المتاريس والعدالة.. ما لها وما عليها

 

المعز حضرة: المتاريس أحد أعراض مرض الانقلاب ورفعها مرهونٌ بعودة الأمور إلى نصابها والعودة للحكم المدني

محمد الحسن الأمين: تتريس الشوارع أسلوبٌ غير سلمي ولا يتّفق مع شعارات الديمقراطية

المُرشّح السابق لمنصب رئيس القضاء محمد الحافظ: التتريس واقعٌ ثوري لا بد منه

 

الخرطوم: محمد موسى        31مارس2022م 

بعد سقوط نظام الإنقاذ، قامت السلطات العدلية بالبلاد بتوقيف عدد من رموز الدولة وقيادات العمل الدستوري والتنفيذي بالبلاد وعلى رأسهم الرئيس المعزول عمر البشير، على ذمة بلاغات تتعلّق بالفساد والمخالفات المالية وتقويض النظام الدستوري وإثارة الحرب ضد الدولة، كما تم الزج بالعديد من الضباط بالمعاش والخدمة تحت لائحة قيادة محاولات انقلابية على حكومة الفترة الانتقالية، وتجتهد النيابة في تدوين العديد من البلاغات وإجراء التحري لإحالة عديد القضايا الى المحاكم، حتى ان السلطة القضائية شكلت محاكم خاصة للنظر في تلك الدعاوى، الا أن الظروف الأمنية وتضارب تسيير المواكب والتظاهرات وظاهرة إغلاق الشوارع الرئيسية، أثّرت بنظر المراقبين،  على سير الجلسات في موعدها الأمر الذي اضطر القضاة الى ترحيل وتأجيل الجلسات لأيام أخرى وذلك لعدم تمكن سلطات السجون من إحضار المتهمين في ظل الحالة الأمنية التي ضربت البلاد وما زالت مستمرة منذ سقوط نظام الإنقاذ في العام 2019م.

تظاهرات وإحضار متهمين

تلك التظاهرات التي ظلّت مُستمرة بالبلاد رافعة شعار المُطالبة بالحكم المدني، ورافضة لنظام الحكم العسكري بالبلاد قد اثّرت على سير إجراءات تلك القضايا بالصورة التراتبية التي حددت لها مسبقاً – لا سيما وأن إدارات السجون المختلفة لا تتمكّن من إحضارهم للمحاكمة بسبب تلك التظاهرات وإغلاق الشوارع وتتريسها، وأحياناً كثيراً بسبب فعل السلطات التي تغلق الكباري بالحاويات عقب كل إعلان عن تظاهرة، وعندما تكرّر تأجيل تلك الجلسات توصّل محامو الدفاع عن المتهمين الى حلٍّ يتمثل في طلبهم من المحاكم المختلفة التي يمثل المتهمون أمامها بالسير في الإجراءات في غيابهم – الأمر الذي قبله عدد من المحاكم وقرّرت السير في إجراءاتها وذلك لعدم تضرُّر المتهمين من غيابهم من الحضور أمامها في ظل محامٍ يمثلهم والدفاع عنهم ولعدم الإضرار بقضيتهم وذلك وفقاً للقانون، إضافةً الى أن هنالك عددا من البلاغات لم يتم البت فيها وذلك يعود الى الأحوال الأمنية التي تمر بها البلاد، مما يحول دون إحضار المتهمين أمام المحكمة وعدم انعقاد جلسة محاكمتهم.

أشهر المحاكمات

ومن بين أشهر المحاكمات التي تم تأجيل جلساتها بسبب التروس والتظاهرات، محاكمة والي ولاية شرق دارفور الأسبق (أنس عمر وآخرين) في قضية اتهامهم بتقويض النظام الدستوري للبلاد، إضافةً الى تأجيل محاكمة زوجة الرئيس المعزول (وداد بابكر) في قضية اتهامها بالثراء الحرام والمشبوه، كما أرجأت المحاكم عددا من القضايا التي يقبع المتهمون فيها بالسجون وذلك لعدم تمكن سلطات السجون المختلفة من إحضار المتهمين أمام المحاكم بسبب تتريس وإغلاق الشوارع وبسبب الظروف الأمنية المتقلبة.

مرض الانقلاب وأعراضه

قال الخبير القانوني المعز حضرة لـ(الصيحة)، إن المتاريس وإغلاق الشوارع والتظاهرات التي تنتشر بولاية الخرطوم ومختلف مُدن البلاد مما يَحُول معها عدم إحضار المتهمين المُنتظرين بالسجون أمام المحاكم، هي أحد أعراض المرض الذي انتشر بالبلاد والمتمثل في قرارات 25 أكتوبر للعام2021م، وإعلان حالة الطوارئ وجرائم القتل التي وصلت لأكثر من (90) شهيداً وشهيدة، منبهاً الى أن المتاريس جاءت نتيجة للانزلاق السياسي وما يحدث من تظاهرات يرفع شعارات بالعودة للحكم المدني الديمقراطي، مشدداً على أن إيقاف المتاريس مرهونٌ بعودة الأمور الى نصابها بإلغاء حالة الطوارئ والعودة للحكم المدني وعودة القوات المسلحة والأجهزة النظامية الأخرى إلى دورها الأساسي في حفظ الأمن وفقاً للقانون وأن تترك الحكم للسياسيين، وأكد حضرة أن ما يحدث الآن بالبلاد هو انزلاق سياسي كامل بسبب الانقلاب، ويجب أن لا نتحدث عن إغلاق الشوارع والمتاريس وعدم إحضار المتهمين تلك أشياء لا قيمة لها وسطحية، وإنما يجب أن نتحدث عن الانقلاب، مؤكداً بأن إغلاق الشوارع والمتاريس ستُحل تلقائياً بمجرد إعلان انتهاء الانقلاب والعودة للحكم المدني الديمقراطي بتسليم السلطة للمدنيين وعودة العسكريين لمهامهم الأساسية بحفظ الأمن وفقاً لما كفله القانون.

تأثيرٌ على العدالة

من جهته، قال عضو هيئة الدفاع عن الرئيس المعزول ومنسوبي نظامه السابق محمد الحسن الأمين لـ(الصيحة)، إن المتهمين من منسوبي النظام البائد متضررون من إغلاق وتتريس الشوارع والمليونيات التي يتم تسييرها بولاية الخرطوم، مُنبهاً إلى أن سلطات السجون درجت على عدم إحضار مُوكليهم المتهمين أمام المحاكم عند تتريس الشوارع والإعلان عن وجود تظاهرات ولذلك لعدم قُدرتها على تأمين المتهمين للظروف الأمنية، مشيراً إلى انهم يُقدِّرون قرارات سلطات السجون بعدم إحضار المتهمين في مثل هكذا ظروف وذلك لتقديرات أمنية مقبولة لديهم كهيئة دفاع عن المتهمين، وأكد الحسن في حديثه أن عدداً من المتهمين كان مقرراً لهم جلسة أمس لاستجوابهم، وعلى رأسهم (أنس عمر وجمال الشهيد وآخرون) وذلك في قضية اتهامهم بتقويض النظام الدستوري للبلاد، منبهاً الى أنه كان يمكن لتلك الجلسة ان تقود الى شطب البلاغ في مواجهتهم والأفراح عنهم، إلا أنه وبسبب المتاريس وإغلاق الشوارع أرجأت المحكمة جلسته لعدم تمكن سلطات السجن من إحضارهم بسبب الظروف الأمنية وتتريس الشوارع، كما نبه الحسن إلى ان إغلاق الشوارع والمتاريس لم يتوقّف عن تعطيل محاكمة المتهمين بالسجون فقط، وإنما تجاوز ذلك وتسبب في كسر ضمانات عدد من المتهمين وإعادتهم للسجن وذلك لعدم تمكنهم من الحضور أمام المحكمة في الوقت المحدد لانعقاد الجلسة بسبب حجزهم من قِبل المتظاهرين ومُترِّسي الشوارع بحد تعبيره.

ضغط الجداول

وشددً الأمين على أن تتريس وإغلاق الشوارع يتسبّب في تأجيل محاكمة المتهمين لأسبوعين وثلاثة أسابيع وذلك لصعوبة الحصول على جلسات متقاربة لهم لضغط جداول المحاكم مما يتسبّب في بقائهم بالحبس لفترات طويلة، وقال الحسن إن هيئات الدفاع عن المتهمين لجأت لاستخدام نص المادة (234) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م الذي يتيح للمحكمة مُحاكمة المتهم في غيابه وبحضور محاميه حال رأت المحكمة عدم تضرُّره من ذلك.

ورفض الحسن، توجيه رسالة للشباب الذين يترسّون الشوارع، منبهاً إلى أنه ضد ظاهرة تتريس الشوارع وهو عمل غير قانوني قائلاً: (نحن ضد من يغلقون الشوارع وما معترفين بيهم وده أسلوب غير سلمي، وانما هو اسلوب لأخذ السلطة بالقوة وهو ضغط يستخدم لتسليم الحكومة لهم ولا يتفق مع الشعارات والدعوات للديمقراطية.. صحيح العساكر ما عندهم تفويض من الشعب لكن عندهم الجانب الأمني يحفظوا لينا) بحد قوله.

تتريس وواقعٌ ثوري

من جانبه، قال المحامي ومرشح منصب رئيس القضاء السابق محمد الحافظ لـ(الصيحة)، إن التتريس واقعٌ ثوري لا بد منه في الوقت الراهن، عازياً ذلك لضرورة الحالة الثورية بالبلاد التي تبيح التتريس، منبهاً الى أن التتريس غير قانوني إلا أنه لا بد منه في الوقت الراهن، باعتبار أنه شكل من أشكال المعارضة يُستخدم لإعادة الدولة، وشدد الحافظ، على عدم وجود عدالة بالبلاد في الوقت الراهن حتى يكون التتريس أحد عوائقها، وطالب محمد الحافظ القضاة والشاكين والمحامين بالمكوث في منازلهم وعدم الخروج منها وتأجيل قضاياهم وعدم البت فيها أمام المحاكم، مبرراً ذلك لعدم وجود عدالة لتحقيقها في ظل تداعيات انقلاب 25 أكتوبر، وأضاف بقوله: (لا القاضي ولا المتهم ولا المحامي عندهم مزاج للشغل، ومن الكويس جداً إنو مرة ما تلد ولا أستاذ يدرِّس ولا قاضي يحكم) بحد قوله، كما طالب الحافظ، المحامين بالإضراب عن العمل لحين اعتدال دولاب الدولة، وأكد أن تتريس الشوارع والتظاهرات أحد أشكال المعارضة للدولة ولديه مُسبِّباتٌ تتمثل في قرارات انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، وأضاف الحافظ في حديثه للصحيفة بأنّه يمكن لشخص أن يهدم حائط منزله ويستشف من ذلك بأنه يخرب – إلا أن قصد من ذلك إعادة ترميمها من جديد وكذلك التتريس ظاهرة غير قانونية – إلاّ أنّه يجب احترامه لا سيما وأنه يدعو لإعادة الدولة التي تم اختطافها من قبل (4 – 5) أشخاص بحد تعبيره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى