بستان الحلنقي

 

مع وردي:

كانت قد حدثت غمامة بين الراحل «إسماعيل حسن» والذي اعتبره من شيوخ الأغنية السودانية وبين الأخ «محمد وردي» أدت لنوع من الخصومة، فتوقف التعاون بينهما مدة طويلة جعلت وردي يبحث عن شاعر يعطيه بدلاً من اسماعيل حسن وكنت أنا في تلك الفترة أتعامل مع بعض الفنانين مثل صالح الضي، والتاج مكي، وصلاح مصطفى، وغيرهم فطلب وردي من صالح الضي أن يعرفه على الفنان الذي كتب كلمات «بتتغير»، فقال له صالح الضي إنه شاعر قادم من شرق السودان فطلب الأخ وردي أن يلتقي بي، وبالفعل في نادي الفنانين في أمسية من الأمسيات الجميلة وكان ذلك في منتصف «الستينات».

مع أحمد شاويش:

على ضفاف أمسية مشرقة الألوان، احتضن الأخ الفنان «أحمد شاويش» عوده العتيق ليسمعني أغنية هاجرت بي إلى مهرجان من الفرح موشحة بحبات رقيقة من الدموع.. عرفت منه أنها من كلمات المذيعة الراحلة «ليلى المغربي».. أخذتني موجة من الحنين إلى أيامها وهي تدلف إلى استديوهات الإذاعة السودانية في أواخر الستينات لتقدم لنا برنامجها الصباحي «إشراقة الصباح».. وشعرها الذهب يتناثر شلالاً على كتفها مما جعل الراحل الشاعر «أبو آمنة حامد» يخاطبها قائلاً «سال من شعرها الذهب وتدلى وما انسكب».. كان حين ينساب صوتها الذهبي النبرات يصدر النيل أمراً لأمواجه أن تسكن.. ولضفافه أن تزيد إخضراراً.. ولرماله أن تصبح أكثر بياضاً.. لأن ليلاه ستبدأ الكلام.

تقدُّم السن والعطاء:

العلاقة بين تقدم السن والعطاء.. معين لا ينضب أم يباس بلا ارتواء؟

– العطاء بالنسبة لي استمر بعد الستين، بدليل أنني الى الآن أكتب الجمال واحتمال أن يكون الجمال هو الذي يكتبني، أنا منذ سنوات طويلة جداً أقول إن الفضل يرجع لكسلا التي خلقت فيَّ مكونات جمالية، سحب مستمرة العطاء، جبال مخضرة طوال العام، قلوب تنضح طيبة وجمالاً ارتويت منه، وفي رأيي أن أي إنسان في كسلا لا بد وأن يكون بالضرورة شاعراً، اذا لاحظنا أنها البلد الوحيد التي لم يزرها شاعر إلا وكتب قصيدة في هذه الحسناء الشرقاوية التي عشقت جبال التاكا وظلت وفيّةً لها وستظل ما بقيت الشمس تشرق من الشرق.

الاغتراب الروحي:

ماذا يعني لك الاغتراب الروحي؟

– الاغتراب الروحي شيء مثبت وثابت، ففي رأيي أن الشاعر يولد وهو يحمل في داخله أعماق روح شفيفة عالية الشموخ، روحا تطالب بمدن فاضلة، ولو أن افلاطون خرج من قبره لكان أفنى هذه النظرية وبكى عليها، لأن الواضح جداً أن الظلمة في هذا الزمن قد تغلبت على النور فأصبحت الغلبة للغروب ولم يعد للشروق مكان إلا في الزوايا!!. والشعراء يعيشون هذه المرحلة وهم في أوطانهم والشاعر المحظوظ هو الذي يظل في وطنه باغترابه في مكان واحد.

اغتراب المكان:

أما اغتراب المكان فأعيشه غربتين، غربة بُعدي عن وطني وتجربة بُعد روحي عن أرواح الآخرين من البشر، فأصبحت المسألة بالنسبة لي ظلمة مركزة، لكن الشمس التي أحملها في داخلي كإنسان يتعامل مع الكلمة الطيبة أعطتني السماح في أن أقهر ما بداخلي من هذا الاغتراب واصبر على وجود هذه الابتسامة التي تتخلل أشعاري دوماً والتي أحاول دائماً أن أراها على كل نجمة تشرق أو وردة تناضل من أجل أن تتفتح برغم قسوة الأشواك من حولها وفي داخلها أحياناً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى