عبد الله مسار يكتب.. مواقف ومشاهد وأحداث في نهر النيل (4)

تحدثنا في مقالنا (3) عن كيفية تعييني والياً لنهر النيل وما صاحب ذلك من ملح، وبعد تولي الولاية حدثت مواقف مشاهد وأحداث مختلفة.

إن الأستاذ علي الروة كان وزيراً للرعاية والشؤون الاجتماعية في حكومة الأخ إبراهيم محمود حامد، وهو الوالي الذي سبقني وظل معي بعد أن تولّيت الولاية، وهو رجل وقور ومهذب وعين حكمة، بل كان من البدريين في الحركة الإسلامية وفِي الإنقاذ ومن المنفذين، وكان يمتاز بوقار شديد وسمت، وله علاقات مميزة في الخرطوم وكان له دور كبير في إنشاء إذاعة نهر النيل الحديثة والتي من أهم أركانها الصحفي اللماح المخضرم الدكتور مزمل سليمان، كان من الإعلاميين المميزين والمُجدين، وكان الأستاذ الروة ركيزة أساسية لي في العمل الاجتماعي والثقافي ولديه قدرة كبيرة في استقطاب الدعومات للعمل الاجتماعي والإنساني.

جاءني في يوم من الأيام وطلب إجازة وسافر إلى الخارج، ثم عاد بعد أن قضى الإجازة وبعضا من الوقت.

وجاءني بعد أن عاد من الإجازة في أمسية ما في المنزل، وقال لي أخي الوالي إني أرغب أن أتقدم باستقالتي، لأنني اكتشفت أنني مريض بالسرطان ولَم أُبلِّغ أي شخص حتى أسرتي وقررت أن أبلِّغك انت باعتبارك أميري، حيث انني ذهبت ألمانيا وتحدد المرض هناك، قلت له أبداً أنا لا أقبل استقالتك ولن أقيلك، لأنك مرضتَ وأنت في العمل، ومن ناحية إنسانية وكذلك قانونية والقانون يقول تُعالج على حساب الدولة، لأن العلاج حقٌ من حقوقك الدستورية، وعليه انا أكلف وزيراً بأعباء الوزارة طيلة فترة تشافيك تطول أو تقصر، وفعلاً أصدرت أمراً بتكليف الأخ الدكتور علي عبد الرحمن عيسى وكان وزيراً للصحة، للقيام بأعباء وزارة الشؤون الاجتماعية، وظل يشغلها حتى توفي الأخ الأستاذ علي الروة نسأل الله تعالى له الرحمة والمغفرة.

الموقف الآخر، إن هنالك طبيباً مُميّزاً يشغل منصب وكيل وزارة الصحة ومدير التأمين الصحي دون علمي، وقمت بزيارة إلى وزارة الصحة برفقه الوزير في مُناسبة نظّمتها النقابة، ولَما وصلت محل الحفل، هتف العاملون الجمع بين الأختين حرام يا سيد الوالي، وسألت الوزير ماذا يقصدون؟ وقال لي دكتور فلان يشغل موقعين وهو من النافذين، وناديت عليه وكان حضوراً بعد أن اعتليت منصة الخطابة، وقلت له هل أنت تشغل موقعين وكيل الصحة ومدير التأمين الصحي؟ قال نعم.  قلت اختار الآن واحداً من الموقعين، قال التأمين الصحي، وأنا على المنبر أعفيته من وكيل الصحة، وطلبت فوراً من الوزير ترشيح وكيل للصحة وتم ذلك، وعيّنا وكيلاً للصحة، وللأمانة كان الطبيب المعني رجلاً مميزاً وعالماً نحريراً، ولكن ليس من العدل الجمع بين وظيفتين.

الموقف الآخر، كنت بعد وصولي الولاية اتّخذت قراراً بأن لا تعتقل الأجهزة الأمنية أي سياسي إلا بأمر مني وموافقتي المكتوبة، لأن الوالي هو المسؤول عن أمن وسلامة الولاية والأجهزة الأمنية مساعدة له، كما أنني عملت علاقات طيبة مع المعارضين، وهم: الحزب الشيوعي بقيادة الدكتور الإنساني الخطيب، وحزب المؤتمر الشعبي بقيادة الرجل الرقيق عبد الله خلف الله، وفعلاً التزمت كل الأجهزة الأمنية بهذا القرار الصارم.

وكنت أمر على حراسات الشرطة في الدامر وعطبرة، ومرات بربر وشندي في مرور راتب بعد منتصف الليل وبدون وعد وأتفقّد الحراسات ويكون معي وكيل نيابة، وذات مرة مررنا بعد الساعة الواحدة صباحاً على مركز شرطة عطبرة ووجدت شخصاً مقبوضاً وهو موظف كبير، وقلت له لماذا أنت هنا وما هي تهمتك؟ قال سياسي يا سعادتك، قلت للشرطي: فِيمَ هذا الرجل مقبوض؟ قال الشرطي حالة سُكر وهو موظف كبير، قال لا سياسي يا سعادتك، قلت له ما حزبك قال الشيوعي، وقلت له مَن رئيسه قال عبد الله خلف الله، وعبد الله خلف الله رئيس المؤتمر الشعبي، فقلت للشرطي أطلق سراحه الرجل شيوعي لابس جلابية أخو مسلم، وضحك الجميع وأطلقت سراحه، وعرفت أنه أراد ان يتخارج خوفاً على سُمعته، أنا قررت ستره.

لديّ مواقف ومشاهد وأحداث كثيرة نروي بعضاً منها في حلقات قادمة.. لأن نهر النيل عظيمة ومُتفرِّدة وفيها الدرر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى