منى أبوزيد تكتب : في سبع دقائق..!

2مارس 2022م 

“العالم يتغيّر بسرعة، فالقوي لن يهزم الضعيف مستقبلاً، بل سوف يهزم السريع البطيء”.. روبرت مردوخ..!

بدأت الحكاية وانتهت خلال دقائق معدودة، عندما قرر أحد المشاركين في برنامج مواهب شهير – يبث على الهواء مباشرة عبر القناة الكورية – أن يتظارف!. المتسابق القادم من هونج كونج “التي يرى بعض أهلها في الجلباب وغطاء الرأس أيقونة إرهاب لا ينقصها سوى سلاح ناري”، أراد أن يستدر المزيد من ضحك الجمهور، فارتدى أيقونة الإرهاب الناطقة “جلباب وشماغ سعودي” مع بندقية زائفة، صوّبها نحو قلب مذيع البرنامج، حتى تكتمل الصورة.. فما الذي حدث برأيك..؟!

 

تم قطع البث التلفزيوني على الفور، وخلال سبع دقائق فقط خرج وزير الإعلام الكوري على ملايين المشاهدين الذين لم يبرحوا أماكنهم بعد، واجه العدسات بصرامة قائد يلقي بياناً عسكرياً، واعتذر بخشوع للمسلمين كافة، وللسعوديين خاصة، مع اعتراف قاطع بأنّهم مُخطئون وسيعملون على إصلاح ذلك الخطأ الذي يرجو من كل عقله أن يغتفر..!

صحفي بريطاني اسمه ريتشارد برنارد وقع في غرام الموقف الكوري، فكتب مقالاً رائعاً أعرب فيه عن انبهاره بمقدرات الوزير الكوري على إدارة أزمة قبل أن تحدث، خلال بضع دقائق فقط من ثواني وقوعها. ثم ها أنا ذي أدعوك إلى أن تشاركني حماستي وانبهاري، وإحباطي المُركَّب..!

أربعمائة وعشرون ثانية فقط لا غير، كانت كافية جداً لكي يعقد وزير الإعلام الكوري، اجتماعاً طارئاً مع مستشاريه، وأن يحدد نوع الاتهام وطبيعة العقوبة، قبل أن يخرج على ملايين المشاهدين الذين لم يبرحوا أماكنهم بعد، واصفاً ما حدث بأنه تصرف بشع، وتطاول على كرامة المسلمين، وإساءة للزي السعودي، وسلوك غير مسؤول يساعد على تفاقم الإسلاموفوبيا..!

ثم أن يعلن عن قرار إيقاف ذلك البرنامج مدة شهرين كاملين وترحيل الضيف صاحب الدعابة الثقيلة إلى بلاده، وإيقاف تلك القناة ثلاثة أيام حسوماً، مع إلزامها ببث رسالة اعتذار شديدة اللهجة – طوال تلك الفترة – وعلى مدار الساعة..!

خمسون عاماً من الصداقة السعودية الكورية الجنوبية، كانت ستذروها رياح القطيعة السياسية، وتبادل تجاري حجمه عشرات المليارات من الدولارات كان سيلقى حتفه الاقتصادي، والسبب مزحة ثقيلة أطلقها مصدر “شعبي” غير مسؤول، لولا أن الله قد قيض لكوريا الوزير المناسب في الوزارة المناسبة..!

كوريا الجنوبية التي كانت تحتل المرتبة الثانية عشرة في الاقتصاد العالمي – حين وقوع الحادثة – والتي كان لمشاريعها التنموية دورٌ عظيمٌ في تطوير الصناعات والبنية التحتية بالسعودية، والتي تعد من أكبر الدول المستوردة للنفط السعودي وغيره من صادراتها.. والتي.. والتي.. كان لها أن “تقدل فوق عديلها”، فتأخذها العزة بإثم لم ترتكبه أساساً، وهي التي تستطيع أن تأكل فعلاً، وأن تلبس فعلاً – بل أن تخاصم وأن تفجر أيضاً – مما تصنع. لكنها أعلى مراتب النضج السياسي، وأرقى مهارات السياسة في إدارة الأزمات.. فهل يا تُرى من مُذَّكِر..؟!

 

 

 

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى