وضعت البلاد في “فتيل”!! السيولة الأمنية تتمدد في السودان

حوادث وجرائم مُؤلمة تُوردها "الصيحة"

 

 

مواطنون: الظاهرة في تنامٍ مستمر وهي ليست حصراً على الخرطوم!!

الخرطوم: انتصار فضل الله  22مارس2022م 

لم تتوقّع المواطنة “م” أن تفقد كل ما تملك من مقتنيات خاصةً في كسر من الثانية نهاراً جهاراً، ففي طريق العودة من العمل في واحد من “مصانع الصابون” وبالقرب من محطة “الطندبة” في منطقة السامراب غرب، ظهر أمامها سبعة شباب يحملون “سواطير وسكاكين” وضع أحدهم “السكين” على “عنقها” وثبّتها ثم طلب منها تسليم “الحقيبة” التي تحملها.

في هذه اللحظة تمكّن منها الخوف ودون تردد سلمته “الحقيبة”، فأفرغ محتوياتها على الأرض وتحصل على هاتفها الجوال ومبلغ مالي عبارة عن “راتبها الأسبوعي” ثُمّ قالوا لها “لقطي حاجاتك وواحد سألهم: نطعنها؟ قالوا ليهو لا خليها، وقالوا ليها امشي وما نسمع صوتك”!!

حادثة “م” وهي شابة تنفق وأختيها على والدهم المسن ووالدتها المريضة، واحدة من الحوادث التي نسمع عنها يومياً في مناطق مختلفة دون تهدئة للوضع ، مما يعكس حجم الفوضى والسيولة الأمنية المفرطة التي عمّت البلاد ، عليه قررت “الصيحة ” فتح هذا الملف وخرجت بالآتي:

 

 

 

1

من ضمن الحوادث التي أشعلت  الأسافير ومازالت حرق منازل عشوائية بحي الكدرو شمال مدينة الخرطوم بحري بواسطة مواطنين أمس الأول، احتجاجاً على مقتل مواطن من أهل الحي بواسطة أفراد من عصابة “النيقرز”.

والخميس الماضي، هجمت قوة مسلحة على سوق “نيفاشا” الواقع في قلب الخرطوم، وكانت القوة على متن عربات دفع رباعي “تاتشرات”، تسببت في ترويع التجار والعاملين ونهب أفرادها أجهزة موبايلات ومبالغ مالية!!

وشهد الأسبوع الماضي، حادثة مؤلمة بمنطقة الاستاد غرب السوق العربي، حيث تداولت الأخبار ان طالباً لقي حتفه بعد تعرضه للطعن بواسطة افراد قوة نظامية بعد خروجه من مصرف بالمنطقة وقاموا بنهب هاتفه ومبلغ مالي عبارة عن حوّالة كان قد استلمها في نفس لحظة الهجوم!!

2

ويستمر السيناريو باختلاف الجناة، في شهر أغسطس الماضي وفي طريق عودتها من الجامعة وبالقرب من داخلية ابراهيم مالك في منطقة الصافية ببحري، اعترض طريق الطالبة مآب مدثر حمد ثلاثة شبان أعمارهم دون العشرين وأكثر من الـ”18” عاماً.

وبسرعة خاطفة حاول الجناة أخذ تلفون المجني عليها من يدها بعد أن اعتدوا عليها ضرباً وعندما قاومت قاموا بخطفها وإدخالها بالقوة داخل “الركشة” التي كانوا يستقلونها.. صراخ مآب طرق أذن المواطنين الذين تزامن تواجدهم في منطقة الصافية حيث تقيم، فطارد عدد من الذين يقودون سيارات، “الركشة” غير أن الجناة تخلصوا من المجني عليها “برميها” في الشارع واحتفظوا بالموبايل والحقيبة وفرُّوا هاربين!!

3

أبدى مواطنون تحدثوا لـ”الصيحة”، تخوفهم من وضع البلاد الذي وصفوه بـغير المطمئن، قالوا: انفرط الأمن تماماً، ففي كل يوم تقع حوادث “اختطاف ونهب وطعن لحد القتل”، مؤكدين أن الظاهرة ليست حصراً على الخرطوم وهي جزء من سيناريو نشر الفوضى الذي تلاحظ في ظواهر ومظاهر تستفز المواطنين.

ووصف البعض، السيولة الأمنية في البلاد بما تعرضه الأفلام التي تعكس واقع الكثير من الدول الأجنبية، حيث تستخدم مخدرات الآيس والخرشة وظواهر الاغتصاب نهاراً جهاراً في الشارع العام وأمام مرأى الناس، وتابعوا “هذه الظواهر انتشرت خلال العام الماضي وزادت حدتها بعد تاريخ 25 أكتوبر 2021م”، وأشاروا الى قرائن عديدة تدل على خطورة الوضع الذي يُضاف عليه الضغط على الشارع من قبل “9 طويلة”!!

قالت تقارير اعلامية سابقة , إن حجم الجرائم التي اُرتكبت في الشارع العام في زيادة مستمرة، ودعت المواطنين الى توخي الحذر في الغدو والرواح، محذرة الذين يعودون عشاءً وما بعد العشاء إلى منازلهم باعتبارهم الأكثر تعرضاً للحوادث.

4

حول أسباب تنامي الظاهرة ، عزاها مختصون الى الغلاء والحالة الاقتصادية ، واتهم آخرون جهات لم يسمونها تقف على تجنيد المجرمين وأصحاب السوابق المتعددة لإثارة بما وصفوها بـ”البلبلة” وخلق عدم الاستقرار والفزع في قلوب المواطنين ، للوصول الى نتائج بعينها تخدم مصالح تلكم الجهات على المستوى البعيد!!

كشف مصدر أمني لـ”الصيحة” عن ازدياد ما يسمى بـ”9 طويلة” في الساحة بنسبة كبيرة، وقال هناك تقصير من الاجهزة الامنية، مما أدى الى تمادي الظاهرة، وقال البعض الآخر أنشأته الظروف المتقلبة في السودان في الآونة الأخيرة وربما تشير بعض الاحداث الى تفاقمها.

واكد ذات المصدر دور الضائقة المعيشية ودخول غير شرعي لعدد كبير من الدراجات البخارية في انتشار الجرائم، واشار الى أن بعض الذين ألقي القبض عليهم ليست لديهم حاجة مادية، حيث تشير العوامل مجتمعة الى وجود خلل كبير جداً في المجتمع المسالم، وناشد بضرورة الانتباه الى الظاهرة التي وصفها بـ”المدمرة” للامن المجتمعي بالمزيد من الدراسات والانتباه للقائمين على أمر حفظ النظام وتوفير كافة المُعينات التي تُؤهِّلهم للقيام بمهامهم بأفضل طريقة!!

فيما ذكر مصدر أمني آخر بأن بعض الدراجات البخارية التي تُستخدم في جرائم الاختطاف والنهب يتم استئجارها من قبل افراد يقومون بتأجيرها للشباب لأزمان محددة وخلال تلك الأزمان يرتكبون بها جرائمهم ويعيدونها.

5

يقول المستشار القانوني د. عبد العظيم بابكر لـ”الصيحة”، قامت الشرطة في فترة من الفترات بالقبض على مجموعة من المواتر والعربات ليس لديها أي مستندات أو معظمها مسروقة والذين يستقلونها ليس لديهم أي مستندات ثبوتية، بل معظمهم يتبعون للعصابات، وتابع “ثبت أن الكثير من الأوراق الثبوتية التي يحملونها إما مزوّرة او مسروقة او اُستخرجت بطريقة غير صحيحة، مما يتطلب قيام الجهات المُختصة بتكوين أتيام لذلك وإغلاق مناطق كاملة تنتشر فيها الأسلحة والمخدرات والمسروقات وكل أنواع المخالفات”، وطالب بابكر بسَن قانون رادع يسمح للمواطنين بحماية أنفسهم من مثل هؤلاء دون مُحاسبة طالما تعدوا على المال والنفس، والسماح لرجال الشرطة باتخاذ كافة أنواع الحماية للمُواطنين دون محاسبتهم، وعلى القضاء تطبيق المادة 167 من القانون الجنائي لعام 1991 الخاص بالحرابة في هؤلاء المُجرمين. وعرّف القانوني، مرتكب جريمة الحرابة بأنه من يقتل العامة أو يقطع الطريق أو يرتكب جرماً على الجسم أو العرض أو المال بالسلب في البر أو البحر أو الجو مع تعثر الاستغاثة باستخدام السلاح أو التهديد، وأوضح أنه يُعاقب بالإعدام أو الصلب أو قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو الحبس لمدة سبع سنوات مع النفي حتى تعم الطمأنينة للمواطن.

6

أرجع الخبير الاقتصادي د. عادل عبد المنعم، اسباب الانفلات الامني لعدم التوزيع العادل في الدخول بين فئات المجتمع السوداني، مشيراً الى نسبة كبيرة من الفاقد التربوي بدون عمل والى ارتفاع حجم العطالة بالاضافة الى مساهمة الايرادات الضريبية التي فاقت نسبة 40% من الناتج المحلي مما جعل الكثيرين يلجأون الى الجريمة.

فيما قال الخبير السياسي محمد سليمان الريح لـ”الصيحة”: تعاني البلاد من السيولة الامنية بصورة اشد وذلك لطبيعة المرحلة الانتقالية بعد عهد شمولي امتد طوال ثلاثة عقود، ما يرجع السبب الاساسي للسيولة الامنية الى الخلل الظاهر في هيكلة الأجهزة الأمنية التي عانت بسبب التدخل السياسي والتمكيني، واشار الى ان فترة الانقاذ شهدت تفككاً غير معلن للقوات النظامية بوجود اجسام وكيانات مُوازية للقوات المسلحة منها الدفاع الشعبي وقوات المراحيل وقوات الحدود، كل لها إداراتها الخاصة وطريقة تعاملها دون محاسبة ومُساءلة في ظل غياب الشفافية، وكذلك الأجهزة الشرطية كالشرطة الشعبية وشرطة أمن المجتمع وغيرها لتمتد الى الأجهزة الأمنية الرسمية والأمن الشعبي وأمن الطلاب وغيرها!!

7

واكد الخبير السياسي ان هذا الواقع ادى الى الارتباك الأمني وترك الحبل على الغارب وكل منها لها اليد الطولى لتفعل ما تحلو لها فكل هذه الاجهزة لها السلطة المطلقة ان تحجز وتحقق مع اي مواطن وتفعل ما تريد، وقال من خلال هذا الخلل أباح ان يفعل معظم منتسبي هذه الاجهزة ما يحلو لهم اضافةً الى وجود جيوش الحركات المسلحة التي زادت “الطين بله”، حيث اوجد الوضع اكثر من جيوش في المشهد السوداني كل منها تدار بإدارات متصارعة.

8

واكد ان هذا الوضع الشاذ أوجد بيئة غير صحية وغير مستقرة أمنياً وببطاقات هوية عسكرية، جزء منها صحيحة واخرى مُزوّرة ساعد في انتشار الجريمة وارتكاب الجرائم بسهولة، ثم عربات بدون لوحات بلا أي رابط. قائلاً هذا الإرث الموروث الذي يشير ان العربة التي لا تحمل لوحة تعني أنها تتبع للأجهزة الأمنية، وكذلك مئات الآلاف من المواتر التي يتم من خلالها ارتكاب الجرائم دون تحقيق، وأبان أن هذا الوضع الكارثي السبب الأساسي وراء الانفلات الأمني، مما يتطلب ضرورة هيكلة القوات النظامية وإعادة صياغة قانون الأجهزة الأمنية كافة، ومُحاربة تجارة المخدرات من المنبع، ورقابة الحدود، وأردف هذا لا يتم إلا بالاستقرار السياسي ودمج الحركات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى