وقال الرمادي: لا يوجد شيء واحد تم إنجازه خلال هذا العام وهو أسوأ عام يمر على الشعب السوداني الذي لم يعاني مثل ما عانى هذا العام، مشدداً: كان يجب على المسؤولين من المبادرة إعلان أرقامها وأن إخفاء الأرقام الحقيقية أمر مخجل.

تردّد وهروب

(الصيحة) تواصلت مع عدة جهات مسؤولة من أجل الوصول للحقيقة المجردة والإجابة على تساؤلات الشارع العام، ولكن أغلب الجهات ترددت في الكشف عن الحقائق ومحاولة الهروب والتنصل من المسؤولية، فكان رد بنك السودان المركزي هو أن برنامج القومة للوطن ليس من سلطاته بل هو اختصاصات وزارة المالية والتي بدورها أيضا لم تُجب على تساؤلات (الصيحة) حتى اللحظة.

ومن جانبها تواصلت (الصيحة) مع المستشار الاقتصادي لمجلس الوزراء الذي أوضح بدوره أن برنامج القومة للسودان هو ضمن مسؤوليات أحد الأفراد وهو حالياً في مدينة جوبا ضمن وفد التفاوض لعملية السلام.

تقاطعات ومسؤوليات

مدير إدارة الموازنة بوزارة المالية ندى محمد عثمان قالت (للصيحة) إن برنامج القومة للسودان من اختصاصات ومسؤوليات مجلس الوزراء ولا علاقة لوزارة المالية بهذا البرنامج أو المبادرة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى