محمد طلب يكتب : ترتاح روحي كل ما أطراها

 

31مارس2022م 

الذكريات لها تفاعل عجيب مع الأرواح ولها دور كبير في الراحة النفسية والسلوى والحديث عن الذكريات ربما ينقلك لعالم آخر تسترجع فيه تلك الذكريات وربما تتم ترجمتها إلى نصوص أدبية أو فنية حسب ما وهبك الرحمن من مواهب. وكل العلاقات الإنسانية ذات ارتباط وثيق بما يحتفظ به الإنسان من ذكريات.

 

اختلفت الآراء حول أغنية (ست البيت) البعض قال إنها قصيدة كتبها في زوجته وأتوا بقصص تؤيد ذلك وتبرهنه…. وآخرون قالوا إنه يتحدث عن مثالية الزوجة والزوجة المثالية.

 

وجدت نفسي في حوجة لترجيح رأي على آخر فآثرت الرجوع  للظروف التي قيلت فيها القصيدة وتاريخها لعلي أجد ما يجعلني لأحد الطرفين….

 

علمت أن الشاعر تزوج مرتين حيث تم تطليق زوجته الأولى عندما انقطع سنتين في مكوار (حسب ما ورد في مقدمة ديوانه) وظل بدون زوجة لمدة سبع عشرة سنة – (١٩٢١ إلى ١٩٣٨) وأرجح انها الفترة التي كتب فيها معظم شعره وأغانيه في الغزل وابدع في ذلك أيما إبداع … وأحسب أيضاً أنها الفترة التي كتب فيها أغنيته.

 

 

يا مولاي زوجة يكون شلوخا تلاتة

الاتنين نبكر بالبنية حلاتا

 

 

وهي قصيدة طويلة تبدأ بالأمنية في زوجة بمواصفات معينة تشبه ذلك الزمان ومميزاته الجمالية (للشلوخ) مما جعلها أغنية محدودة تصلح فقط لتلك الفترة وغير المعقول أن يتغنّى بها أحدهم اليوم (استدرك ذلك في ست البيت وجعلها ذات صلاحية مُمتدة).

 

وصل بتفاصيل تلك الأغنية (الأمنية) من زواجه إلى زواج الابنة المولودة لهما (آمنة) واصفاً كل ذلك في القصيدة من الزواج إلى الولادة والسماية حتى تكبر البنت ويكثر خطابها… قال في تسميتها:

 

 

يأت من كان حدقلو اسم بقت العبارة جسيمة

سميناها آمنة إن شاء الله حاقه اسيمه

 

ثم يسترسل في وصف طفولتها ومحبة الأهل والجيران لها… وعلى ذات نسق (ست البيت) التي أعتقد أنها (أتت لاحقاً) أي بعد (يا مولاي زوجة) لم ينس أن يصف أهم مميزات والدتها قائلاً:

 

شوف أمها شوف ذوقا ما أصفاها

ما بتقول بدور وبدور ما خصاها

بكل القناعة رب العباد خصاها

ما وصيتا إلا الناس تقول وصاها

 

ويلاحظ هنا أنه يصف الزوجة بشئ من ذات الصفات الواردة في ست البيت (اللاحقة) مثل قوله

(مي اللهفانة بي وراء المادة)

 

وعدل لاحقاً الفكرة جملة وتفصيلاً ليصبح التركيز أكثر على ست البيت نفسها مع الإشارات الخفيفة مثل (منظمين أولادا) بينما أخذت (آمنة) حيِّزاً كبيراً في (يا مولاي زوجة).

 

 

المدهش أن هذه القصيدة لم تكن سوى أمنية يُستشف ذلك من مقدمة ديوانه التي كتبها ابنه التي تنفي وجود اسم (آمنة) ضمن بناته مما يرجّح الرأي الذي يقول إنّ (ست البيت) ما هي إلا صفات للزوجة المثالية مثل ما صاغ أمنيته للزوجة. في (يا مولاي زوجة) إلا أن لي رأياً آخر اوافيكم به بعد اطلاعكم على المقدمة التي كتبها محمد الطيب الرضي والتي سوف استدل بها على ما أريد قوله يقول في المقدمة:

 

(هجر الزواج وفكرة الزواج سنيناً طويلة رغم إلحاح ذويه وفي عام ١٩٣٨ اقتنع ود الرضي بالزواج فتزوج بتول بنت أخيه محمد علي موسى وأسس لها منزلاً كبيراً بأم تكالي ليكون بجوار والده ولم يدم فيها طويلاً إذ حكمته الظروف للرحيل إلى أم ضواً بان فعاشا بقية عمريهما هناك وأنجبا من البنات رحمة والدلسة ومن البنين الطيب والرضي وكأن الزمن لا يريد له حياة الهناء والاستقرار ففاضت روح زوجه عام ١٩٥١ فحزن عليها حزناً عميقاً ولم يفكر بعدها بالزواج إلى أن توفاه الله فعاش على ذكراها وكتب وغنى).

انتهى حديث الطيب ود الرضي

من هذه المقدمة يتضح أن ود الرضي لم يكن له بنت اسمها (آمنة) وان بنتيه هما الدلسة ورحمة (حسب ما ورد في المقدمة) هذا أولاً.

 

والأمر الأهم الذي خرجت به هو أن قصيدة (ست البيت) ربما تكون قصيدة رثاء لزوجته (بتول) أراد فيها أن يذكر محاسنها كما وصى الرسول صلى الله عليه وسلم (اذكروا محاسن موتاكم) وربما نجده ذهب إلى أبعد من ذلك فبعث روحها وأحياها في الأغنية مغازلاً على غير العادة في الرثاء وبداية الأغنية تحمل هذه الدلالة

 

ست البيت بريدا برااااها

 

(ترتاح روحي كل ما أطراها)

 

أي أنه لا (ريدة) بعدها إنها (غائبة) عنه وربما عن الوجود كلما تذكرها تغشاه الراحة والسكينة فيجتر ذكرياته ويعدد صفاتها وأقوال الناس عنها إذ أن الشاعر بعد المقطع الأول

(ست البيت بريدا براها ترتاح روحي كل ما أطراها)

ينتقل مباشرة الى

 

قالت جارتا مجاوراها

تجي شايلة وتجي مزاوراها

 

وصار يعدد في محاسنها ويذكر كل ما كان بينهما أو كما قال ابنه في مقدمة الديوان فحزن عليها حزناً عميقاً ولم يفكر بعدها بالزواج إلى أن توفاه الله فعاش على ذكراها وكتب وغنى

 

ست البيت بريدا براها

ترتاح روحي كل ما أطراها

 

خلاصة الخلاصة هي أن

أغنية (ست البيت) ما هي إلا تجويد وصياغة جديدة بعد خبرة طويلة  لسابقتها (يا مولاي زوجة)…. وهذا آخر قولي وربما نعود متى ما استجدت فكرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى