المبعوث الصيني بالخرطوم.. هل سينجح  فيما فشل فيه الآخرون؟

 

الخرطوم: صلاح مختار     24مارس2022م 

وصفت علاقات الخرطوم ببكين خلال الفترات السابقة بأنها علاقات قوية ولكنها لم ترتق لمستوى التعاون الكبير بين البلدين.

وخلال فترة النظام البائد شهدت العلاقات السودانية الصينية تطوراً ملحوظاً، حيث اعتبرت الصين السودان بوابتها للولوج الى السوق الأفريقية واستفادت الإنقاذ كثيراً في فترة الحظر الاقتصادي من التطور الصيني ولكن بعد نجاح ثورة ديسمبر 2018 والإطاحة بنظام الإنقاذ انخفض تيرمومتر العلاقة السودانية الصينية بسبب ظن الثوار ان الصين كانت سبباً في توطيد دولة الإنقاذ خلال الثلاثين عاماً الماضية ويرون  انها شريكة في كل جرائم النظام السابق.

فيما ينظر بعض الدبلوماسيين الى الصين بأنها دولة تنتفع ولا تنفع وتوظف استثماراتها وفقاً لمصالحها، واضافوا في تصريحات لـ(الصيحة): ان الصين لا تتدخل في الشؤون الداخلية لاي دولة وفقاً لسياساتها الخارجية ولكنها تراعي مصالحها من خلال تعاطيها مع القضايا الدولية والإقليمية.

 

المسرح السوداني

 

خلال الفترة التي أعقبت نجاح ثورة ديسمبر، لم تظهر الصين في المسرح السوداني بشكل مباشر ولكنها ظلت تُراقب الوضع في السودان عن كثب، وعبرت عن رأيها بشأن التغيير الذي حدث في السودان رغم ان المصالح الصينية تضررت بعد الثورة وتوقفت معظم الاستثمارات الصينية، لذلك آثرت بكين الانزواء خلف الأحداث وظلت تراقب الوضع. ولم تظهر إلا من خلال المواقف المؤيدة للسودان في مجلس الأمن او الامم المتحدة او الوقوف امام اي مشروع ضد او يؤثر على السودان. ولكن ييدو ان الصين لن تنسى علاقاتها التاريخية والأزلية بالسودان رغم ما ألم بها من خسائر.

وبعد ثلاث  سنوات منذ تفجر الثورة السودانية في ديسمبر 2018م، ظهرت الصين على المشهد السوداني وابتعثت مبعوثاً للسودان ليكون وسيطاً لحل الأزمة السياسية فهل ينجح المبعوث الصيني فيما فشل فيه الآخرون؟

 

تطوير العلاقات

وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان قد امتدح الجهود المتعاظمة التي ظلت تضطلع بها جمهورية الصين الشعبية في دعم الفترة الانتقالية وحرصها على تقوية وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين ومتابعتها للأحداث والتطورات عن كثب، مُشيداً بعمق الروابط التاريخية والمتجذرة بين السودان والصين بوصفها شريكا استراتيجيا، وأكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي لدى لقائه بمكتبه المبعوث الصيني لشؤون الشرق الأوسط تشاي جيون على أهمية تعزيز وتطوير المصالح المشتركة بما يحقق تطلعات شعبي البلدين، مثمنا دور الحكومة الصينية في تقديم اللقاحات والأجهزة لمكافحة فيروس كورونا.

واطلع رئيس مجلس السيادة، المبعوث الصيني على الأحداث والتطورات الراهنة في البلاد، مؤكداً حرصهم التام على خلق أجواء صحية للحوار بين كافة المكونات للوصول إلى رؤية محددة تضمن الخروج الآمن من الأزمة الراهنة، مؤكداً سعيهم الجاد لاستكمال هياكل ومؤسسات التحول الديمقراطي المنشود وصولًا لانتخابات حرة ونزيهة.

 

تعزيز التعاون

من جانبه، أوضح المبعوث الصيني لشؤون الشرق الأوسط تشاي جيون في تصريح صحفي، أن اللقاء بحث سُبُل تعزيز التعاون والصداقة في العهد الجديد، مبيناً حرص الصين على تطوير وترقية العلاقات الثنائية بوصفها علاقات استراتيجية بعيدة المدى، وأكد جيون دعم بلاده للانتقال الديمقراطي وضرورة إجراء حوار سوداني سوداني وتغليب المصلحة الوطنية، لافتاً إلى أن الشعب السوداني لديه الحكمة والقدرة لحل وإدارة أزماته الداخلية، معرباً عن أمله في استتباب الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية المستدامة، وناشد المبعوث الصيني المجتمع الدولي بضرورة دعم عملية الانتقال السياسي ولعب دور إيجابي يحقق الأهداف المنشودة ويحفظ الأمن والاستقرار في السودان.

 

تحقيق التوافق

وفي سياق، زيارة المبعوث الصيني انعقد بدار الأمة بأم درمان لقاء مطول بين وفد دولة الصين الزائر للسودان برئاسة المبعوث الخاص للرئيس الصيني للشرق الأوسط السيد زاهاي جونغ، وحزب الأمة القومي، وضم الوفد الصيني الى جانب المبعوث الخاص السيدان وانغ يي وشوينغ المستشارين السياسيين بوزارة الخارجية الصينية والسيد سفير دولة الصين بالسودان ماشيمنغ، والسيد جلال رئيس قسم الشؤون السياسية بالسفارة والسيد وسيم المكلف بالعلاقات الخارجية بالحزب الشيوعي الصيني ومسؤولي الإعلام بالسفارة، وترأس وفد حزب الأمة القومي سعادة اللواء فضل الله برمة ناصر رئيس الحزب المكلف وضم الوفد الواثق البرير الأمين العام للحزب.

وتناول اللقاء، العلاقات الثنائية بين الشعبين الصيني والسودان والقضايا ذات الاهتمام المشترك والأوضاع الراهنة في البلاد والعلاقات الثنائية بين حزب الأمة القومي والحزب الشيوعي الصيني، وعبر المبعوث الخاص الصيني عن سعادتهم باللقاء، مؤكداً أن الصين تولي اهتماماً خاصاً بالسودان، موضحا العلاقات التاريخية بين البلدين، وأكد على استمرار دعم الصين للشعب السوداني في كافة المجالات.

من جانبه، شكر برمة ناصر رئيس حزب الامة المكلف الوفد على زيارة السودان واهتمام دولة الصين بتطوير العلاقات الثنائية مع السودان، مشيراً الى أن الحزب يطمح في بناء علاقات متميزة بين الدولتين تحقق المصالح المشتركة، مشيرا إلى القدرات التكنولوجية الكبيرة التي تتمتع بها الصين  والموارد الضخمة التي يزخر بها السودان، مشيداً بما قدمته الصين من دعم للشعب السوداني ومن استثمارات سابقة، مشدداً على أهمية استمرار وتطوير العلاقات بين البلدين، مبيناً أن العلاقة بين الحزب والصين قديمة ويهتم الحزب بتطويرها لصالح الشعبين، متناولاً الأزمة الداخلية الراهنة، موضحا أن حزب الأمة القومي يسعى لمعالجتها عبر خريطة الطريق التي تهدف إلى تحقيق التوافق الداخلي الذي يحقق الاستقرار ويجنب البلاد مزيداً من الانهيار ويعيد الوضع الراهن الى حكم مدني يحقق التحول الديمقراطي في البلاد.

هذا وقد اتسم اللقاء بالتفاهم حول مجمل القضايا الثنائية التي تخدم المصالح المشتركة بين الشعبين.

 

علاقات قديمة

ويرى المحلل السياسي والدبلوماسي السابق الطريفي كرمنو ان علاقات السودان بالصين قديمة منذ فترة الرئيس عبود، وقال إن الصين لا تنسى للسودان قتله للمستعمر غردون باشا بالخرطوم، موضحاً أنّ العلاقات الصينية السودانية متجذرة ووصلت مرحلة استخراج الصين لبترول السودان في زمن مقاطعته دولياً وحرمانه من التطور الأمريكي والأوروبي، وقال لـ(الصيحة ) العلاقات مع الصين ليست فيها العصا والجزرة  مثل علاقة السودان مع امريكا التي درجت على استخدام  العصا والجزرة مع السودان.

مضيفا ان الصين وبحكم علاقاتها الجيدة مع السودان تدخّلت وابتعثت مبعوثها للشرق الأوسط  للسودان لعله ينجح في تقديم رؤية صينية لحل الأزمة السياسية في السودان.

وأكد أن المبعوث الصيني يمكن ان ينجح فيما فشل فيه الآخرون اذا بدأ بداية صحيحة، متوقعاً ان يجد المبعوث الصيني متاريس من بعض الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب،  واضاف نأمل ان يوفق المبعوث فيما فشل فيه الآخرون.

 

عن  قرب

وتقول المحلل السياسي مي محمد ان اكبر مشكلة ستواجه المبعوث الصيني هو وجود حالة التخوين وانعدام الثقة بين كل المكونات السياسية، ورأت في حديثها لـ(الصيحة) ان جولة المبعوث استكشافية يريد ان يضع نفسه في الصورة الحقيقية للوضع في السودان، باعتبار ان الخرطوم تمثل بالنسبة للصين ليست بوابة اقتصادية فقط، وانما مدخل الى القارة السمراء. واكدت ان المبعوث الصيني لن يكون بديلاً للدور الذي يلعبه رئيس البعثة الاممية فولكر، ولكن في نفس الوقت يُمكن أن يجد مكاناً بين السودانيين، خاصة ان السياسة الصينية لا تتدخل في الشأن الداخلي للدول، وأضافت ان المبعوث لن يجد الطريق ممهداً حتى يصل ولكنها فُرصة للوقوف على الأوضاع  عن قُرب ومن ثم تلمس نقاط الاتفاق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى