عبد الله مسار يكتب : ترس الشمال

16فبراير2022م 

شمال السودان هو المنطقة الممتدة من الجيلي حتى حدودنا مع مصر، وهي تضم ولايتي النيل والشمالية، وهي أرض حضارات قديمة، بل منطقة وعي، بل هم من أوائل أهل السودان الذين هاجروا إلى خارج السودان وتعلّموا، وكذلك انتشروا تُجّاراً ومُعلِّمين في كل السودان، وهي منطقةٌ، التعليم فيها منتشرٌ ومبكرٌ جداً، وهي منطقة تعتمد على الزراعة المروية، حيث تقل فيها الأمطار ويجري فيها النيل على مدار السنة وهو الرابط القوي بمصر، وفوق ذلك الحضارات  القديمة، والعلاقة بين السودان ومصر بصفة عامة علاقة استراتيجية وأزلية قامت على كثير من المُمسكات والمصالح المشتركة، فمصر مشعل النور، تعلّم كثيرٌ من السودانيين فيها، وكذلك لدى السودانيين ارتباطاتٌ تجاريةٌ وسكنية واجتماعية، حيث إن عدد السودانيين في مصر يتجاوز الملايين، ولديهم سكن شقق وغير ذلك، وكذلك مُصاهرة، ومصر تعتبر كل سوداني مصرياً ويتمتّع كل سوداني فيها بالحريات الأربع، بعكس علاقة السودانيين مع كل الدول العربية والأفريقية، والسودانيون في شمال السودان مُرتبطون بالمصريين عرقياً ووجدانياً  وروحياً.

إذن، مصر بالنسبة للسودان أهم جار، وكذلك السودان بالنسبة لمصر، هذه العلاقة الوطيدة والممتدة والراسخة يشوبها من وقت لآخر تَوتُّراتٌ تخلقها ظروفٌ مؤقتةٌ وعابرة تنتهي بنهاية تلك الظروف.

بعد قيام ثورة أبريل، بدأت مظاهر العمل على خلق هذه التّوتُّرات ظاهرة للعيان ومن بعض التيارات السياسية التي تُعادي مصر تاريخياً وبعضها عابر للقارات.

ظهر أمر التروس هذه في ثورة أكتوبر1964م وكذلك في انتفاضة أبريل1985م، وكانت فقط  في الفترة الأولى لقيام هذه الثورات وفِي الخرطوم ولفترة محدودة انتهت بنجاح التغيير، وَلَكِن  في وبعد أبريل 2019م، صارت مستمرة وسلوكاً يومياً، بل انتقلت من وسيلة احتجاج مشروعة ومحدودة إلى وسيلة احتجاج أقرب إلى الحرب والفوضى في الخرطوم، وانتقلت إلى السودان الكبير وآخرها ترس الشمال.

قام الترس على مطالب مشروعة تخص زيادة الكهرباء للقطاع الزراعي، خاصة وإن أثر هذه الزيادة كان كبيراً على المزارعين، حيث إنها جاءت بعد رمي المُزارعين الثمار في الأرض، وكذلك مع الزيادة الكبيرة في المحروقات وتكلفة الزراعة، ولكن هذا الترس تلقّفته الجهات التي تُعادي الحكومة وتُعادي شمال السودان، وخرج أمر الترس من يد المزارعين وسُيِّس تسييساً كاملاً، مما أضرّ بالعلاقة بين مصر والشمال وكذلك بالسودان!

هنا يهمني علاقة شمال السودان بمصر والتي تسعى جهات عديدة من السودان أن تتوتّر، وأهل الشمال غير منتبهين لذلك، لأن السودان دولة غير مستقرة لو حدث فيها أي خراب أو صراعات، فإنه ليس لشمال السودان ملجأ غير مصر، وخاصة أن باقي اقاليم السودان تحادد دولاً أخرى، ولذلك يجب على أهل شمال السودان أن ينتبهوا لأهمية مصر الأمنية والتجارية وعلاقات الرحم، بل والتاريخية مع شمال السودان، وأن لا يجرهم أصحاب الأجندات لتعكير مثل هذه العلاقات الاستراتيجية.

كذلك علاقة مصر مع السودان الدولة والشعب والوطن، يجب أن لا تكون محل مُزايدة ولا تدخل في الأجندات عابرة الدول والقارات، خاصةً وأن أمن مصر من أمن السودان والعكس صحيحٌ، ولذلك يجب أن نبعد الصراع الداخلي في السودان من العلاقات الخارجية وخاصةً مع دولة محورية ومهمة كمصر، وكذلك يجب أن ينتبه أهل شمال السودان بالعلاقة الخاصة مع مصر، وبالذات أمنياً في ظل السودان المضطرب وأن لا يقود الشمال أصحاب الأجندات من داخله وخارجه.

مصر بالنسبة للسودان عموماً ولشماله بصفة خاصة الرئة التي يتنفّس بها.. أرجو أن لا تتعرّض للأجندات السياسية، ومصالح أهل السودان المُتقاطعة، ولا الصراعات الداخلية في السودان، ولا صراعات بعض الدول التي يخدمها بعض أبناء السودان.!

تحياتي،،،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى