(خطاب الكراهية).. الطريق إلى اجتثاث الظاهرة

 

الخرطوم ـ صبري جبور    18فبراير2022م 

في الآونة الأخيرة انتشر خطاب الكراهية بصورة غير مسبوقة وسط بعض مكونات الشعب السوداني ، مما يسهم في تفكيك النسيج الاجتماعي والتعايش السلمي الذي يتصف به الشعب، المتابع للراهن في البلاد خلال الفترة الماضية يجد أن تلك الظاهرة تمددت وتغلغلت بكافة أوجهها ومسمياتها .. وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من أشكال الاتصال تُستغل كمنابر لنشر الشائعات المضللة وغير الصحيحة والتي تجد حظها في التداول داخليا وخارجيا .. الأمر الذي يثير القلق ويؤرق المجتمع والدولة معاً.

ويشكل خطاب الكراهية تهديداً للاستقرار الاجتماعي والسلام .. والتصدي له يعني اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تفاقم خطاب الكراهية وتحوله الى ما هو أخطر من ذلك، خاصة التحريض على التمييز والعدوانية والعنف.. وفي سبيل البحث عن الأسباب والمسببات واجتثات الظاهرة.. طرح (مركز إشراقات الغد للدراسات والتنمية).. مبادرة حول كيفية مكافحة أسباب الكراهية في السودان .. وتُعتبر الخطوة من صميم برامج وأهداف المركز .. وعلى ضوء ذلك نظم المركز مساء (الثلاثاء) بمنزل هارون آدم  جلابي، جلسة حوارية أدارها رئيس المركز المهندس صالح عبد الله أحمد، شارك فيها أغلب المكونات السياسية والاجتماعية ورموز وقيادات أهلية، بجانب  قيادات الاعلام .. وقدم مركز اشراقات الغد ورقة ضافية بشأن خطاب الكراهية ولعموم الفائدة تنشر الصيحفة نصها بالكامل من خلال الموضوع أدناه.

توحيد أهل السودان

وشرح رئيس مركز اشراقات الغد المهندس صالح عبد الله أحمد الذي أدار اللقاء التفاكري، أهداف ومرامي المبادرة التي أطلقها المركز، معدداً الأسباب التي أسهمت في انتشار خطاب الكراهية وسط المجتمع وكيفية الحلول والمعالجة لهذه القضية التي تؤدي إلى تفكك التعايش والنسيج الاجتماعي.

وقال مدير مركز إشراقات الغد للدراسات والتنمية مهندس هاشم عثمان أحمد، إن المركز درج على إقامة برامج اجتماعية وثقافية الهدف منها تعزيز السلام والنسيج الاجتماعي من أجل توحيد أهل السودان، وأشار إلى أن خطاب الكراهية يعد من الظواهر التي تعيق طريق التوحد والتصالح بين المكونات السودانية، وقال إن من أهداف المركز محاربة ونبذ التناول السالب في المنصات المُختلفة خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.

وأوضح عثمان أن المركز تقدم بمبادرة حول كيفية مكافحة أسباب الكراهية وطرحها لكل أهل السودان بغية الوصول الى نتائج حول معالجة الظاهرة.

مساعٍ حميدة

ورحب هارون جلابي الذي استضاف اللقاء في منزله بالخرطوم، بالحضور ، مشيداً بمركز اشراقات الغد للدراسات، واصفاً المبادرة التي طرحها لمكافحة خطاب الكراهية بالحميدة التي تسهم في لم شمل أهل السودان ونبذ التفرقة والكراهية التي تفشت في الآونة الأخيرة.

المجتمع تشبّع بالكراهية

وقال بدوي الخير إدريس، إن المجتمع تشبع بالكراهية، مشدداً على التعايش لتحقيق الوحدة الوطنية، لافتاً الى ان الأنظمة الشمولية لعبت دورا كبيرا في القضية ، بجانب عدم التداول السلمي للسلطة، داعيا الى أهمية إسراع الخطى في مكافحة خطاب الكراهية.

وعدد عبد الحميد موسى كاشا، أسباب الكراهية، وقال إن الشائعات واحدة من اسباب خطاب الكراهية، وقدم كاشا إضاءات عامة للخروج من نفق الكراهية الى واقع التعايش والسلام المجتمعي، داعياً الذهاب إلى الولايات والحديث في أرض الواقع لنبذ الكراهية التي تفشت في البلاد.

ووصف بحر إدريس أبو قردة، ورقة المركز بالمميزة، داعياً الى أهمية التواصل مع الجميع بغية الوصول نتائج وحلول لمعالجة الكراهية، وأشار أبو قردة الى ان خطاب الكراهية أتى من عدم الإدراك والمعرفة.

وأوضح نصر الدين علي إدريس، أن خطاب الكراهية الآن انتشر بصورة كبيرة وغير عادية، محذراً من مغبة الانقسامات خلال الفترة المقبلة بسبب الكراهية حال لم يتم تداركها والقضاء على هذه الظاهرة التي أصبحت تؤرق الكل. وأشار الى ان الاستعداء الموجود الآن يجعل كل قبيلة تتعدى على الأخرى، مشدداً على إحداث التصالح والتعايش بين المكونات.

وقال عمر عبد الجبار إن الكراهية الموجودة ليست كراهية مجتمعية وإنما كراهية نخب، وأكد على أهمية التسامح والتصالح من أجل تحقيق سلام اجتماعي يعزز من الروح الوطنية ويسهم في مكافحة الكراهية.

كما تحدث المحامي عادل عبد الغني، وقال إن خطاب الكراهية هو ما يترتب عليه إحساس سالب تجاه الغير.

ودعا اسحاق آدم بشير جماع خلال المنتدى الحواري الذي تشعبت فيه آراء الدباوماسيين والخبراء والقيادات الأهلية في محور التصدي لخطاب الكراهية، الى ضرورة التعايش من أجل مكافحة هذه الظاهرة.

فيما تحدث آدم عبد الرحمن حسين، عن أسباب انتشار الكراهية، داعياً الى ضرورة العمل لمكافحته حتى لا تتفرتق البلاد. وحذّر من خطورة (الميديا) وتأثيرها السالب في نشر خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وسط المجتمعات، داعياً الى ضرورة أن يقوم الاعلام بتبصير المجتمعات بخطاب الكراهية.

مكافحة خطاب الكراهية

وتناولت الورقة التي أعدها المركز حول (استراتيجية مكافحة خطاب الكراهية وبناء التعايش السلمي في السودان)، وشارك في تقديمها السفير د. محمد عبد الله عبد الحميد، د. مصطفى البشاري، وأشارت الى أن التعايش السلمي يقوم في أي بيئة اجتماعية ومنها البيئة السودانية على ضرورة الاعتراف المتبادل بحق كل فرد في الوجود ثم حقه في الاختلاف وما يتضمنه هذا الحق من امتلاكه لثقافته وهويته وحقه في السعي لتطويرها ونشرها والحفاظ عليها.

وعدّدت الورقة اسباب التعصب وخطاب الكراهية ممثلةً في عوامل واسباب ترتبط بالفرد نفسه والمحيط، بجانب النزوح، المعلومات الخاطئة والاعتماد على القانون الجنائي.. وأيضا تناولت الورقة مظاهر الكراهية والتعصب التي تتمحور في فرض الأفكار والرؤى والمذاهب على الآخرين، التضييق والكبت، الإنكار في المسائل الاجتهادية، الحرمان، التعميم في الأحكام والأخذ بالأفكار المسبقة والتبخيس.

السلام من الداخل

وحدّدت الورقة إطار الاستراتيجية العام في أنها عملية سلمية، التدخل المرن، تشييد البنية الأساسية، ودفع السلام من الداخل، وأشارت الورقة الى ان خطاب الكراهية وجد متسعاً وفضاءً رحباً خلال السنوات الماضية وزادت معه التحديات التي يواجهها المجتمع فيما يتعلق بتجنب الوقوع في فخ خطاب الكراهية أولاً وفي مكافحة هذا الخطاب ثانياً.

وأشارت الورقة أيضا الى مباديء الاستراتيجية التوجيهية المتمثلة في الرؤية المتكاملة، الالتزام الوطني والمسؤولية، وحدة العمل، التماسك، الشفافية وسهولة التواصل والتحليل والتقييم والقدرة على التكيف.

وتتمثل مهمة الاستراتيجية في تعزيز الظروف اللازمة لعمل آليات مكافحة خطاب الكراهية من أجل تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين أبناء الشعب السوداني، كما تتمثل رسالتها في أن التنوع الثقافي هو رصيد إنساني ضروري لتقدم ورفاهية بلادنا ومجتمعاتنا، ورؤيتها تكمن في تعميق الفهم العلمي والعملي، في أن جميع السودانيين كقبائل وافراد يشكلون أسرة إنسانية واحدة غنية بالتنوع.

وتناولت ورقة المركز أن أهداف الاستراتيجية لمكافحة الكراهية منها تخفيف الصعوبات التي تواجه الحكومة والمجتمع، التعامل مع التهديدات المختلفة للأمن الإنساني، بجانب تشجيع كل مجالات الحوار، التدخل المُناسب لمنع نشوب النزاعات، تحديد محركات السلام المجتمعي، دراسة المحددات الدقيقة للنجاح في العمل الوقائي.

التسامح والتعايش السلمي

وأشارت الورقة الى أن المجتمعات بصورة عامة والمجتمع السوداني بصورة خاصة تحتاج الى مؤسسات تعمل على غرس ونشر ثقافة وقيم التعايش السلمي والتسامح ومكافحة خطاب الكراهية داخل المجتمع، بجانب حث الافراد على مبدأ قبول الآخر واحترامة، فضلاً عن توجيه المجتمع نحو الحوار والتفاهم لحل المشكلات والتوصل الى الطريقة الأفضل لبناء وتحقيق التعايش السلمي الحقيقي داخل الوطن الواحد، بالاضافة الى ضرورة صياغة برنامج عمل للاستراتيجية للمساعدة في جهود التصدي لخطاب الكراهية. وتطرقت الورقة الى جهود المؤسسات الدولية التي قالت: تُبذل جهود عديدة في سبيل التصدي لظاهرة خطاب الكراهية ، حيث تتجلى هذه الجهود في عدة أشكال منها اليونسكو، والمعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وشدّدت الورقة على ضرورة أن تهتم الحكومة بتشريعات شاملة مناهضة للتمييز، وأن تضمن الدولة الحق في محاكمة عادلة، الانصاف العادل، انشاء هيئات معنية بالمساواة، الجمع المنهجي للبيانات المتعلقة بالتحريض على جرائم الكراهية، والرفض الرسمي الصريح لخطاب الكراهية.

وأشارت الورقة أيضاً الى جهود مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق التعايش السلمي ومكافحة خطاب الكراهية بين أفراد المجتمع الذي تتواجد فيه، فضلاً عن جهود الأفراد والجماعات في بناء خطاب مضاد للكراهية، كما يجب على المؤسسات الإعلامية كمسؤولية اخلاقية واجتماعية ومن خلال التنظيم الذاتي أن تلعب دوراً مهماً في مكافحة التمييز وتعزيز التفاهم بين الثقافات.

تشرذم النخب السياسية

وأجملت الورقة التحديات التي تواجه استراتيجية مكافحة خطاب الكراهية في عدة نقاط منها، أزمة بناء التوافق الوطني وتشرذم النُّخب السِّياسيَّة، تفعيل القضاء وكيفية التعامل مع انتهاكات الماضي، تجذير مبادئ التعايش السلمي، رصد خطاب الكراهية وتحليله، معالج الأسباب الجذرية، فضلاً عن إشراك ودعم ضحايا خطاب الكراهية، العمل مع وسائل الإعلام الجديدة والتقليدية، التشجيع على إقامة مجتمعات مسالمة، ودعم الأمم المتحدة.

وخرجت الورقة التي أعدها مركر اشراقات الغد بعدد من التوصيات المتمثلة في مقاربة المصالحة الوطنية، تخلي الفرقاء السودانيين عن التمترس وراء المطالب الجهوية ، اعتماد خطاب اعلامي وسياسي يقوم على العقلانية، بجانب تفعيل دور القضاء السوداني، الاستفادة قدر الامكان من تجارب الدول الأخرى، الحوار، تغيير تام في الخطاب السياسي، مفهوم الهوية الثقافية، تمتين القواعد والأسس التي ترسي للتسامح، بجانب استخدام البواعث الدينية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى