د. أحمد سمي جدو محمد النور يكتب : عبد الله التعايشي … الخليفة المظلوم

5فبراير2022م

الحلقة الرابعة
… لقد كثرت الانتقادات والآراء حول الخليفة عبد الله ودوره في الحركة المهدية ، وأدائه الإداري والسياسي ، بل وحمّلوه وزر سقوط الدولة المهدية في عهده ، وبتفريط منه شخصياً ، ووصفوه بالظلم والاستبداد السياسي، وللرد على هؤلاء نقول بأن القبائل التي حاربها الخليفة عبد الله ، ما كان له أن يدخل معها في في صدام أو حرب ، لولا أنّهم ارتكبوا جرائم ترقى إلى أن يتم التعامل معها كجرائم ضد الدولة. وهذا شيء طبيعي أن يتعامل الحاكم – أي حاكم – مع مثل هذه الجرائم ، التي كانت تنوي الإجهاز على الدولة المهدية في مهدها، قبل أن تحقق أهدافها وتطرح رسالتها للكافة ، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي . فقد أنصفه الأجانب قبل بني وطنه من السودانيين، فقد قالت عنه الكاتبة الفرنسية (فيفيان) “يجب ألا يُلام الخليفة على قسوته تجاه قبيلة سودانية كان قد أدين أفرادها وزعماؤها بجرائم كبيرة وبموجب القوانين العسكرية والمدنية”. مثل الفرار من الجيش في وقت المعركة ، وخاصة أولئك الذين فروا من جيش الأمير عبد الرحمن النجومي ، فأصبحوا بذلك مدانين أمام العدو قبل حاكم الدولة المستهدفة بالغزو. وكذلك الفرار من الجهاد، والذي يعني التولي يوم الزحف. بدليل أنهم عندما عادوا إلى ديارهم، استمروا في أعمال السلب والنهب ، فاستحقوا بذلك عقوبتي الإعدام والقطع من خلاف . لأن هذه العقوبة موجودة في الإسلام لمن يسعى في الأرض يريد إشاعة الفساد وترويع العباد . فمثل هذا العقاب لم يكن لرغبة في الانتقام منهم ، وإنما كان الخليفة عبد الله قد طبّق فيهم حكم الشريعة الإسلامية التي جاءت الدولة المهدية لتطبيقها قولاً وفعلاً وجعلها واقعاً معاشاً ، ودونكم منشورات المهدي المتوفرة بدار الوثائق القومية بالخرطوم ، والتي جمعها وحققها البروفيسور محمد ابراهيم أبو سليم رحمه الله.
وهناك من تخابر مع العدو وتعاون معه في دعم ومساعدة حملة استرجاع السودان ، ورفض الوقوف في صف الخليفة عبد الله لصد العدوان. فالأمير عبد الله ود سعد قد رفض الإذعان لأوامر رئيس الدولة الخليفة عبد الله ، ورفض إخلاء المتمة لتدخلها جيوش محمود ود أحمد ، وأعلن تمرده عليه صراحة وتعاون مع الجيش الغازي، وهو ما أكده إبراهيم فوزي في كتابه (السودان بين يدي غردون وكتشنر)، والأب القسيس جوزيف أور فالدر في كتابه (عشر سنوات من الأسر في معسكر المهدي).
أما بالنسبة للبطاحين الذين رفضوا دفع ضريبة العشور ، وقاوموا رسل الخليفة عبد الله ، وأجبروهم على الفرار ، وقتلوا بعضاً من رجالهم ، مما أدى إلى غضب الخليفة من فعلتهم تلك . فقرر أن يتعامل معهم بالقوة والحسم ، وأنزل بهم أقسى أنواع العقوبة التي فيها زجرهم ، لعدم تكرار فعلتهم تلك. وذلك بأن أرسل لهم قوة كبيرة بقيادة الأمير عبد الباقي الذي قبض على زعمائهم واقتاد 69 منهم إلى أم درمان ، حيث تم إعدامهم بالشنق وبقطع الرؤوس عِظةً وعِبرةً لغيرهم. بل وقد ذهب بعض أعداء الخليفة عبد الله ومنتقدي نظام حكمه، بالظلم والاستيلاء على ممتلكات الغير بدون وجه حق . وإزاء هذا الموقف نقول لهم بأن هناك حادثتين تؤكدان حرص الخليفة على إقامة العدل بين الناس، الأولى قصة زعيم العبدلاب ناصر ود جمعة وسيفه الشهير بصرامته وحدته . وتقول القصة بأن الخليفة قد سمع بهذا السيف ، فأثار بعض الحساد حفيظته على ناصر ود جمعة هذا ، فاستدعاه وطلب منه سيفه هذا ، فاشتكاه ناصر إلى القاضي . وعند مثولهما أمام القاضي ، قال الخليفة عندما رأي السيف ، هذا سيف يبدو مثل أي سيف آخر ، ولكن ناصر أخبره بأنه قد ورث هذا السيف من أبيه الذي قتل به أكثر من أربعين شخصاً في حرب أبو روف ، وهو سيف حاد جداً يقطع من شدة حدته البندقية وحاملها إلى نصفين . ثم أمر القاضي بإعادة السيف إلى صاحبه وقال له “خذ سيفك يا ناصر لأنك رجل أمين ومستقيم” فلو كان الخليفة ظالماً كما يقولون لما تجرّأ رجلاً من رعاياه على تقديم شكوى ضده، ولا انبرى قاض لإصدار حكم ضده يُدينه ويأمره بإعادة الحق إلى أصحابه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى