شكّلت تاريخاً ناصعاً .. لاءات الخرطوم هل كسرها البرهان أم حطّمها الزمن؟!

الخرطوم: مريم أبشر           25مارس2022م 
في حوار نشرته صحيفة “الشرق الأوسط” قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، إنه تمكّن من كسر لاءات الخرطوم المشهورة التي اعلنت في القمة العربية الاستثنائية التي احتضنتها الخرطوم العام 67، والخاصة بإسرائيل، وبرر البرهان كسره لتلك اللاءات للمضي في خلق علاقات طبيعية مع تل ابيب من اجل مصلحة السودان، ورأى ان مصلحة السودان في تلك الفترة التي اشهرت فيها لاءات الخرطوم الشهيرة في وجه اسرائيل تختلف عن المصلحة التي يبحث عنها للسودان الآن، مضيفا ان مصلحة السودان الدولية الآن واضحة للعيان، حيث يجب ان نبحث عنها من اجل مستقبل السودان، ونفى وجود زيارات لتل أبيب على مستوى عالٍ حتى الآن، وقال إن الزيارات التي تجرى حاليا الهدف منها تبادل المعلومات الاستخباراتية والمعلوماتية ولا يحتاج الأمر لإعلانها بشكل رسمي.

لقاء عنتيبي الشهير
غير أن الواضح في سياق المساعي التى ابتدرت ابان حكومة الفترة الانتقالية الأولى برئاسة رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك ابان الزيارة التي بدأت سرية وسرّتها لاحقاً الأجهزة ووسائل الإعلام الاسرائيلية، زيارة رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان الى كمبالا ولقاء عنتيبي الذي جمعه مع رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو ، اللقاء الذي رعاه ورتب له الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني و بمساعدة السفيرة وقتها الراحلة نجوى قدح الدم، الواضح ان ذلك اللقاء كان مقدمة لتفجر الخلافات بين شركاء الفترة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري، حيث يرى الشق المدني أن مهمة اقامة علاقات مع إسرائيل من عدمه ليست من مانديت الفترة الانتقالية ذات الصلاحيات المحددة وأن الأمر يجب أن يُترك للشعب السوداني للتقرير بشأنه عبر برلمانه المنتخب.
لكن حسب الأحداث المتتالية وحينما ربطت الولايات المتحدة بشكل غير خفي ابان حكومة الرئيس الأمريكي السابق بل كلينتون رفع العقوبات بتوقيع اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في اطار موجة تطبيعات فيما عرف بمشروع أبراهام اجتاحت عددا من البلدان العربية ابتدرتها دولة الإمارات العربية المتحدة ثم البحرين والمغرب، وسارع السودان عبر القمة الإسفيرية الشهيرة التي جرت من داخل البيت الابيض بالخرطوم بالتوقيع على إعلان المبادئ بإقامة علاقات مع إسرائيل في العام 2020.
ومنذ التوقيع و حتى الآن تنتشر على صفحات الوسائط بين فينة وأخرى ان هنالك زيارات تتم بين الخرطوم وتل أبيب، غير أن الجهات التي تقوم بها تتكتم على نتائجها ولقد وصفها رئيس المجلس السيادي بأنها علاقات تأتي في الإطار الأمني.

اللاءات والتاريخ
حديث رئيس مجلس السيادة حول كسره للاءات الخرطوم الشهيرة، وجد بعض الانتقاد من قبل المراقبين، لجهة أن اللاءات تمثل واحدة من أبرز محطات التاريخ المسجلة بالفخر لصالح السودان.
ويرى السفير والخبير الدبلوماسي جمال محمد ابراهيم أن لاءات الخرطوم فى القمة العربية الشهيرة تمثل تاريخا ناصعا في جبين الخرطوم لا يمكن كسره لا من قبل فرد أو رئيس أو حكومة، مشيرا الى أن نتائج تلك القمة تشكل جزءاً من تاريخ القضية الفلسطينية التي لا تزال تمثل القضية الأهم للأمة العربية، وقال لـ(الصيحة) كل الدول التي طبعت مع إسرائيل سواء مصر أو البحرين أو غيرها لم يصدر عنها أنها كسرت لاءات الخرطوم نظراً لرمزيتها، بجانب أنها التزام قومي عربي، و أشار ابراهيم الى أن السودان لا يتنكر لتاريخه العربي و الأفريقي، مضيفاً اذا أراد بعض الذين يتسلمون السلطة الآن إقامة علاقات مع إسرائيل لتزييف إرادة السودانيين وعاصمتهم الخرطوم، فهذا تاريخٌ لن يُمحى، ولا أعتقد أن الدول تتنازل عن تاريخ راسخ لها.

لا مصلحة لنا
ونفى ابراهيم وجود أي مصلحة مهمة للسودان مع اسرائيل، وقال في هذا الخصوص الى أن هنالك بعض التسريبات أفادت بأن الولايات المتحدة نفسها طلبت من إسرائيل عدم الضغط على الحكومة في السودان للتطبيع معها، وذلك في إطار البحث عن حل للأزمة السودانية الراهنة لا يضر بالثورة السودانية، و لفت الى أن صفقة القرن التي يمثل الرئيس الأمريكي السابق عرابها، فشلت في مساعيها بخلاف نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس، فضلاً عن أن مصالح السودان لا تتجاوز مصالح عسكرية لبعض الأجهزة الامنية الموجودة بالبلاد.

تحطّمت بالفعل
السودان يعد واحداً من دول العالم الثالث التي تمضي وفق تفكير سياسي محدد ومنذ انتهاء الاتحاد السوفيتي أصبحت إسرائيل خارج دائرة التأثير الدولي الذي كان يمكن ان يؤثر على العالم العربي والأفريقي، كما يقول بذلك المفكر والخبير في الشأن السياسي الاستاذ عبد الله آدم خاطر، وأفاد خلال حديثه لـ(الصيحة) أن كل العالم العربي يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، لكنه لم يتمكن من الخروج من الدائرة القديمة، وزاد لو كانت الامور تمضي بشكل أفضل لكان العالم العربي في وضع أفضل منذ زمن بعيد، و يرى خاطر أن اللاءات الثلاثة كانت لها قيمة لم يكسرها البرهان الآن، ولكنها تحطّمت بالفعل الدولي وتجاوز الحرب الباردة، ويعتقد خاطر أن ما يجري من علاقات مع إسرائيل هو مدخل للبحث عن حماية، يرى انه إذا أردنا إقامة علاقات مع إسرائيل يجب أن تتم بالطرق الرسمية وليس بسبب أشخاص، وأضاف قائلاً: غض النظر عن مجهود البرهان، فإن مثل هذه الخطوة تحتاج لنقاش واسع يراعي مبادئ ثورة ديسمبر المجيدة و المبادئ الدولية، لافتاً الى أن العلاقات بين الشعوب تقوم وفق هذه المبادئ، و قال يمكن أن تقوم علاقات بين السودان و إسرائيل ولكن بمزيد من الحوار والنقاش المشترك وليس تحرك القيادة وحدها، خَاصّةً وأنّ السودان بما يمتلك من موارد وموقع جيواستراتيحي مُؤهّلٌ لإقامة علاقات دولية مُميّزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى