جنوب دارفور.. الفساد يلتهم أراضي نازحي “السريف”

 

تشريد أطفال الروضة بسبب التغوّل عليها

نازحون: طرقنا كل الأبواب لإنصافنا ولكننا لم نجد من ينصفنا

شيخ المعسكر: عانينا كثيراً من فساد أراضي المعسكر ومللنا رفع الشكاوى

معسكر السريف: حسن حامد 

بعد أن طال بهم أمد البقاء في معسكرات الذل والهوان والمعاناة في الجوانب كافة، والتي استمرت لعشرات السنين تقدم النازحون بمعسكر السريف غرب نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور بطوعهم واختيارهم لوالي الولاية في عهد النظام السابق آدم الفكي بطلب لتخطيط المعسكر وتسليمهم قطعاً سكنية ليكون حياً من أحياء بلدية نيالا وكان طلبهم أن تتم العملية بالاستيعاب، وبالفعل وحسب قولهم إن الوالى وقتها استجاب لطلبهم وبدأت عملية تدشين المشروع التي شهدها الوالي بنفسه وقام بتسليم نماذج من العقود، وشكلت لجنة عليا من الحكومة وقيادات من نازحي المعسكر.

وقبل أن تكتمل فرحة أهل المعسكر وحلمهم بدأت معاناة وحزن السنين  ببوادر الفساد في أراضي المعسكر والتي اتهم فيها النازحون الذين طالهم الظلم كلاً من حكومة المحلية وبعض قادتهم بالمعسكر على حد قولهم.

طرق كل الأبواب دون جدوى

وقالت قيادات النازحين بمعسكر السريف إنهم منذ العام ٢٠١٧م طرقوا كل أبواب الحكومة وحتى المجلس التشريعي وقتها لإيقاف الفساد الذي مورس في أراضي المعسكر، لكنهم لم يجدوا من ينصفهم، وأشاروا إلى أن أمر الفساد تطور إلى قيام أحد شيوخ النازحين في اللجنة باحتلال روضة الأطفال وتحويلها لسكن له ولأسرته مما تسبب في تشريد أطفال الرياض بالمعسكر وحتى اليوم لم يتمكنوا من استعادة الروضة لصالح أبنائهم لهيمنة منسوبي النظام السابق من قيادات النازحين على مفاصل المعسكر.

وظلت قضية المطالبة بفتح تحقيق عاجل حول فساد أراضي المعسكر حاضرة في احتفال النازحين بذكرى الاستقلال وثورة ديسمبر المجيدة التي نظموها كأول احتفال لهم منذ خمسة عشر عاماً من معاناة السكن في مخيمات الذل.

اتهمنا بالقتل لمطالبتنا بوقف الفساد

وأكد شيخ المعسكر قطاع (هـ) حسن محمود للصيحة، أنهم كنازحين طال بهم الزمن وتقدموا للوالي الأسبق آدم الفكي بأن يخطط لهم المعسكر ويصبح ضمن أحياء مدينة نيالا، وبعد أن استجاب لمطالبهم وبدأت عملية المساحة ولكن سرعان ما طالها الفساد الكبير من قبل اللجنة المسنودة من معتمد بلدية نيالا السابق، وأضاف أنهم جلسوا معه عدة مرات ولم يجدوا منه إلا التهديد، وتابع (في إحدى الجلسات اتهمنا المعتمد بأننا لدينا تنسيق مع ناس معسكر كلمة ونخطط لإفشال المساحة وأفدناه بأننا ليس لدينا أي تنسيق مع أحد، وعليك أن تحاسب أي شخص تتهمونه بذلك).

وأوضح محمود أنهم عانوا كثيراً من قضية فساد أراضي معسكر السريف وملوا من رفع المذكرات والشكاوى لكل الجهات الحكومية ذات الشأن بما فيها الوالي آنذاك، ولم يسمع لهم أحد أو يستجيب للنداء حتى تم اتهامهم أخيراً في قضية مقتل شيخ المشائخ محمد أحمد إبراهيم بتاريخ ٨/ ٢/ ٢٠١٩م وهم خمسة من شيوخ وشباب المعسكر وهم الشيخ حسن محمد محمود، الشيخ إبراهيم محمد حامد، الشيخ عيسى عبد الله محمد  الشاب الرشيد عبد الله عبد الرحمن وياسين محمد آدم، وتمت براءتهم بعد عقد أكثر من عشر جلسات بالمحكمة وقضاء المتهمين لأكثر من عشرة أشهر بسجن كوبر في نيالا، ووقتها أشاد حسن محمد محمود شيخ قطاع (هـ) أحد المفرج عنهم  بنزاهة المحكمة برئاسة القاضي محجوب.

وأشار إلى أنهم ظلوا يناكفون ويقفون أمام الفساد الذي مورس في أراضي المعسكر خلال فترة معتمد بلدية نيالا د. محمد العاجب في عهد الحكومة السابقة، وعندما وقع حادث اغتيال شيخ المشائخ تم اتهامهم بإيعاز من قبل بعض مشائخ المعسكر من منسوبي النظام البائد الذين مارسوا الفساد بالأراضي. وأضاف “عندما رفضنا هذا المسلك وذهبنا للمعتمد لم نجد منه حلاً للقضية، إلا بعد توجيه الوالي له حيث قام بإيقاف المساحة وإلغاء العقود، لكن وللأسف الشديد أصبح الفساد يمارس ليلاً بتسليم العقود والذي يهدد بضياع حقهم وبعدها تفاجأنا بإلغاء القبض علينا فى قضية قتل ١٣٠ نساناً مظلوماً بالمعسكر نحن لا نعلم من هو القاتل لكن الحمد لله تمت براءتنا بعد ١١ شهراً قضيناها في السجن”.

وأكد أن قضية الفساد بالمعسكر كبيرة ويقف على رأسها شيوخ المعسكر من منسوبي النظام البائد وحكومة البلدية”.

وأضاف محمود أنهم يطالبون حكومة الثورة بفتح تحقيق عاجل حول قضية فساد أراضي معسكر السريف، واختتم: إذا لم يتم التدخل فإنسان المعسكر سيظل مظلوماً ولن يتذوق طعم التغيير الذي حدث بالبلاد.

المطالبة بالتحقيق

وطالب عدد من شيوخ وشباب المعسكر الحكومة في عهدها الجديد بفتح تحقيق عاجل في فساد أراضي المعسكر ومحاسبة كل المتورطين مع إرجاع القطع التي تم بيعها وإعادة تخطيط المعسكر الذي اختاروه بطوعهم ليكون ضمن أحياء مدينة نيالا.

وقال الشاب سليمان محمد عبد الله إن نيران الحرب بين الحكومة والحركات المسلحة التي أودت بحياة الآلاف من اهل دارفور أجبرتهم على الفرار لهذا المعسكر في العام ٢٠٠٤م وظلوا في دوامة المعاناة ونقص الخدمات إلى أن اختاروا البقاء في هذا الموقع والتخطيط لهم وتابع “بعد تدشين المساحة جاء مدير المعسكر المعين من قبل مفوضية العون الإنساني وقام بالتغول على عمل المساحة وشكل لجنة حسب رغبته دون رغبة النازحين ومعه معتمد البلدية آنذاك، وقام بتقسيم المعسكر إلى عدة مربعات ومنح القطع لأسرهم ولأشخاص من خارج الولاية، بالإضافة لأطفال قصر، ونحن كنازحين لم نستلم اي قطعة، وتم طردنا بعيداً عن عمليات المساحة بل أدخل البعض السجون بسبب السؤال والمطالبة بالحق، وأوضح أن رئيس المعسكر وقتها فتح له مكتب في السوق السوداء للتصرف في بيع أراضي المعسكر، وتابع “عشان هو مؤتمر وطني ومسؤول للمفوضية بالمعسكر ويجد السند من المعتمد أصبح الآمر الناهي في هذه الأرض، وأحضر مهندساً خاصاً يعمل بتوجيهاته حيث قام بتغيير كروكي المساحة من ٢٠×٢٠ متر إلى ١٥×٢٠ لكي يزيد لهم عدد القطع السكنية.

وقال إنهم رفضوا الخطوة وذهبوا للمعتمد وبعد ضغوط عليه أمر بإيقاف المساحة وإلغاء العقود ورغم ذلك كان التلاعب مستمراً، حيث قام آدم محمد آدم رئيس المجلس التربوي للمدرسة بتكسير روضة الأطفال واستغلال مساحتها لنفسه وأسرته.

وبعث عبد الله برسالة لمجلسي السيادة والوزراء والجهات المختصة بفتح تحقيق لإرجاع الحق لأهله ومحاسبة المتورطين في القضية.

١٥ عاماً من الاحتفال بذكرى الاستقلال

تحت شعار “معاً ننشر الوعي معاً نبني بلدنا” احتفل النازحون بمعسكر السريف بمرور عام على الثورة وذكرى الاستقلال كأول احتفال لهم بهذه المناسبة منذ مجيئهم للمعسكر، وكان الاحتفال عبارة عن تظاهرة اجتماعية كبرى جسد من خلالها الأهالي معاني الوطنية والتمسك بالتراث والعادات والتقاليد التي عرف بها إنسان دارفور.

وقال رئيس الشباب بالمعسكر محمد إسحق عبد الله إن الإعلام كان شبه غائب طوال السنوات الماضية عن عكس حال النازحين بالمعسكرات لعدم السماح له بدخولها من قبل جهات عديدة، وأشار إلى  أنهم كنازحين بالمعسكر لأول مرة يحتفلون برأس السنة وذكرى الاستقلال منذ خمسة عشر عاماً، وتابع ” ١٦ سنة من وجودنا هنا لم نحتفل بعيد الاستقلال ولكن ثورة ديسمبر أتاحت لنا الاحتفال بهذه المناسبة”.

ببنما عبّر ممثل لجان المقاومة بمعسكر السريف محمود عمر الحاج عن أسفهم لعدم فتح مجالات الحرية بالمعسكرات حتى الآن، حيث ما زال يدير مفاصلها منسوبو النظام البائد، وأوضح أن علاقتهم مع الحرية والتغيير بالولاية جيدة، لكن لم يتغير شيء، وزاد ” رغم أن لدينا أسراً بمدينة نيالا لكننا ظللنا مكروهين من قبل بعض فئات المجتمع”.

وطالب الحاج بالإسراع في حل لجان المعسكرات القديمة واستعادة الروضة التى تُغُوِّل عليها، وأضاف أنهم بتاريخ ٢١/ ٤/ ٢٠١٩م رفعوا شكوى لحكومة الولاية وكانت المدارس على الأبواب بأن لديهم روضة تغول عليها شخص بالمعسكر لكنهم لم يجدوا رداً على مذكرتهم، وتابع ” ذهبنا لمكتب الوالي بعدة خطابات طالبين الجلوس معه للتفاكر حول هموم المعسكر ولكن حتى الآن لم نجد استجابة للطلب، ومن ثم ذهبنا لإخواننا في الحرية والتغيير وجلسوا مع الوالي وأفادهم بأنه سيخصص لنا جلسة معه بحضورهم لكن لم يتم ذلك”.

سعداء بزيارة الإعلام

قال شيخ المحبوب حمزة آدم إنهم سعداء أن تزورهم الصحافة وتقف على قضاياهم، وأضاف أنهم ذاقوا أشد أنواع المعاناة والتعذيب في عهد النظام السابق، وتابع (نحن في المعسكر أكثر من ٣٨ ألف نسمة سحبت منا الكثير من كروت الإغاثة والذي يحتج يسجن واليوم لا نطالب سوى بتحقيق العدالة والخدماتـ لأن لدينا أطفال وأيتام وأرامل وظروف المعيشة أصبحت صعبة للغاية والمياه غير كافية لتعطل بعض المصادر.

واضاف أن ما أوصلنا إليها الحكم البائد لم يوصله لنا أحد ونطالب بتحقيق العدالة ضد كل من قتلونا وشردونا إلى المعسكرات).

بدوره قال شيخ المشائخ إن روضة الأطفال قبل التعدي عليها احتفلت بتخريج ٦٠٠ طفل، والآن تقلص العدد لأقل من ١٠٠ طفل لعدم وجود مقر للروضة التي شيدتها إحدى المنظمات، وتم توفير كافة الوسائل التعليمية فيها، لكنها أصبحت الآن سكناً لمن تغول عليها.

بدوره قال رئيس المجلس التربوي لمدرسة الأساس (ب) الأستاذ المعفى مدني الغالي موسى، إنه عندما بدأت مساحة المعسكر دخل في شكاوى عديدة مع المساحة الذين قالوا إن ستة فقط من سناتر المعسكر تستحق والبقية لا يستحقون وأضاف أنهم تقدموا بشكوى لتشريعي الولاية وقتها وأفادوني بأننا لا نستحق وينقلوننا إلى موقع آخر بستة من السناتر، وتابع بعدها تقدمت بشكوى للوالي وقتها آدم الفكي وكذلك وزير التخطيط ومدير جهاز الأمن وجميعهم لم نجد  منهم من ينصفنا، وأردف ” أنا وجدت ناس من محليات خارجية منحوا أراضٍ والذين اكتووا بنيران المعسكرات حرموا”.

وقال إن القضايا بالمعسكرات كثيرة وبحاجة عاجلة لتصحيح المسار، وأضاف أن أبناءهم يدرسون في مبانٍ قشية ودون إجلاس، وأشار إلى أن عدداً من النازحين بيوتهم في مناطقهم الأصلية محتلة، وكذلك متاجرهم ومزارعهم سجلت بأسماء آخرين، وقال إن السلاح ما زال منتشراً والحديث عن جمعه هلامي لا يوجد ما يسنده على أرض الواقع.

وختم حديثه للصحيفة بقوله “نطالب بإنصافنا إن كنا سودانيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى