مشاهدات ومواقف مُحزنة داخل دار أطفال المايقوما.. وفق إجراءات مُحدّدة يمكن خروج الأطفال من الدار

 

مجلس الطفولة: توقف الدعم الخارجي لأطفال السودان

وزارة التنمية: الدار بها أطفال أجانب ولا بُدّ من إنشاء دور بالولايات

الإدارة تكشف أسباب الوفيات

الخرطوم: أم بله النور                     12فبراير2022م

تعتبر دار رعاية الأيتام (المايقوما) التي أنشئت منذ ستينات القرن الماضي، الدار الوحيدة التي تستقبل الأطفال مجهولي الهوية، وتسعى الدولة في إيجاد بدائل لإيواء الأطفال بعد سن الخامسة ودمجهم في المجتمع، وظلت الدار  قبلةً لمنظمات المجتمع المدني بتقديم الدعم المادي والمعنوي، كما أن دار المايقوما ظلّت مادة دسمة للتناول الإعلامي منذ عشرات السنين، نتيجة للمعلومات التي تخرج بين الحين والآخر عن انتهاكات يتعرّض لها الأطفال..

“الصيحة” ذهبت في مهمة صحفية للدار للتأكد من معلومات رشحت حول وجود وفيات غامضة، وتزامن وصولنا مع وصول وفود رسمية ومدنية للتقصي حول القضية.. كعادة المسؤولين الذين عوّدونا دائماً الوصول بعد وقوع الكارثة…!

مشاهدات

خلال جولتنا داخل العنابر، كانت الأوضاع اعتيادية مع تعالي أصوات الأطفال الذين ينفطر لهم القلب مع مُحاولة الأمهات تهدئة هذه الأعداد الكبيرة من الأطفال، مع وجود كادر طبي داخل حضانات الأطفال حديثي الولادة، ويصعب على كل من يأتي في زيارة لأول مرة متابعة تلك المشاهد  القاسية من تألم الأطفال والبكاء المُستمر وفقدان الحنان والذي يعمل جاهداً كل من في الدار لتقديمه لأنه لا يُقدّر بثمنٍ…

 

معلومات إحصائية 

تحتوي دار المايقوما على 15 غرفة لعدد 318 طفلاً، منهم 101 إناث، وتتراوح أعدادهم داخل الغرفة ما بين 22 الى 26 طفلاً، الى جانب 412 أماً لرعاية هؤلاء الأطفال والاهتمام بتغذيتهم وصحتهم ونظافتهم، وتضم كل غرفة ما بين 4 الى 5 أمهات، بالإضافة الى باحث اجتماعي في كل غرفة ومُشرف واختصاصي تغذية لإعداد الوجبات الغذائية للأطفال.

هشاشة صحية

كشفت مديرة دار رعاية الأيتام منى الفكي، عن ارتفاع  أعداد الأطفال القادمين للدار خلال الأشهر الماضية، حيث وصل العدد الى 90 طفلاً شهرياً ، وقالت إن هناك إدارة مختصة باستلامهم ، ويتم استلام الطفل من خلالها ومنحه اسماً رباعياً وهمياً، والكشف عن حالته الصحية الراهنة،  وأكدت أنهم يأتون في أوضاع صحية سيئة جداً تسمى بالهشاشة الصحية، وأرجعت تلك الحالة نتيجة لتناول الأم عقاقير طبية وأعشاب طبيعية في محاولة منها للتخلُّص من الحمل، الى جانب الوضع الصحي السيئ للأم وعدم الاعتناء بصحتها وتغذيتها والضغط النفسي وعدم مقابلة الأطباء لإجراء الفحوصات اللازمة، كل تلك العوامل تؤدي الى ولادة طفل في وضع صحي سيئ، وحددت منى الفكي أسباب الوفيات بأنها تعود للتسمم الدموي والالتهاب الرئوي، بالإضافة الى النزلات المعوية، ووصل عدد الوفيات حتى يناير الحالي 13 طفلاً.

طرق ومخارج

واطلعتنا دكتورة منى، على الطرق التي يخرج بها الطفل خارج دار الرعاية عبر  الكفالة الدائمة للأسر عبر مكتب مكتمل القوام من باحثين اجتماعيين لتكملة إجراءات الكفالة وفق شروط محدد، وتتمثل في أن تكون الأم سودانية ولا تقل عن 20 عاماً ولا تزيد عن 50 عاماً، على ان تكون منطقة السكن في مكان يسهل متابعته لضمان متابعة الطفل وسلامته، وأشارت الى أن الطريقة الثانية هي الأسر البديلة الطارئة، وهي عبارة عن وظيفة تعاقدية  تدفع وزارة التنمية مقابلها مبلغاً من المال للأسرة الكافلة وهي عبارة عن 20 ألف جنيه وهو مشروع أساسي وبديل، الى جانب حاجة الطفل لوجوده داخل الأسر والعوائل، لأن بيئة المؤسسات غير صالحة بعد عمر الخامسة، واعتبرته مشروعا ناجحا، وقالت ان الدار تعمل على تقييمه بصورة مستمرة لتجويده، وأشارت إلى أنه نجح في دمج عدد كبير من الأطفال داخل المجتمع مع وجود 92 باحثاً اجتماعياً على مستوى 7 محليات بالولاية لمتابعة أوضاع الأطفال الصحية والدراسية، وقالت إن هناك طريقة ثالثة يخرج بها الطفل وهي إعادتهم لأسرهم عبر برنامج لمّ الشمل ومنع الانفصال عبر منظمة شمعة.

منظماتٌ داعمةٌ

وقالت منى الفكي، ان هناك عددا من المنظمات الداعمة للدار وهي التي تهتم بالأطفال بعد سن الخامسة ودون سن البلوغ، أهمها منظمة الوداد او منظمة قري الصديقة وأطباء بلا حدود الفرنسية التي تقدم الجانب الطبي.

دورٌ حكوميٌّ

وأكدت منى عبد الله الفكي، أن وزارة التنمية الاجتماعية هي التي تقدم خدمات الغذاء والكساء بمبلغ 6 مليارات جنيه أسبوعياً للألبان العلاجية والطبيعية والبقوليات واللحوم والبامبرز عن طريق شركة الفخامة المتعاقدة مع الوزارة.

وأضافت أنها عينت منذ شهرين فقط وقامت بوضع خُطط استراتيجية، أهمها توصيل الخط الساخن للكهرباء بمبلغ  17ملياراً نسبة لوضع الأطفال الذين لا يتحملون القطوعات، كما تم توصيل الخط الساخن للمياه وإعادة صيانة الكيبلات الداخلية للمياه والكهرباء، وأشارت الى وجود ثلاث شركات تعمل في مجال النظافة خلال 24 ساعة خاصة شركة نقل النفايات التي تعمل على نقل مخلفات البامبرز.

توقُّف الدعم

فيما كشفت نائب الأمين العام لمجلس الطفولة القومي، نجاة الأسد، عن توقف الدعم الخارجي المقدم لأطفال السودان الذين يمثلون 51% من السكان في جميع الملفات منذ يوليو الماضي، وقالت إن المجتمع الدولي يتعامل مع أطفال السودان كقضية سياسية، وأضافت أن هناك العديد من القوانين غير مطبقة، فضلاً عن عدم تنفيذ جميع الدراسات التي تم إعدادها لمساعدة الأطفال في شتى المجالات من صحة وتعليم وثقافة.

نفيٌّ وتصحيحٌ

فيما نفى مدير عام وزارة التنمية الاجتماعية دكتور أبو بكر كوكو ما يدور حول وفيات الاطفال بدار المايقوما، واضاف قائلاً: في السابق لم تكن هناك رؤية واضحة لمصير هؤلاء الأطفال، ولكن خلال العامين الماضيين تم وضع رؤية وتفعيل لنظام الكفالة، مضيفاً أن هناك عدداً من الإشكالات المتمثلة في الدعم المقدم للأسر الكافلة والذي اعتبره أبو بكر ضعيفاً، إلا أنه عاد وقال ان الأوضاع الآن غير مرضية ولكنها تحسّنت بصورة كبيرة، نافياً وجود شُح في الوجبات الغذائية، واكد وجود شركة متخصصة لإعدادها مع وجود 60 تقني تغذية من قبل وزارة الصحة، وشدد أبو بكر على ضرورة إنشاء مثل دار المايقوما بالولايات، وطالب بعدم ترك المسؤولية لمنظمات المجتمع المدني، وقال يجب أن تكون تحت إشراف الدولة. وأشار الى وجود أطفال أجانب داخل دار المايقوما، والدار ملزمة برعايتهم لأن السودان موقع على اتفاقيات ومواثيق ومعاهدات دولية خاصة بالطفل وهو ملزم بتنفيذها.

تدريب الأمهات

وخلال زيارتها لدار رعاية الأيتام، اكدت عضو مجلس السيادة سلمى عبد الجبار، على ضرورة تدريب الأمهات، ويجب أن لا يكون التعامل مع الأطفال كوظيفة، لأنه عمل إنساني، وطالبت بتقرير مفصل عن حالات الوفيات وشهادات الوفاة، كما رأت أن هناك اكتظاظاً في الغُرف، وشددت على ضرورة إحداث توسعة بالدار.

 

ماذا تريدون أن تقدموا لنا؟

وفي فناء الدار كان الأطفال يهرولون نحو الزوار من مصورين ومسؤولين يتساءلون ما إذا كانت هناك “حفلة” ولسان حالهم يقول ماذا تريدون أن تقدموا لنا، في وقت لم يدخل اي شخص حاملاً بيده كرة بلاستيكية أو لعبة أطفال تُدخل السرور في نفوسهم وقلوبهم المجروحة.

أسئلة حائرة

ليعلم القارئ أن هؤلاء الأطفال  في امسّ الحاجة للترفيه، شخصياً أحسست بالذنب لأنّني دخلت عليهم ويدي لا تحمل لهم ما يسعدهم.. كانت عيونهم تتطلّع لشيءٍ يحبونه.

وظلّت نظراتهم راسخة في ذهني وآلاف الأسئلة تدور في مخيلتي، مَن يقف إلى جانبهم ومَن يلبي لهم حاجياتهم..؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى