قراءة نقدية في كتاب تاريخ الموسيقى والغناء في السودان .. موسى حامد: معاوية حسن يس تجاوز الأوروبيين في التوثيق!!

 

كتب: سراج الدين مصطفى    25فبراير2022م 

الأستاذ الكاتب موسى حامد من الكتاب الشباب الذين لهم مهارات فائقة في النقد .. فهو واحد من القلائل الذين يقدمون نقداً واقعياً وعلمياً بعيداً عن الطرق الضعيف على القضايا .. وفي هذه المقالة النقدية القيمة التي ننشرها على جزئين .. نقف عند نقده لكتاب (تاريخ الموسيقى والغناء في السودان) للكاتب والصحفي والمؤرخ معاوية حسن يس .. واليوم نورد الجزء الأول من مقالته النقدية حول الكتاب وغداً ننشر بقيتها.

تقصي التاريخ:

ما يُميّزُ كتاب “من تاريخ الغناء والموسيقى في السودان”، بجُزئيه الاثنين لمعاوية حسن يس، تقصيّه تاريخ الغناء والموسيقى في السودان منذ أقدم عصوره وحتى الآن، بالأكاديميةِ، والرصد، والتحليل، وجمع المعلومات من مظانها، وتوثيقها، بالقدر الذي لم يتأتَ للذين انتدبوا أنفسهم لتوثيق الأغنية السودانية والكتابة عنها. الجزء الأول من هذا الكتاب؛ صدر في العام 2005م، وفيه تتبّعٌ للمنابع الأولى للأغنية السودانية، وحتى ظهور ما عُرف بـ(أغنية الحقيبة)، وإنشاء الإذاعة السودانية في العام 1940م.

غناء جنوبي:

في كتابه “من تاريخ الغناء والموسيقى في السودان”، تجاوز معاوية يس الأوروبيين في وصفهم لغناء وموسيقى قبائل ومجتمعات جنوب السودان بـ”المتخلّفة”، و”البُدائية”، و”الهمجية”، وصولاً إلى مساهمتها وإثرائها للموسيقى القومية السودانية، من خلال فرق الجاز، أو من خلال الألحان الجهوية التراثية التي تم تحويلها إلى ألحان سير، ومارشات للفرق العسكرية.

أسماء المغنين:

لكن بالرغم من ذلك لم يتجاوز ذكره أسماء مُغنين وفنانين أو موسيقيين جنوبيين مثل: عبد الله دينق، يوسف فتاكي، جون براون، استيفن دينق وموسس نبيل. بمعنى أنّ سيرهم الفنية وتجاربهم وأغنياتهم لم تجد الذكر والتوثيق المستحق. ربما كان الأمر مرده لعامل الحرب البغيضة التي أوقفت الحياة السودانية بكاملها، وليست الغناء والموسيقى لوحدهما. أو ربما لعامل لغات تلك المُجتمعات، التي أصرّ أن يتغنّى بها فنانو تلك المجتمعات، أو آلاتهم الموسيقية التي لم تعتد أذن بقية أقاليم السودان عليها، أو ربما لعوامل أخرى.

دينٌ وسياسة:

في العلاقة بين فنّي الغناء والموسيقى والسياسة، تقصّى مؤلف الكتاب حالات التشادُّدِ، والتصالح التي مرت بها طبيعة علاقة الغناء والسياسة في السودان.. وأثبت المؤلف خلال تقصّيه، تعامل الحكومات التي مرت على السودان، بطريقةٍ مشرقةٍ، أو ظلاميةٍ مع الفنون. وعَبر على منع حكومة إبراهيم عبّود (نوفمبر 1958- أكتوبر 1964م) لبعض الأغنيات، كما أثبت لحكومة نميري (مايو 1969- أبريل 1985م)، في بدايتها انفتاحاً كبيراً وتعاملاً إيجابياً مع الغناء، ثم لم يلبث هذا الوضع أن تغيّر عقب ما عُرف في السياسة السودانية بـ”قوانين سبتمبر” 1983م.. وفي هذه النسخة المايوية؛ يورد المؤلف أنّ النميري أوفد بعض موظفيه لحصر الأغنيات التي في كلماتها ألفاظ مثل: قُبلة، أحضان، خمر وغيرها. ويخلص المؤلف إلى أنّ نتيجة هذا الحصر أنْ منعت حكومة النميري أغنيات مثل “القبلة السكرى”، لعثمان حسين.

مرحلة الأدب الجهادي:

إلا أنّ أخطر ما شهدته الساحة الفنية – على رأي المؤلف – ما حدث في الفترة التي تلت وقوع انقلاب يونيو 1989م، من منعٍ ومحاصرةٍ للغناء في السودان، حيث كانت حجة حكومة الإنقاذ في بداياتها؛ أنّ التحديات التي تُواجه البلاد تستدعي إتاحة الفرصة أمام ما سُمي “أدباً جهادياً”، بل وصل الأمر حد إيقاف تسجيل أغنيات عاطفية أو بثها، وإيقاف بث أغنيات فنانين بعينهم، بحجة معارضتهم للحكومة وقتها.

نزالات فكرية:

لكن بالمقابل، فقد شهدت ساحات التفكير نزالات فكرية فقهيةٍ عن الغناء والموسيقى. وكمثالٍ، يذكر المؤلف ما شنّته مجلة الإذاعة والتلفزيون في “1966” من هجومٍ على ما أسمته “الخمريات عند الشعراء”، ناعيةً على بعض الشعراء الغنائيين السودانيين، “إسماعيل خورشيد نموذجاً”، نقلهم أجواء خمرية وتفسّخيةٍ في أغنياتهم.

إهمال وغُربة

يقطع مؤلف الكتاب بأنّ الكثير من التراث الغنائي، والموسيقي السوداني، تعرّض للضياع، لجملةٍ من الأسباب. أجملها في الإهمال واللا اهتمام، كان ذلك عن طريق الأسطوانات، والأشرطة التي تحوي أغنيات وموسيقى، حيث تعرّض الكثير منها للضياع، أو للتلف، نتيجة البلى الطبيعي بفعل تقادم الزمن، وعدم الحفظ وفق عوامل علمية. كما أشار المؤلف إلى أنّ العديد من تراثنا الغنائي والموسيقي السوداني موزّعٌ في المكتبات الخارجية، والإذاعات الأجنبية، مثل: ركن السودان بالقاهرة، والذي تحوّل من بعد إلى إذاعة وادي النيل، أو بمكتبة إذاعة إريتريا، أو بالإذاعة البريطانية، “البي بي سي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى