التنمُّر في السودان.. حقائق صادمة

 

طالبة تركت فصول الدراسة بسبب والدها

قانوني: لا يوجد قانونٌ يحكم التنمر في السودان

طفل أصبح يكره لونه

باحثة اجتماعية: أخطر أنواع التنمُّر في مُحيط العائلة

باحث نفسي: جذور المشكلة الحقيقية تكمن في الأسرة، والمدرسة والمجتمع

تحقيق: أفراح الطيب        5فبراير2022م 

انتشرت في الآونة  الأخيرة بالسودان، ظاهرة التنمر ويعني مصطلح التنمر استخدام ألفاظ وعبارات وتوصيف الآخرين بصفات لا يرضونها والضغط عليهم نفسياً واجتماعياً لخلق نوع من السخرية، حيث رصدت “الصيحة” عدداً كبيراً من حالات التنمر بكافة أشكالها وألوانها، حيث تسببت هذه الظاهرة في إحداث شرخ كبير بالمجتمع السوداني.. “الصيحة” تتبعت هذه القضية والتقت بكثير من الذين تعرضوا للتنمر واستمعت الى افادات من مختصين نفسانيين واجتماعيين وخرجت بالحصيلة التالية:-

لمعرفة كلمة التنمر التقيت بالباحث اللغوي عمار سيد أحمد شليعة، حيث قال: (كلمة تنمر تشتق لغوياً من اللفظ نَمِرَ بمعنى غضِب وساء خُلقه وأصبح يُشبه النمر الغاضب، ويُعرّف التنمُّر بأنّه شكلٌ من أشكال الإيذاء والمُضايقة المُتعمّدة من فردٍ أو مجموعة لشخصٍ ما باستخدام الكلمات اللفظيّة البذيئة بشكلٍ متكرر، أو التسبُّب بالإيذاء الجسدي، أو النفسي، أو الاجتماعي، باستغلال قوتهم وسلطتهم، وضعف الضحيّة وعدم قُدرتها على إيقافهم. يحدث التنمُّر عند سُوء استخدام القوة والسلطة ويعتمد على الاستمرارية والتكرار ويُبنى على سلوكيات يمكن أن تتسبّب بأضرار؛ حيث إنّه يُصنّف ضمن السلوكيات العدوانية، كما يُشير إلى إحداث إساءة متعمّدة، ويُمكن أن يحدث التنمر بشكل علني أمام أنظار الناس، ويتضمّن ذلك جميع أشكال التعرُّض الجسدي؛ كصفع، أو الركل، أو إهانة الضحية بالشتائم، أو أن يحدث بشكل خفي دون جذب انتباه الناس، ويتضمّن ذلك التنمُّر باستخدام الإيماءات الجسدية، والتهديد اللفظي، والتهديد بالنظرات، واستعباد الضحيّة واستحقارها اجتماعياً).

التنمُّر في السودان

الإعلامية السودانية الأصل اللبنانية الجنسية، داليا احمد، تعرضت للتنمُّر من قبل حزب الله حيث اسمعوها عبارات مسيئة عن لونها ووصفوها بالسوداء.

كما تعرّض كثير من المطربين والفنانين السودانيين للتنمُّر، من بينهم الفنانة هدى عربي وعشة الجبل من خلال عرض صور قديمة وإجراء مقارنات شكلية على الصور والتنمُّر عليهم من خلال التعليقات بالملصقات الساخرة.

غير أنهم لم يبالوا بما يكتب عنهم ودائماً كانوا أقوياء في مواجهة أي حملة ضدهم.

وزني زائد

بينما أنا جالسة في أحد استقبالات المراكز الصحية بالخرطوم فإذا بفتاة متوسطة الجمال تدعى (م. ص)، جلست بجانبي تناولنا أطراف الحديث، فحدثتني عن مدى استيائها بسبب التنمُّر على وزنها الزائد الذي مازالت تتعرض له منذ مرحلة الأساس، قالت لي: دائماً يعيروني بوزني ومن اقرب الأقربين، كنت أحلم ان اصبح مضيفة طيران لكنهم كانوا يسخرون مني، تحمّلت كل التنمُّر وأكملت الدراسة التي أحببتها وسأصبح قريباً مضيفة طيران وختمت قائلةً: اتمنى ان اجد شركة طيران تستوعبني.

قبيحة

أخرى بأحد أحياء الخرطوم الطرفية كانوا يعيرونها بأنها قبيحة، وحكت لي صديقتها بأنها من شدة اقتناعها بأنها قبيحة قامت بتهشيم المرايا حتى لا تنظر إليها، وظلت تحكي لكل ما تجده بانها قبيحة من شدة ما كانوا يصفونها “بالقبيحة” وتصل في احيان كثيرة الى مرحلة الانهيار العصبي!

لوني قبيح

أثناء بحثي عن ظاهرة التنمُّر التي تفشت في الخرطوم، أُصبت بالدهشة من كثرة انتشارها وسط المجتمع السوداني دون أن تكون هنالك معالجات مجتمعية أو نفسية.

الطفل (م) صاحب الست سنوات، ظل يسأل والدته لماذا لوني أسود لماذا ولدتيني بهذا اللون القبيح؟ ولا يدري ان اللون الاسود من اجمل الألوان لكنه تأثّر بما ظل يردده الأطفال عنه، فظن ان لونه قبيح وتأثر نفسياً لدرجة أنه رفض الذهاب إلى الروضة!

 

هجرت الدراسة

سارة كانت تهوى دراسة الطب والجراحة، والدها كان يعمل حارساً في نفس  المدرسة الثانوية التي كانت تدرس فيها فتنمّرن عليها التلميذات بقولهن (انت فقيرة، كيف لوالدك الفقير الذي لا يملك شيئاً ان يتكفّل بك عندما تصلين إلى مرحلة الجامعة؟) عاشت مشكلة نفسيه حقيقية وبعد بضعة أسابيع تركت سارة الدراسة كلياً!

رأي اجتماعي

لمعرفة تفاصيل اكثر عن التنمر وما يسببه من اضرار تحدثت لـ(الصيحة) الباحثة الاجتماعية اميمة احمد، حيث قالت ان التنمُّر هو السخرية من الآخرين سواء أكان من ناحية الشكل أو التفكير أو اللغة أو اللون أو بسبب الفقر، والتنمُّر أنواع عديدة، واضافت قائلة: هناك التنمُّر المدرسي والذي يكون في محيط المدرسة والتنمُّر اللفطي ويكون من خلال السخرية بعبارات جارحة في شكل عام أو لون أو قبيلة معينة، وقالت: التنمُّر في محيط العائلة يعتبر الأخطر على الإطلاق لأنه قد يؤدي إلى زرع الإعاقة الذهنية أو النقص في ذهن الطفل أو الشاب مما يعمل على الإحباط المستمر والإحساس بالفشل، وذكرت ان التنمُّر أكثر تداولاً عبر منصات التواصل الاجتماعي( فيسبوك)، ويركز كثيرون في التنمُّر على المشاهير من مطربات ومطربين وفي أحيان كثيرة يكون القصد منه المزاح ولا يدرون بانه خطيرٌ ويؤدي الى انعكاسات نفسية!

رأيٌ نفسيٌّ

من جانبه، يرى الباحث النفسي حاتم حسن ان جذور المشكلة الحقيقية لظاهرة التنمُّر تكمن في الأسرة، والمدرسة والمجتمع.. وقد يكون للتربية والسلوك غير الصحيح وغياب القانون وسُوء الرعاية، كل هذه الأمور لها دور كبير في شيوع التنمُّر، وأوضح: انتشرت الظاهرة في وسائل التواصل الاجتماعي مع غياب قوانين رادعة تحكم الجرائم المعلوماتية، وبسبب الفوضى والسلبية التي تفشت في عموم المجتمع الذي انعدم فيه الاحترام وانتهاك حقوق الغير بغير حق، كما علّل إهمال رقابة الآباء لسلوك أبنائهم،  بالظروف المعيشية، أما المجتمع فهو من يُدير هذه الفوضى التي تزداد خطورتها النفسية وتسببت في إيذاء نفسي في نفوس الملايين من البشر وسببت أمراضاً!

سلوك دخيل

فيما رأي الدكتور المحامي كمال محمد الامين ان التنمُّر سلوك دخيل على المجتمع السوداني بفضل الميديا، وذكر لـ(الصيحة) ان الشعب السوداني لا يتنمّر على بعضه البعض وجَبُل على المعاملة الحسنة، وطالب المجتمع بالوقوف ضد ما يحدث الآن من تنمُّر، وقال: لا يوجد قانونٌ سودانيٌّ يحكم التنمُّر، إنما تحكم وفق قواعد (عرفية ودينية) مستمدة من قيم المجتمع السوداني والتي اعتبرها اقوى من القانون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى