عبد الله مسار يكتب: الغِيرَة على الأوطان

13 فبراير 2022م
الوطن هو الأم الرؤوم والأب الحنون، بل هو البلسم الشافي، وهو الحضن الدافئ، وهو الدر الغالي، وهو الزوج المصون. كان الرجال العظام يغِيرون على أزواجهم.
قيل إن أعرابياً. زُفّت إليه عروسه على فرس، فقام وقتل تلك الفرس التي ركبت عليها العروس. فتعجّب الناس وسألوه عن سر عمله؟
فقال: خشيت أن يركب السائق مكان جلوس زوجتي ولا يزال المكان دافئاً، هذه الغِيرة على الزوجة، ما بالك يا هذا وكم هي مُضاعفة على الوطن!
وقيل إن امرأة تقدّمت الى مجلس القاضي موسى بن إسحق بمدينة الري سنة ٢٨٦ هجرية فادعى وكيلها بأن لموكلته على زوجها خمسمائة دينار (مهرها)، فأنكر الزوج فقال القاضي لوكيل الزوجة شهودك، فقال أحضرتهم، فطلب بعض الشهود النظر إلى المرأة ليشير إليها في شهادته، فقام الشاهد وقال للمرأة قومي.
فقال الزوج ماذا تفعلون؟
قال الوكيل ينظرون الى امرأتك كي يعرفونها.
قال الزوج إني أشهد القاضي أن لها عليّ هذا المهر الذي تدعيه، ولا تكشف وجهها.
فقالت المرأة فإني أشهد القاضي إنّي وهبت له هذا المهر وابرأت ذمته في الدينا والآخرة.
فقال القاضي وقد أعجب بغيرتهما. يُكتب هذا في مكارم الأخلاق.
إنّ مجتمعنا الذي يتحلّى بالغِيرة على عرضه وأرضه ووطنه، يسمُّونه دقة قديمة ومُتزمِّت ومُعقّد ومُتشدِّد وغير عصري ومُتخلِّف، والذين يبيعون الأوطان يقولون عنهم إنهم متحضرون وعصريون وراقون!! ولكن هم في الحقيقة خَوَنَة وعُملاء وسَمَاسِرة لأجانب!! والأدهى والأمَرّ، إنهم يتولون المواقع المُتقدِّمة في الدول، لأنّهم باعوا أوطانهم في سوق النخاسة العالمي، ويأتي بهم على رؤوس الأشهاد حكاماً، والوطنيون في عصرنا هذا يُرمى بهم في أكوام القمامة!!
يقول ابن القيم (إذا ترحلت الغِيرة من القلب، ترحلت المحبة بل ترحل منه الدين كله).
أيُّها الناس، المبادئ لا تتجزأ، الإنسان الذي لديه كرامة ونخوة هو من يقدر أن يصون بيته وأهله وأرضه وعرضه ووطنه، والوطن هو الوعاء الأكبر، والعرض في الوطن كالعرض في الزوج.
قال الشاعر:
إنّ الرجال الناظرين إلى النساء
مثل الكلاب تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم سودها
أكلت بلا عوض ولا أثمان
ومما قيل من لا غِيرة له لا دين له
إذا أردت أن تعرف قيمة الشخص، فانظر الى غِيرته لبيته وأهله ووطنه، إن من يبيع وطنه في سوق النخاسة والعَمالة يترخّص عليه بيع زوجه وأهله ودينه، لأن من بعت له وطنك، اشترى منك شرفك وأخذ منك أعز ما تملك وشواهد التاريخ كثيرة!! هذه الأيام كثر أولئك الذين يتسوّلون في موائد تُجّار بضاعة بيع الأوطان ويتحدّثون عن ذلك بلا حَرَجٍ ويتباهون!!
أيُّها السُّودانيون.. غِيروا على وطنكم كما تغِيرون على أزواجكم!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى