تُقدّر بأكثر من 1.5 مليار طن في العام.. نفايات السُّودان.. كنزٌ ينمو في العراء

عمر آدم.. حكاية ثراء تُروى برائحة “الكوش”

دراسة: 93% من النفايات صالحة

اقتصادي: مُعظم الشركات “نشأت في عهد الإنقاذ بـ”المحسوبية”

بيئي: هناك شركاتٌ تُدمِّر الاقتصاد القومي

مجلس البيئة: مُشكلة النظافة تكمن في (…)

تحقيق: انتصار فضل الله             30 يناير 2022م 

في منطقة “جبرونا” أحد اكبر المناطق العشوائية غرب أم درمان في السودان، يعيش أكثر من 3 آلاف نسمة يكسب بعضهم رزقه من جمع “النفايات” وتدويرها والتجارة فيها.

عمر آدم يبلغ عمره 30 عاماً، ورث مهنة جمع النفايات من والده الذي كان يجوب “الكوش” والمكبات القريبة من منطقته لاستخلاص “البلاستيك والأواني وقوارير المياه”.

بعد قضاء يوم طويل في مواقع تجميع “النفايات”، يأخذ عمر الحصيلة الى المنزل، حيث يقوم أشقاؤه بفرز الانتاج اليومي من “صفيح، ألمونيوم وبلاستيك” كلاً على حدة، ويقوم بتعبئة الحصيلة في جوالات “خيش” ثم يتجه بها نحو المصانع الصغيرة المنتشرة في المنطقة الصناعية ام درمان  لبيعها ويعود الى أسرته بما يكفيها من غذاء.

1

يقوم عدد من الأفراد بجمع نفايات السودان مثلهم مثل آدم الذي تمكن من جمع ثروة من خلال مشاركته في عملية تدوير البلاستيك، وأفاد “الصيحة”، انه يجمع يومياً ما يقارب ربع طن من النفايات التي يخلفها سكان غرب أم درمان.

آدم ليس وحده من لجأ للعمل في مجال فرز النفايات ، فهناك آخرون يفتقرون للعمل الذي يؤهلهم لتوفير لقمة العيش ، فاتجهوا نحو جمع النفايات وفرزها والتجارة فيها باعتبارها تجارة رائجة وبيع القمامة التي تتم معالجتها في ورش صغيرة متوفرة على امتداد الولاية والمصانع الصغيرة المنتشرة في الولاية.

الخرطوم ليست وحدها التي تتمدّد فيها النفايات، وإنما منتشرة في كل مدن السودان، حيث اعتادت الاسر على تعبئتها في اكياس بلاستيكية وإلقائها في الشوارع والميادين.

2

وأفاد خبراء في البيئة تحدثوا لـ”الصيحة” ان النفايات مورد اقتصادي ضخم لكنه مُهملٌ، فدول العالم الثالث والسودان واحد منها تعاني من الإدارات الفاشلة، وتعيش فوضى تعدد الشركات الرسمية والشركات التي قامت بشكل وهمي الهدف منها الترضيات، والمأكلة غير المشروعة مع تواجد وتكاثر “القمامة”.

وكشفت دراسة حديثة اعدها اخصائي التنمية الحضرية د. اسامة عباس يعمل في منظمة السلوك الحضري بالخرطوم، عن ما يفوق 1.5 مليار طن حجم النفايات التي ينتجها السودان يومياً، مشيراً الى نسبة 93% من النفايات تعتبر صالحة.

يقول د. أسامه لـ”الصيحة”، تحتاج هذه الكمية للتدوير المؤسس وفقاً لخطة مُحكمة ودراسات علمية تشرف عليها الحكومة لتسهيل عملية إرجاع النفايات الى منتجات يتم تداولها في السوق على مدار السنة، وإيجاد شركات ممولة من وزارة المالية عبر ضمانات وتسهيلات أخرى.

وأضاف أسامة، أن فرز النفايات اصبح اهم مورد اقتصادي تعتمد عليه كبرى دول العالم في إصلاح قطاعي المياه والكهرباء ، مشيراً للفرز الكبير لـ”السيوم ـ البلاستيك ـ الأطعمة ـ الأكياس والمخلفات الطبية”، الذي يتم بواسطة اطفال صغار يجهلون مخاطر الجمع العشوائي، مطالباً باستغلال القطاع وتحويله لمورد اقتصادي يدعم التنمية.

3

هي ليست قمامة، بل مصدر دخل لا ينضب يجب التعامل معه كقيمة اقتصادية بمثابة دخل إضافي للمجتمع، خاصة وأن هناك دولاً تستوردها بمبالغ طائلة، هذا ما أكده الخبيرة الاقتصادية د. نوال شمت، مشيرة إلى تقدم دول في اعادة تدوير النفايات، فأصبحت تستوردها من الدول النامية وإعادة تصديرها الى تلك الدول بعد نقلها وفرزها محلياً حسب الضوابط المتعارف عليها.

وانتقدت شمت، الشركات القائمة في السودان لغرض التدوير ووصفتها بأنها “لحظية” نشأت في عهد الإنقاذ من خلال عملية منح العطاءات بالمحسوبية لأفراد لا قدرة لهم على نقل “القذارات” ودائماً ينضون تحت فئة الضباط المعاشيين، وبعض الوزراء العَطَالة الذين تربطهم مصالح مع المسؤولين للحصول على التصاديق لإنشاء شركات تمثل مصدر دخل مؤقت قبل إغلاقها، لافتة الى حجم التحصيل الضخم للرسوم الشهرية دون توفر خدمات.

4

وذكرت شمت لـ”الصيحة”، انّ القصور الحالي في نقل النفايات مسؤولية الجهات العليا المعنية بالبيئة والاستثمار ، فالقضية كما تراها بحاجة لتنظيم هيكلي وإداري مع المتابعة والرقابة اللصيقة ، وان لا تترك الجبايات والرسم الشهري للمحليات، خاصة وان هناك تنازعاً في السلطة بينهم والجهات المعنية بالبيئة، وتؤكد وجود فشل ذريع جداً يستعصى معه تحول القطاع الى مورد اقتصادي قائلة “رغم أن دخله في الميزانية كبير، لكن لا يتم التعرض الى تحليل المبالغ ومعرفة أوجه صرفها، بالتالي سيظل السودان قرية كبيرة تغطي سحطه الكوش ما لم يتم إدراك أهمية القطاع”.

يتفق الخبير المالي عثمان الريح مع حديث نوال شمت حول أهمية القطاع، مبيناً وجود كمية كبيرة جداً من النفايات في البلاد لكنها تفتقر للخبرات والكوادر المؤهلة لتدويرها كما تحتاج لدراسات مُعمقة وخطط مستقبلية، بالإضافة لإنشاء مصانع لإعادة تدويرها.

5

وصف الريح، الواقع البيئي في البلاد بـ”المزري”، وبحسب رؤيته فإن المسألة مزعجة جداً، لان هناك شركات ومنشآت اضحت تتخلّص من النفايات بالقرب من المساحات الخالية التي تحيط بها، معتبراً هذا تلوثا بيئيا يدمر الاقتصاد القومي، مشددا على ان النفايات من الخدمات التي لا يستغنى عنها المواطنون وتحولت الى عبء اقتصادي خطير.

ويضيف “بلا شك أن فرز النفايات يجعل لها قيمة اقتصادية تساهم في كل الخدمات والمجالات الأخرى، وبالامكان من بعد ذلك بيعها كجزء من المناقصات الشهرية التي يمكن عملها والبيع للتجار بأسعار مناسبة”، وتأسّف على التخلُّص من 55 ألف طن قمامة يومياً بولاية الخرطوم وحدها دون إعادة إنتاجها، يتحمّل تكلفة نقلها المواطن عبر الرسوم المفروضة عليه، وأشار لوجود مكبات ضخمة على أطراف المحليات لكن وجودها لم يُغيِّر شيئاً، بل خلق أزمات بيئية أخرى حاربها مهتمو البيئة، مطالباً للاستفادة من تجارب الدولة الناجحة في القطاع، ووضع النفايات تحت المجهر والعمل على تصديرها، في ظل ان الصادرات السودانية الأخرى من المنتجات الزراعية تواجه ضعفاً ومشاكل كبيرة.

6

في الوقت الذي درس فيه العالم كيفية فرز المواد الناتجة عن النفايات ودعم بها الاقتصاد، ما زال الوضع في السودان متعثراً حتى في كيفية نقلها الى المحطات والمرادم، وكما أشار مصدر بيئي، أنه لا توجد سوى حراقات بيئة متواضعة، مُناشداً بأهمية إنشاء حراقات بيئة متطورة لا تؤذي صحة الإنسان، مع أهمية إيجاد مصانع لإعادة تدوير القطاع بأكمله، مؤكداً وجود تحرُّكات لكنها بطيئة لمجالس البيئة بالبلاد لتحويل القطاع إلى مورد اقتصادي يُساهم في التنمية من خلال تفاهمات مع شركات عالمية للعمل على إعادة تشغيل مصنع تدوير النفايات المُتعطِّل في الخرطوم ونقل التجربة إلى الولايات الأخرى.

وشهد العام الماضي، زيارات لوفود من شركات تركية وسعودية، مُبديةً رغبة في العمل والاستثمار في مجال تدوير النفيات بولاية الخرطوم، فيما يسعى رجال أعمال سودانيين للالتفات إلى هذا القطاع وتحويل وجهة استثمارهم نحو تدوير النفايات وإنشاء مصانع بالولايات بعد دراسة المشروع.

7

وكان الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة بولاية الخرطوم بشرى حامد، قد أكد أنّ مشروع التدوير صديقٌ للبيئة، إذ أنه يعمل على خفض الانبعاثات الدفيئة ومعدلات التلوث، بجانب تحقيق الأهداف الاقتصادية والتنمية المستدامة، وقال إن مشكلة النظافة تكمن في الإدارة المُتكاملة للنفايات الصلبة، لافتاً أن السودان رفع خُطة طموحة في مجال الانبعاثات الدفيئة إلى مؤتمر قمة المناخ في غلاسكو.

ويشغل ملف النفايات، تفكير كل سكان السودان الذين يحلمون بالتخلُّص الآمن منها، والعمل الجاد لخلق مصانع من شأنها أن تستوعب عمالة ضخمة تفضي على العَطَالة وتُوفِّر فرص عمل وتسهم في دعم الاقتصاد القومي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى