منى أبوزيد تكتب : الحاج عثمان يختار..!

3مارس 2022م 

“العنف هو آخر خيار في المنافسة”.. إسحق عظيموف..!

شيءٌ ما في صدر الحاج عثمان، ارتفع منسوبه إلى حافة الانفعال عندما رأى الشابة المتقدمة لوظيفة السكرتيرة الجديدة وهي تخطو إلى داخل مكتبه الفخم في ثقةٍ كبيرة، كان السبب فيها جمالها الواضح. نسى حاج عثمان مسألة الكفاءة التي كان يؤكد عليها في حديثه مع مدير مكتبه – قبيل وصولها بدقائق – وأمر بتعيينها على الفور. ولئن سألت عن الذي حدث بعد ذلك فهو ما كان متوقعاً بحسابات المنطق، ومستحيلاً بحسابات رفيقة دربه الحاجة صفية التي أخطأت الحساب لأول مرة في حياتها الحافلة بالحسابات والأرقام..!

وهكذا وقع الحاج عثمان في غرام السكرتيرة الجديدة، ولأنه رجل تقي حج إلى بيت الله الحرام عدة مرات، ولأنه يعرف مضابط الحلال ويخشى الوقوع في شبهات الحرام، فقد بادر بعرض الزواج على سكرتيرته الشابة على نحوٍ سريع وحاسم، شريطة أن يظل زواجهما سراً إلى أن يقوم هو “بترتيب أموره” وإبلاغ أولاده وأمهم الحاجة صفية – “وما أدراك ما الحاجة صفية”! – بالخبر اليقين..!

 

كان الحاج عثمان يعرف مدى تعلق أبنائه بوالدتهم كعادة أبناء الأسر السودانية المغتربة، كما كان يعلم بمقدراتها الفذة على التأثير عليهم، لذا فقد كان خائفاً جداً من خسارة أولاده بسبب هذا القرار الدراماتيكي، لكنه أقدم عليه – مدفوعاً بعاطفةٍ جياشة – وهو يدعو الله أن لا تتحقق أعظم مخاوفه..!

وعلى الرغم من كل الحيطة والحذر اللازمين علمت الحاجة صفية من “مصدر مسؤول” – فضل حجب اسمه – بأمر زواج زوجها من أخرى، فاتصلت هاتفياً بأبنائها الثلاثة الذين قدموا على الفور – من مختلف العواصم الأوروبية التي يقيمون فيها – لتخليص أمهم من براثن الحلف الجديد الذي كوَّنه والدهم مع عروسه الشابة..!

وهكذا، جاء اليوم المشهود الذي طالبت فيه الحاجة صفية زوجها بحضور اجتماعها العائلي وهي تخاطبه بلهجة تنذر بالوعيد. كان الحاج عثمان يعلم ما ينتظره في منزل الأسرة، لكنه في محاولةٍ أخيرة لرأب الصدع اصطحب معه زوجته الشابة ليتعرف الأولاد عليها، فيتأكدون بأنفسهم كم هي “طيبة، و”مسكينة، وكدا”!. وكيف أن تلك “القطة المغمضة” التي تُمعن في تدليله وتجديد شبابه لن تتسبّب لهم في أية مشكلات مستقبلية من أي نوع. لكن الأمر الذي لم يكن ضمن حسابات الحاج عثمان هو أن يقطع عليه أبناؤه الطريق، وعلى ذلك النحو المفاجئ والقاسي..!

تم عقد الاجتماع العائلي في إحدى غرف الطابق الأرضي بالمنزل، وكان أثاث الغرفة يتكون من سريرين كبيرين وطقم جلوس وطاولة قهوة ضخمة في منتصف الجلسة، وعلى الجدار الأوسط شاشة تلفاز كبيرة مغلقة، كان سوادها الحالك يعكس تمَعُّر وجه الحاج عثمان الذي جلس مطرقاً على أحد السريرين بجانب زوجته الجديدة، بينما جلست الحاجة صفية يحيط بها أبناؤها الثلاثة على السرير الآخر..!

 

على طريقة “الخواجات” قطع مجدي – الابن الأكبر – الطريق على والده وهو يطلب منه أن يختار بين أسرته المكونة من زوجته الحاجة صفية وأبنائه الثلاثة وتلك المُتطفِّلة الدخيلة التي لم يكلف نفسه عناء النظر إليها. الأمر الذي يعني تهديداً بمقاطعتهم إياه في حال إصراره على الاستمرار في هذا الزواج. وعندما تظاهر الحاج عثمان بعدم الفهم ليكسب مزيداً من الوقت وهو يُغمغم في خفوت:

 

– يعني شنو.. تتخذوا موقف منِّي كيف يعني..؟!

 

قاطعه مجدي بلهجةٍ حاسمة وهو يشير بيده نحو كلا السريرين:

– يعني واحد من اتنين، يا تختار السرير دا “وأشار بيده نو السرير الذي كانوا يتكدسون فيه حول أمهم”، أو تختار السرير داك “وأشار بيده نحو السرير الآخر الذي كان والدهم يجلس عليه بجانب زوجته الشابة”..!

– أها يا بابا.. ح تختار ياتو سرير..؟!

أصيب الحاج عثمان بهلعٍ بالغ وهو يرى قطاف غرسه الطويل يكاد أن يضيع من بين يديه في لحظة طيش “حلم فيها بتجديد شبابه مع زوجةٍ يافعة”. فما كان منه إلا أن أشار – في ذعرٍ شديد – وبكلتا يديه نحو السرير الذي كان يجلس عليه أبناؤه الثلاثة حول أمهم – التي كانت ترمقه في شماتةٍ لم تجتهد في إخفائها – وهو يقول في لهجةٍ خانعة أطارت صواب زوجته الجديدة:

 

– اختاركم انتو.. اختار السرير داك..!

 

 

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى