فاطمة لقاوة تكتب: اليوم العالمي للمرأة.. رسالة في بريد حواء السودان!

اليوم الثلاثاء، 8 مارس اليوم العالمي للمرأة، تأتي الذكرى هذا اليوم والمرأة السودانية حالها من حال الوطن الذي يّعاني من ويلات الجراحات، مُتَكِئاً شاخص الأبصار يرنو نحو أفقِ بعيد، عسى أن يرى من يُضمِّد تلك الجراحات ويُعيد للوطن روحه وحيويته لينهض عِملاقاً.

المرأة السودانية على مر الزمان ظلت صانعةً للأحداث، شريكة في دفع عجلة الحياة الإجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وللنساء الرائدات مكانة خاصة وحضور قوي في المحافل الإقليمية والدولية، منهن من ساهمت في نشر التعليم وخرجت أجيال متعاقبة، ومنهن من أبدعت في الفن والغناء فألهبت حماس الجميع، ومنهن من شاركت في المعارك العسكرية، ومن بين نساء بلادي التي تجاوزت محيط الحزبية والمناطقية وأصبحت أيقونة المرأة في الوطن العربي وأفريقيا، ونالت رضاء جميع السودانين، تلك السمراء “فاطمة إبراهيم” أول برلمانية نسائية في أفريقيا والوطن العربي، وقد ساهمت مع رفيقاتها في إضاءة عتمة الطريق النضالي لكافة نساء السودان وأصبحن نموذجاً يُقتدي به في المحيط المحلي والإقليمي والعالمي.

قد تكون شهادتي بحق (فاطمة السمحة) أيقونة بلادي ناقصة، رغم أنني حُظيت بالجلوس مع من شاهدت ورافقت وصنعت الأحداث، وهي رمز من رموز بلادي التي يجب أن نحتفي بها ببلوغ عامها المائة، وهي بيننا الآن نشتم فيها رائحة نساء بلادي اللائي ساهمن في دفع المواقف الإيجابية واجتهدن بكل حرفية الى السمو فوق التقوقع الحزبي والمناطقي وهن يؤسسن كيان “الاتحاد النسائي السوداني” ليكون منارةً نسائية ووعاءً يحتضن الجميع دون تمييز في السابق، عكس ما نشاهده الآن من تخبُّط وانغماس في الصراعات السياسية.

دعوني أقرأ السلام والتحايا العطرة على أستاذتي: ماما “فاطمة القدال” صاحبة كتاب (شاهدة على مسيرة الاتحاد النسائي السوداني خلال نصف قرن من الزمان)، فهي ريحانة وظل نستجير تحته من ويلات الخلافات الحادة التي كادت أن تُحرق الوطن.

قبل فترة من الزمان! أيام المناكفات الأولى بين شُركاء الفترة الإنتقالية، هاتفت ماما فاطمة القدال لأطمئن على صحتها وتناولت معها بعض ما يؤرقني من الراهن السياسي في الوطن المكلوم، وشكوت لها من بعض الجفوة التي أحاطت علاقتي مع بعض إخواتي وإخواني رفاق النضال، بسبب بعض المواقف التي حسبوها بأنني منحازة للعسكر وممجدة للدعم السريع وقواته، فجاءني صوت ماما فاطمة القدال عبر التلفون وهي تُردد أبيات شعر تقول فيها:

أبحرنا إليك يا وطني!!

أبحرنا إليك يا وطني!!

ورضاء الروح والزمنِ!!

لكي تُشفينا من زُلٍ ومن سقمٍ ومن وهنٍ وبنا تُشفى!

لكي تشفينا من سقمٍ ومن زلٍ ومن وهنٍ وبنا تشفى!

وأنت الروح والمشفى

وأنت العز يا وطني

وكانت ماما فاطمة تحمل هموم الوطن والخوف عليه من المجهول، وقد حملتني رسائل عديدة وطلبت توصيلها للفريق أول محمد حمدان دقلو، منها: “أن لا يكترث إلى ما يُنشر عبر الميديا، وعليه أن يسعى إلى أن لا ينزلق الوطن نحو الهاوية، فالوطن أولاً”.

ظلت ماما فاطمة ورفيقاتها مُمسكات بحيادية الاتحاد النسائي السوداني رافضات أن يُزج به في الصراعات السياسية، ولكم تمنيتُ أن يستمر ذات الموقف اليوم، ولكن هيهات.

التحية إلى ماما فاطمة القدال أيقونة الزمن النضالي الجميل، والتحية لكافة نساء بلادي في أدغال جنوب كردفان وغرب كردفان، وفي دارفور وبين نخيل بلادي في شمال السودان، ووسط  الطبيعة الساحرة في شرق السودان، وفي الجزيرة أرض المحنة، وأقول لجميع النساء الفاعلات وسط المجتمعات والأحزاب والكيانات: (إن السودان اليوم!! أن يكون أو لا يكون!!، ولنجعل يوم المرأة العالمي في السودان نموذجاً لحدث تاريخي عظيم يساهم في نزع فتيل الأزمة بين الشركاء المتناكفين من أجل أن نستكمل مرحلة الانتقال ونرتقي عتبة التحول الديمقراطي لنعبر نحو أفق سياسي تنموي جديد)، وبمناسبة هذا اليوم أرسل رسائل في بريد كل من الآتي:

* في بريد أُمهات الشُهداء: نحن نعرف حجم أن تفقد الأُم فِلذة كَبدها، ولكن أهلنا قالوا: “مِيتة ولدي ولا خراب بلدي”، وقد استمعت لوالدة الشهيد (محمد فيصل “شعيرية”) يوم تأبينه في ود مدني، وهي تخاطب الجميع أمام بيتها وتقول لهم بكل رباطة جأش إنها لا تريد أن يسقط شهيدٌ آخر أو مصاب بسبب ابنها وتمنّت أن يكون ابنها هو آخر ضحية.

كلمات أم الشهيد شعيرية أبكتني وتمنيت أن يسمعها الجميع ليعرفوا قيمة التسامي فوق الجراحات، ليت كُل أُمهات الشُهداء أن يسجلن موقفاً تاريخياً بمناسبة اليوم العالمي للمرأة ويرفعن شعار (موت ولدي ولا خراب بلدي).

* في بريد كافة الناشطات السياسيات والإعلاميات والمدنيات: (دعونا نغرس شجرة نسائية تضاهي ما غرسته فاطمة السمحة ورفيقاتها، هلم جميعنا من أجل إطلاق مبادرة حوار مفتوح بيننا كنساء من أجل الوصول إلى رؤية وطنية توافقية، يمكن أن نقدِّمها للجميع بهدف إيجاد طريق ثالث ينزع فتيل الأزمة ويجنب الوطن الانزلاق في هاوية المجهول وليكن شعار مبادرتنا “الوطن أولاً”).

* في بريد نساء الحركات المسلحة التي لم توقع السلام بعد: أنتن أعلم بمرارة الصراعات مثلما نحن نعاني منها، لأن المرأة هي الأم الثكلى التي فقدت بنيها والزوجة الأرملة التي فقدت زوجها والأخت المفجوعة التي فقدت أخاها والابنة اليتيمة التي فقدت أباها، لذلك الواجب عليكن أن يكون رأيكن واضحاً، فالصراع يجب إدارته بطريقة تقود إلى السلام، فليكن يوم 8 مارس هو يوم السلام للجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى