علاقة الخرطوم بأديس.. استثناءٌ بأمر الوشائج

 

تقرير: مريم أبشر    11فبراير2022م 

العلاقات السُّودانية الإثيوبية، ظلت منذ القدم تُوصف بأنها علاقات تاريخية تحصنها وشائج التداخل والتمازج المشترك وتعمقها السحنات المتشابهة. ويزيد من تماسُكها التواجد المباشر للجاليات، حيث توجد بالخرطوم وكل مدن السودان الجالية الإثيوبية، وهي تعد من أكبر الجاليات الأجنبية المتواجدة في السودان، تقتسم مع شعبه لقمة العيش وجرعة ماء النيل ويجمع بين الشعبين ودٌّ خاصٌ، تجلى ذلك في القبول والترحيب التلقائي برئيس الوزراء الاثيوبي آبي احمد إبان مساعيه التي قادها رفقة الاتحاد الأفريقي لتسوية الخلافات بين المكونين المدني والعسكري في السودان، الذي توج بالتوقيع على الوثيقة الدستورية بقاعة الصداقة، ذلك الحدث التاريخي الذي كان آبي احمد أحد شهودها ونال من التصفيق والاحتفاء ما لم يجده غيره إقليمياً ودولياً ممن كانوا شهوداً أيضاً.

 تأرجح سياسي

لكن رغماً عن كل  ذلك، فإن هذه العلاقات ظلّت في مستواها السياسي تتأرجح على الدوام مداً وجزراً، تتحكّم فيها اجواء السياسة المتقلبة وفقاً لمسار الرياح، فتارةً تسود اجواء التصافي والتقارب، ثم لا تلبث أن تتبدّل، والقاسم المشترك هو تغليب المصالح الخاصة. ولعل الفترة الماضية شهدت توتراً كبيراً بين الخرطوم وأديس على خلفية استعادة القوات المسلحة السودانية لأجزاء عزيزة اُقتطعت من ارض الوطن إبان العهد البائد وتم السكوت عليها نظير تسويات سياسية حينها. حيث تم إرجاع أجزاء كبيرة من  ارض الفشقة السودانية، بجانب استعادة الأراضي الزراعية، وما أعاد تسميم الأجواء انها تزامنت مع توترات دخيلة بين الحكومة الإثيوبية ومعارضيها من جبهة التيغراي، أتاح ذلك المناخ الفُرصة لتبادل الاتهامات بين الجانبين.

وعلى ضوء كل ذلك، يأتي مشروع سد النهضة المتوقعة المُحادثات حوله حالياً, والذي يعتبر واحداً من أكبر الملفات والقضايا العالقة بين البلدين ومع مصر.

ورغم ان السودان كثيراً ما يُتّهم بأنه ينساق ويدافع عن الشواغل المصرية فيما يلي سد النهضة، إلا أنّ الجولات الأخيرة قبيل تعليق المفاوضات حول السد أثبت الوفد السوداني المفاوض فيها ان للسودان شروطه وشواغله الخاصة ولن يتنازل عنها, وإنه صاحب حق أصيل وليس تابعاً لأي جهة بخلاف ما يخدم المصلحة العليا للبلاد.

فك الجُمُود

الفتور في العلاقات بين الخرطوم و أديس امتد حتى خلال فترة رئيس الوزراء المستقيل د. عبد الله حمدوك ، رغم العلاقات الحميمة التي تربط بينه وآبي احمد. وامتد التوتر عقب الإجراءات التي قام بها قائد الجيش الفريق البرهان، غير أن نوعاً من الهدوء ساد بين الخرطوم وأديس مؤخراً. فكانت الزيارة التي قام بها الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي” نائب رئيس المجلس السيادي لأديس أبابا مؤخراً والتي استمرت ليومين واجرى خلالها مباحثات وُصفت بالمثمرة مع رئيس الوزراء آبي احمد، ناقشت تنسيق المواقف إقليمياً ودولياً وتمتين العلاقات الثنائية

 تطور إيجابي:

لقاء وزير الخارجية المكلف السفير علي الصادق علي مع السفير الإثيوبي في الخرطوم، يبتال  أميرو، بحث  ايضاً عددا من القضايا ذات الاهتمام المشترك وكيفية تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين ، وخرج السفير الإثيوبي بخلاصة وهي أن هناك عدداً من التطورات الإيجابية بين البلدين فيما يتعلّق بالقضايا الخلافية مثل سد النهضة وقضية الحدود. وان تلك التطورات الإيجابية تأتي على ضوء زيارة “حميدتي” إلى أديس أبابا ولقائه بعدد من المسؤولين الإثيوبيين. وامتدح السفير التحسُّن الذي تشهده العلاقات الثنائية، وشدد على ضرورة تعزيز التعاون من أجل مصلحة الشعبين الشقيقين. واصفاً علاقات بلاده بالسودان بأنها استراتيجية واستثنائية، وان بلاده جاهزة  لمناقشة القضايا  كافة، بعيداً عن التصعيد الإعلامي وذلك عبر الحوار  والتواصل الإيجابي.

من جهته، هنأ وزير الخارجية إثيوبيا على استعادة الأمن والاستقرار، واصفاً تلك الخطوة بأنها مفيدة جداً للعلاقات الثنائية، داعياً الجانب الإثيوبي لمواصلة الحوار، مؤكداً أنه مهما حدث من خلافات، فلا ينبغي أن تتوقّف قنوات التواصل المباشر، وفنّد الوزير المزاعم الإثيوبية بدعم السودان لجبهة تحرير التيغراي، وشدّد الوزير على أن السودان لم يدعم أي طرف ضد آخر.

لغة المصالح

القضايا الخلافية الرئيسية بين الخرطوم واديس هي سد النهضة وأراضي الفشقة ومع ارتفاع وتيرة الأحداث في السودان وعدم الاستقرار الذي يعيشه،  نشطت الحكومة الإثيوبية في إكمال مشروع سد النهضة، حيث بلغ العمل فيه 80% وبالتالي اصبح سد النهضة امراً واقعاً.

ويقول السفير والخبير الدبلوماسي الطريفي كرمنو لـ(الصيحة) فيما يلي اراضي الفشقة، إن الإثيوبيين انفسهم يعرفون أن الفشقة أراضٍ سودانية، واعتبر ما صدر من حديث من وزير الدولة الإثيوبي رضى حسن بأن من اعتدوا في منطقة الفشقة قوات الشفتة وليست القوات الإثيوبية يمثل تحولا وتطوُّراً إيجابياً في اللغة الرسمية الإثيوبية, لجهة أن الحكومة الإثيوبية تعتبرها قوة خارجة عن القانون, رغم تحفظ السودان على ذلك, ونبه الى ترسيم كل الحدود بين الدولتين في السابق عدا منطقة الفشقة, وقال هنالك اتزان في اللغة الرسمية للحكومة الإثيوبية في تعاطيها مع قضاياها الخلافية، وعزا ذلك الى أن الحرب التي قادتها مع التيغراي أنهكتها داخلياً، ونشوب اي حروب أو توتر مع السودان سيدخل منطقة القرن الأفريقي كلها في نفق مظلم، فقد تمتد الحرب إلى البحر الأحمر وإريتريا والسعودية، ولذلك فإن من مصلحة أديس الحفاظ على علاقات متوازنة مع السودان، وقال إن مشروع سد النهضة قطع اشواطاً بعيدة وشارف على النهايات, وبالتالي فإنّ عدم الاستقرار ليس من مصلحة أديس ومشروعها سد الألفية، ودعوتها لحل خلافاتها مع السودان عبر الحوار ينطوي على تغليب المصالح وحفظ الاستقرار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى