منى أبو زيد تكتب: الكلام مع الحاجات..!

 

27مارس2022م

 

“الكلام نوعان، كلام فارغ، وكلام مليء بالكلام الفارغ”.. أحمد رجب..!

 

 

الكلام مع الصور عادة صميمة في مشاهد الدراما المصرية، فما أن يقبض الله روح يوسف شعبان – في إحدى حلقات مسلسلات قطاع الإنتاج إياها – حتى تطل علينا إلهام شاهين من بين دموعها وهي تمسك بصورة مكبرة للمرحوم، ثم تتنحنح قليلاً قبل الدخول في الموضوع الذي يبدأ في الغالب باستفهامات تقريرية، ثم في نهاية الأمر يتسلم المرحوم تقريراً شافياً عن حال أعزائه من الأحياء بعد وفاته والتي تأتي في الغالب على نحو مفاجئ، وفي أعقاب حدث دراماتيكي يليق بأشواق وتوقعات هواة المسلسلات العربية..!

هذا ما كان من أمر الزوجات والأرامل والمتروكات عاطفياً في الدراما العربية، أما على صعيد الزوجات على أرض الواقع، فهنالك حوارات أقل رومانسية وأكثر إلحاحاً، “عِدَّة المطبخ” وما أدراك ما هي، ومحتويات الحلل على النار من “ملاح” وخلافه من صنوف الطعام ــــ الموقوفة على إجازة النضج ــــ والتي تلجأ ربات البيوت إلى الحديث معها عادةً عندما تضيق الواسعة ويستوي الماء والحجر، وهن لا يشترطن في ذلك أن يكون الحوار في حضرة أي كائن حي..!

ولأنّ الحكاية فضفضة والسلام تسأل الواحدة منهن الطبخة عن مدى نضجها ثم تجيب على السؤال وحدها بما تراه مُناسباً. لاحظ معي أن عدم اشتراط الرد هنا هو جوهر الفرق بين فلسفة المجانين وهترشة العقلاء..!

ولئن سألت عن  فوائد الكلام مع “الحاجات”، فأولها وأولاها أن المتحدث يكون واثقاً من حسن استماع المتلقي، فلا ضجيج، ولا مأمأة، ولا تأتأة، ولا مقاطعات سمجة من أي نوع، فقط حوارات قصيرة متقطعة أحادية الجانب، يُقابلها الطرف الآخر بالصَّمت الرهيب على طريقة العميل رقم صفر في مُغامرات الشياطين الـ”13”..!

أسوأ مخاطب قد يكون صينية محشي التصقت مُكوِّناتها بقعرها ثم لم تستجب لإلحاح صاحبة الشأن التي تُحاول استئناف قرار الاحتراق في محكمة الطهي التي لا ترحم. وأغبى مخاطب قد يكون حلة أرز سارعت حبّاتها إلى النضج بكل خفة ورشاقة قبل فوات الأوان “أي وهي لا تزال غارقة في مياه السّلق”. أما أمكر المُستمعين الأفاضل وأكثرهم أذىً فهي أرطال اللبن “الغتيتة” التي تركض بعناد نحو أطراف الحلة غير عابئة بالصياح اليائس إياه، والذي يتزامن في الغالب مع انطفاء آخر ألسنة اللهب تحت شلال ذلك السائل الخبيث المُلهم، الذي ما أن تضعه الواحدة على النار – أحياناً – حتى تتذكر معظم المصائب التي فات عليها إنجازها، ولا عزاء للمتكلمات مع اللبن المسكوب..!

المُخاطبون – كما تلاحظ – لم يفعلوا شيئاً تقريباً، لم يقترفوا أي أخطاء تُذكر سوى أنّهم أفاقوا على نتائج راجحة لأفعال المتكلمين، وهذا يدلل ــــ بالمُناسبة ــــ على افتراض مهم مفاده الآتي: ليست الكائنات الحيّة وحدها، حتى الجمادات تُعاني أحياناً من ظُلم البشر الخطائين..!

 

 

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى