ترسيم الحدود بالشرق.. هل ينهي الخلافات؟

 

تقرير: مريم أبشر       2مارس 2022م 

تمثل قضية شرق السودان من اكثر ملفات القضايا الشائكة لبعض مناطق السودان التي عانت من تراكم المشاكل والتهميش. و ظل انسان الشرق كما العديد من الأمكنة المنسية في بلادي تكابد أبسط مقومات الحياة الأساسية المتمثلة في المياه والكهرباء على مر الأنظمة، خلافاً لبعض الحلول الآنية الآن وبعد قيام ثورة ديسمبر المجيدة التي أطاحت بنظام الإنقاذ الذي لم يوف بالعديد من الوعود ، استبشر اهل الشرق خيراً بان الثورة التي تداعى كل انحاء السودان و مهرت بالدماء و الدموع ،  سيكون حل قضية الشرق إحدى أولوياتها العظام . فكان اتفاق جوبا ومسار الشرق، بيد ان الأخير شكل البعد الأخطر للانقسام والتناحر بين قبائل الشرق المؤيدة للاتفاق وشاركت في كل جولات جوبا حتى التوقيع عليه و الأخرى الرافضة للمسار و ظلت تناهضه منذ لحظة التوقيع عليه وحتى الآن.

ومن اجل إيجاد أرضية صلبة تفضي لحلول مرضية لكل الأطراف عيّن مجلس السيادة الفريق حمدان دقلو رئيساً للجنة العليا الخاصة بقضايا الشرق و ضمت عددا من المسؤولين ضمن عضويتها، حيث عقدت عدة اجتماعات ولقاءات بحاضرة البحر الأحمر بالقصر الجمهوري في الخرطوم.

 جبر الضرر:

في غضون ذلك،  اصدر نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي رئيس اللجنة العليا لإيجاد الحلول الناجعة للوضع في شرق السودان الفريق “حميدتي”، قراراً بتشكيل لجنة اتحادية عليا لحصر وجبر الضرر بولايات شرق السودان برئاسة وزير المالية والتخطيط الاقتصادي وعضوية آخرين. وحدد القرار اختصاصات اللجنة في حصر وجبر الضرر بولايات شرق السودان الثلاث، ومخاطبة قضايا التنمية بالولاية الثلاث واستصحاب وبلورة آراء ومقترحات المكون المحلي بالولايات الشرقية بما يدعم الاستقرار والتنمية.  كما أصدر قراراً بتشكيل اللجنة الفنية العليا لتخطيط وتعيين الحدود الإدارية للقبائل والنظارات في ولايات شرق السودان الثلاث برئاسة د. معاذ احمد محمد تنقو رئيس المفوضية القومية للحدود وعضوية آخرين. وحدد القرار اختصاصات اللجنة في تحديد الحدود الإدارية  لولايات شرق السودان الثلاث عبر وضع الأسس والمعايير  والمرجعيات لتحديد الحدود الإدارية، ووضع خُطة زمنية مُحَدّدَة لتخطيط وترسيم الحدود، والجلوس مع ممثلي حكومات الولايات والمحليات والوحدات الإدارية والنظار والعموديات المستقلة وزعماء القبائل المختلفة واستلام الوثائق والخرائط منها.

بوادر أزمة:

الإعلان عن تشكيل لجنة فنية عليا لترسيم الحدود بين القبائل، وُجِّهت إليها انتقادات كبيرة، لجهة انها تكرس للقبيلة وتفتح ابوابا واسعة امام القبائل للنزاع حول الاراضي التي تعد في المقام الاول أراض حكومية تخص الدولة، ونشرت الزميلة (الحراك) امس خبراً اشارت فيه إلى أن بعض المكونات القبلية بشرق السودان أبدت مخاوفها إزاء نشوب نزاعات بين القبائل بسبب ترسيم الحدود، وقال رئيس الجبهة الديمقراطية بشرق السودان و الناطق الرسمي للجنة قضايا الخدمات و التنمية لمحليات جنوب البحر الأحمر المهندس علي إدريس، إن قرار مجلس السيادة بتشكيل لجنة عليا فنية لضبط وتعيين الحدود بين القبائل والنظارات يكتنفه الغموض وغير معلوم الأبعاد، وقال إن إجراء تخطيط للحدود بين القبائل ظاهرة جديدة لم تحدث في أي دولة من قبل، وأشار إلى أن لجنة الحلول الناجعة للوضع في الشرق كان يجب عليها التشاور مع المحليات والقبائل حول الأمر، ورأى انه من الصعب التحدث عن نظام الدولة والقبيلة، لأن الأرض مِلْكٌ للدولة والموجودون عليها مستأجرون.

حُسن النوايا:

رغم المخاوف المتوقعة من خطوة ترسيم الحدود القبلية، شهدت الأيام الماضية توقيع عدد من قبائل الشرق على وثيقة أُطلق عليها وثيقة حسن النوايا وذلك في اعقاب اجتماع رأسه نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، رئيس اللجنة العليا لإيجاد الحلول الناجعة للوضع في شرق السودان “حميدتي” وبحضور عدد من أعضاء مجلس السيادة . وتم خلال الاجتماع التوقيع على وثيقة حُسن النوايا بين قبائل الهدندوة ، البني عامر ، الحباب ، الأمرأر  والبشاريين. وأوضح نائب رئيس مجلس السيادة، أن الحلول الناجعة لقضية شرق السودان تمر بثلاث مراحل تشمل ترسيم الحدود بين النظارات والقبائل بشرق السودان، تليها مرحلة تنفيذ القرارات الصادرة من اللجنة ثم المرحلة الأخيرة والمتمثلة في المرحلة السياسية التي تحدد مصلحة اهل الشرق بعد أن يصبحوا كتلة موحدة.

وأشار في الاجتماع الى ان روابط النسب والمصاهرة بين أهل الشرق  كفيلةٌ بخلق روح وطنية طيبة تؤمن الاستقرار والسلام لشرق السودان. وشدد على أن اللجنة تهدف للوصول الى حلول ترضي الجميع وتحفظ حقوقهم.

 ترسيم الحدود:

على عكس المتشائمين، أكدت القيادية بمؤتمر البجا ستنا محمود أن قرار اللجنة العليا للحلول الناجعة لشرق السودان الخاص بترسيم الحدود بين القبائل من شأنه الإسهام في الحل وليس تعقيد المشكلة، مُستبعدة تعميق المشكل بهذا السبب، وقالت انّ كل الأطراف موافقة على الترسيم، وأشارت لـ(الصيحة) الى ان امر ترسيم الحدود القبلية ليس جديداً وانه موجود مسبقاً في وثيقة العُرف (القلد)، وهنالك وثائق رسمية بذلك، وأكدت ان الشرق ليس له اي مشاكل تخص التواجد القبلي، لافتاً إلى أن أي قبيلة ونظارة  تعرف جيداً أماكن تواجدها و حواكيرها وفق وثائق العرف الاجتماعي، وزادت بالقول (للنظار كلمتهم المسموعة)، وتوقعت ستنا اذا مضت اللجنة العليا الخاصة بإيجاد الحلول الناجعة لقضايا الشرق بذات نهج حلحلة جذور الأزمة، من شأنها إيجاد حلول سريعة لمشكلة الشرق.

 

 عودة للأرشيف:

وفي ذات السياق، اكد القيادي السابق بجهة الشرق، وعضو المجلس التشريعي بكسلا سابقاً جمال محمود نور  أن ترسيم الحدود بين قبائل الشرق ليس جديداً ولن يعمق مشكلة، لجهة أن هنالك خرطاً رسمية تاريخية موجودة في أرشيف الدولة وعلى الدولة ان تنشرها،  لافتاً لـ(الصيحة) أنّ الترسيم عبر الحكومة ووفق أرشيف الخرط الموجود أصلاً يعني تنفيذ الأمر  بقوة القانون، وأشار الى أن أمر التوزيع  الديمغرافي وفق القبائل معروف منذ التاريخ  في السودان، حيث توجد ديار الكبابيش والحَمر وغيرها من مناطق تواجد القبائل السودانية، غير أن محمود شدد على ضرورة ان يتم التنفيذ عبر الدولة السودانية وان لا يترك الأمر للمواطنين، لافتاً إلى أن للشرق خرطا رسمية  معروفة وعلى الدولة نشرها والعمل بموجبها، وحذر من أن ترك أمر التوزيع بيد المواطنين دون الرجوع للخرط الرسمية من شأنه أن يفتح نار جنهم، فضلاً عن التسبب في فتنة لا يحمد عقباه، مؤكداً في هذا الخصوص ان الدولة وحدها من يملك الحقائق والحجة، وأضاف (عمق الجغرافيا لا يمكن ان ينهي حقائق التاريخ). ووصف الخطوات التي قامت بها اللجنة العليا للحلول الناجعة لشرق السودان حتى الآن بالجيدة، وأضاف إذا مضت بذات الخطوات يمكن أن تخرج بالشرق إلى بر الأمان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى