التأمين الصحي.. هياكل مريضة تتوق للعلاج

 

 

موظف: تجاوزات الهيكل الوظيفي بالتأمين (عطاء من لا يملك لمن لا يستحق)

كادر طبي: الإنقاذ أدخلت إدارات جديدة بالتأمين ترضيات وتمكيناً

موظف بالوحدات العلاجية: الحزمة الإضافية الدواء فيها مفتوح والمريض يمكنه شراء علاج سنة

معلومات: الطبيب العمومي (شغال محولجي) بالتواطؤ مع الاختصاصي لترتفع نسبة معاينته للمرضى

تفاصيل: فتح بلاغات في رقابة العربات الحكومية ضد الأطباء المشاركين في الحراك الثوري

تحقيق منال عبد الله

كما هو واقع الحال في جميع المؤسسات الحكومية بالبلاد الولائية والاتحادية والتي ما زالت تنتظمها ثورات داخلية أعقبت ثورة  ديسمبر المجيدة التي أسقطت حكومة الرئيس المخلوع عمر حسن أحمد البشير، تهدف إلى إزالة ذيول النظام السابق وسياسته من تلك المؤسسات.

وكانت (الصيحة) قد تابعت خلال الأشهر الفائتة ما يجري داخل أروقة عدد منها وتمكنت من الحصول على معلومات مدعومة بالمستندات حول التجاوزات وسياسات التمكين التي كانت متبعة بهيئة التأمين الصحي ولاية الخرطوم، وأزمات الدواء المتلاحقة بصيدليات التأمين والتجاوزات في الهيكل الوظيفي والقفز بالزانة للدرجات القيادية بالهيئة، وجاءت الثورة داخل أروقة هيئة التأمين الصحي متزامنة مع الحراك الثوري العام بالبلاد، بيد أن قرارات متتالية بالإقالة والتعيين تمت بالهيئة في غضون شهر واحد، في الرابع عشر من يوليو الماضي أصدر والي الخرطوم  السابق د. يوسف آدم الضي قراراً بتعيين د. منال مبارك مديراً لهيئة التأمين الصحي بالولاية، وأنهى تكليف د. خالد محجوب العوض كمدير لهيئة التأمين الصحي، وفي غضون الشهر الجاري أصدر والي الخرطوم الأستاذ أيمن خالد نمر قراراً باعفاء د. منال من منصب مديرهيئة التأمين الصحي بالولاية وتعيين د. محمد الحاج حمد مديراً، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات، في الوقت الذي يجاهر فيه المواطنون بغضبهم من سلبية الرعاية والخدمات المتوفرة بالمراكز والافتقار للدواء تحت مظلة هذه الخدمة .

حراك ثوري

كشفت تفاصيل، معلومات موثقة بالمستندات تحصلت عليها (الصيحة)، أن معظم أعضاء المجلس التنفيذي بالهيئة محسوبون على نظام الإنقاذ البائد إلى جانب هيمنتهم على النقابة، واتجه قادة التغيير بالهيئة إلى التواصل مع تجمع المهنيين وقوى إعلان الحرية والتغيير من أجل العمل وفقاً للموجهات العامة للدولة المدنية، ومنذ بداية الحراك الثوري بالبلاد كان هنالك حراك متزامن انتظم منسوبي هيئة التأمين الصحي لإحداث تغييرات جذرية.

وأماطت المعلومات التي توصلت إليها (الصيحة) اللثام عن تكوين جسم مناهض لرموز النظام السابق بالهيئة أطلق عليه اسم تجمع العاملين بالتأمين الصحي، وتم تشكيل عضويته من(26) فرداً، وانتخاب لجنة تسييرية وتم التشاور على  حل النقابة، بيد أنه تكشف لاحقاً أن العضوية بها (غواصات) أي منهم محسوبون على النظام السابق وتم إقصاؤهم من بقية الأعضاء بعدما قادتهم مواقفهم إلى افتضاح أمرهم، ليصبح عدد العضوية (22) فرداً.

وخاطبت اللجنة عوض جعفر مسجل تنظيمات العمل السابق وطلب عمل (200) توقيع من أجل التسجيل، وشكا عضو باللجنة في حديثه لـ(الصيحة) من مماطلات مسجل تنظيمات العمل السابق في إكمال الإجراءات، وبعد ذلك اتجه أعضاء اللجنة الجديدة إلى سحب الثقة من رئيس النقابة بالهيئة بموجب خطاب من مسجل تنظيمات العمل، وطالب منسوبو الهيئة بحل النقابة نسبة إلى أنها لا تحقق احتياجات الموظفين.

تفاصيل دقيقة

أوضحت تفاصيل دقيقة عن الهيكل عمل 1033 موظفا بالتأمين الصحي معظمهم في وظيفة ضابط خدمة بنسبة تبلغ حوالي 70%، وأكدت أن الخدمة الطبية بالبلاد 85% منها متركزة بمحلية الخرطوم وأم درمان بنسبة 15% وبحري نصيبها 5% من الخدمة الطبية، وبينت أن معظم ضباط التأمين متركزين بمحلية الخرطوم وأنهم تعرضوا للضغط والتهديد من قبل الإدارة الأسبق للتأمين والمنضوين تحتها لأجل إنكار التوقيعات ومن يخالف التعليمات يتعرض للنقل والنفي والإبعاد إلى مركز بعيد من السكن خاصة المتزوجات واللاتي لديهن أطفال.

وفي الأثناء تم فتح بلاغات في رقابة العربات الحكومية ضد الأطباء المشاركين في الحراك الثوري لأن الأخيرين رفضوا تسليم العربات التي تم تسليمها لهم منذ العام 2014، كما أن تكوين النقابة التي يطالب العاملون بهيئة التأمين الصحي بحلها حالياً كان مشبوهاً بحسب المصادر التي أبلغت (الصيحة) بتفاصيل الخلافات والثورة التي انتظمت أروقة التأمين الصحي، مبينين أنها كونت من دون جمعية عمومية ولا انتخاب بدون ترشيح ووجد الموظفون قائمة أسماء في (البورد).

سياسات التمكين

أكدت المعلومات التي تلقتها (الصيحة) من قبل عدد من الكوادر من محدثي التغيير بهيئة التأمين الصحي ولاية الخرطوم أن الهيكل تمت إجازته في ديسمبر2015 بعد تشكيل لجنة من ديوان شئون الخدمة ووزارة المالية، وبحسب إفادة كادر طبي أنه تم إدخال إدارات ترضيات واتباعاً لسياسات التمكين التي فرضتها حكومة الإنقاذ بخلاف الهيكل المجاز رسمياً من الجهات المسؤولة، في العام 2017 خاطب المراجع العام الهيئة لكونها تعمل وفق هيكل غير مجاز رسمياً، وأوضح مصدر موثوق لـ(الصيحة) أن وزير الضمان الاجتماعي السابق مشاعر الدولب كانت على علم بأن هيئة التأمين الصحي تفتقر للكوادر في درجات وظيفية قيادية وتم استيعاب الكوادر الجديدة بالدرجة الوظيفية الخامسة لتنفيذ سياسات تمكين كوادر المؤتمر الوطني ونيل وظائف قيادية على رأس الإدارات خلال توليها أمر الوزارة.

واستشهد المصدر في ذلك بابنة شخصية نافذة بالحركة الإسلامية وعضو برلماني سابق والتي آثرت الاستقرار بجمهورية مصر العربية بعد سقوط نظام الإنقاذ تم تعيينها في العام 2011 بالدرجة الخامسة كمدخل خدمة ومن ثم الدرجة الثالثة ليتم تعيينها مدير إدارة عامة، وأكدت المصادر أن أقدم تعيين للدرجات القيادية بالتأمين تم في العام 2010 في الوقت الذي يتم تعيين الأطباء مدخل الخدمة عادة  بالدرجة الثامنة، واعتمد كل مدير تقلد أمر الهيئة خلال سنوات الإنقاذ على الهيمنة على مناصب مديري الإدارات العامة والفرعية ليكونوا من الموالين للنظام أو أبناء موالين، واستشهدت المصادر بواقعة أن أحد الأطباء المحسوبين على النظام البائد ظلت ترقياته الوظيفية مستمرة فيما كان يعمل بالمملكة العربية السعودية، وفيما يلي منسوبي الدرجات العمالية الـ17والـ 14 نالوا  كما ذكر موظف ــ فضل ججب اسمه ــ ترقيات إلى الدرجة التاسعة والثامنة دون تدرج وظيفي وأصبحوا مشرفين على ضباط الخدمة بالمراكز الصحية المختلفة والذين معظمهم من حملة الشهادات الجامعية في التخصصات المختلفة ومنهم حملة دراسات عليا ليترأسهم من هم أدنى، فيما أن الذين تم تعيينهم في درجات عمالية منذ تأسيس هيئة التأمين الصحي في العام 1996 لم يبلغوا هذه الدرجات.

ووصف الموظف تجاوزات الهيكل الوظيفي في التأمين الصحي بـ (عطاء من لا يملك لمن لا يستحق).

إشكاليات المراكز

وفي الوقت الذي رصدت فيه (الصيحة) اكتظاظاً وتذمراً بمراكز التأمين الصحي بولاية الخرطوم في أوقات مختلفة  قبل جائحة كورونا من المرضى وارتفاع في نسبة ارتيادها خاصة في محليتي أم درمان وأمبدة ومشادات واشتباكات مع ضباط الخدمة بسبب إفادات الأخيرين بأن العدد المحدد لمقابلة الطبيب العمومي اكتمل، صوبوا انتقادات لاذعة لعملية الربط المتعلقة بتحديد إجمالي العدد من المرضى الذين يتوجب على الطبيب معاينتهم والبالغ عددهم(42) مريضاً.

وتابعت (الصيحة) ما كان ينتظم أضابير مراكز التأمين الصحي المختلفة قبل وبعد سقوط الإنقاذ بأنها تشهد تناحراً كبيراً وخلافات بين ضباط الخدمة والمشرفين الذين هم أقل منهم في المؤهلات العلمية بسبب عدم رضائهم عن الخروقات التي صنعها النظام البائد في الهيكل الوظيفي بالهيئة، واستقصت الصحيفة حول ظاهرة الإجراء الروتيني المتكرر من قبل الطبيب العمومي بمراكز التأمين الصحي للمرضى للاختصاصي وإن كان بإمكانه علاجه وذلك من خلال جولة على عدد من المراكز بولاية الخرطوم، وكشفت الجولة وفقاً للمعلومات الاستقصائية أن الطبيب العمومي يعمل بالتواطؤ مع الاختصاصي حتى ترتفع نسبة معاينته للمرضى، وبالتالي دخله المادي يزيد ويصبح الطبيب العمومي (شغال محولجي).

فساد داخلي

وقطعت المعلومات التي تملكتها (الصيحة) بوجود عمليات فساد إداري كانت تتم بالهيئة، وأشارت إلى أن مديراً سابقاً لدى شقيقة مركز صحي خاص أدخله الأول في مظلة التأمين، فيما أن هناك موظفين من التأمين الصحي كانوا يطرحون فكرة عمل مركز صحي كاستثمار، ولكنهم لا يجدون الموافقة على ذلك، وأكدت على أن مطالبة المركز الصحي كانت (150) ألف جنيه في الشهر الواحد ارتفعت حالياً إلى مليار في الشهر بعدما زادت نسبة التردد عليه من المرضى، وتم ذلك بحسب المتابعات بإغراءات من المحلية لتغيير وجهتهم من مركز التأمين المعروف إلى مركز شقيق مدير الهيئة السابق، ونبهت إلى أن المركز لديه عدد من المخالفات أبرزها (الإحالات) التي تتم من الطبيب العمومي للاختصاصي بالمركز والتي ارتفعت نسبتها وتعد مخالفة وفقاً للإجراءات الخاصة بالتأمين الصحي لكونها تجاوزت الـ(20%)، واتهم مصدر مسؤول بهيئة التأمين الصحي الطبيب العمومي بالتواطؤ مع الاختصاصي حتى ترتفع نسبة معاينته للمرضى وبالتالي دخله المادي يزيد ويصبح الطبيب العمومي (شغال محولجي)، والمفترض أن الأحالة تتم بعد عجز الطبيب العمومي عن معالجة المرض، وتتم كذلك إذا كان المرض ليس من اختصاص الطبيب العمومي، ولفت المصدر النظر إلى حدوث مخالفات من قبل السلطات المسؤولة عن الخدمات الطبية بأن المركز يتحصل على مبالغ مالية من المرضى نظير بعض الخدمات.

  حقائق خطيرة

وأرجعت المعلومات التي رصدتها (الصيحة) حول خلو صيدليات التأمين الصحي من الدواء خلال السنوات الأخيرة حتى إن بعض الصيدليات أغلقت أبوابها أمام المرضى نسبة لتعيين الهيئة شخصيات لا تمتلك الكفاءة ولا الخبرة الكافية لإدارة علاقات مع شركات الدواء لتوفيره بالصيدليات، وأكدت أنه في العام 2017 أغلقت الإمدادات الطبية حساب شوامخ بسبب عدم سدادها المطلوبات اللازمة.

ونبهت المعلومات إلى أن التأمين الصحي بولاية الخرطوم يأخذ من كل مواطن داخل مظلته (90) جنيهاً شهرياً عدا منسوبي إحدى وحدات قوة نظامية اشتراك الفرد (80) جنيهاً، فيما أنه في حزمة إضافيه للتأمين (في آي بي) للخدمات اشتراكها(450) شهرياً تشمل مستشفيات خاصة، وفي الوقت ذاته يتم خصم مبلغ (40) جنيهاً من ذات الموظف نظير خدمة التأمين العادي، وحذر موظف بالوحدات العلاجية في حديثه لـ(الصيحة) من مخاطر الحزمة أن الدواء فيها مفتوح ليس له سقف بمعنى أن المريض يمكنه شراء دواء لمدة سنة، كما أنه بإمكانه شراؤه لأسرته كلها بخلاف التأمين الصحي العادي المقيد بصرف دواء شهر واحد فقط لكل مريض.

مناهضة واستجابة

وجد قرار الوالي السابق (المكلف) بتعيين د. منال مديراً  للهيئة مناهضة من قبل معظم مديري الإدارات العامة والفرعية ومديري المحليات، وكان المقصد منه توضيح تداعيات وملابسات القرار الذي وصفوه بغير المناسب في وقته واختياره، حيث جاء في وقت والبلاد تمر بظروف اقتصادية معقدة ألقت بظلالها على التأمين الصحي وخدماته، وفي وقت تسعى فيه الهيئة لتحقيق التوازن بين الإيرادات وتحقيق متطلبات المشتركين وتحقيق الحد الأدنى من متطلبات العاملين الشيء الذي كان يتطلب تعيين إدارة راشدة تقود الهيئة إلى الاستقرار المالي والإداري وتحقيق متطلبات ثورة ديسمبر المجيدة في التغييرالإيجابي بتعيين الكفاءات المهنية وذلك وفقاً لبيان مداري الإدارات الذي تحصلت (الصيحة) على نسخة منه.

وكان المديرون بالهيئة قد طلبوا إعفاءهم من المناصب الإدارية، ومن ثم الدفع بمذكرة إلى الوالي لتوضيح أسباب الطعن في المديرة والذي جاءت الاستجابة منه سريعة بإقالتها، وأكد المديرون في البيان أنه ليس لديهم أي نوع من التحفظ على المديرة السابقة من الناحية الشخصية بل يعتبرونها زميلة من عموم الزملاء في التأمين الصحي، مبينين أنه جاء الاعتراض عليها وفقاً البيان لاعتقادهم بعدم أهليتها لقيادة الهيئة في هذه المرحلة الدقيقة.

فيما رحب المديرون بالقيادة الجديدة التي وقع الاختيارعليها من قبل الوالي معتبرين أنها لبّت الطموحات بمراعاة المهنية والكفاءة في الاختيار، وتعهدوا بتقديم العون والمساندة لها من أجل تقديم خدمة أفضل لمشتركي ولاية الخرطوم خاصة والولايات الأخرى بصفة عامة .

سحب الثقة

أفاد موظف بالتأمين الصحي ــ فضل حجب اسمه (الصيحة) بأن القائمة الخاصة بتوقيعات العاملين تم التعامل معها من قبل مدير التأمين الصحي السابقة ومن وافقها الرأي بعدم أمانة، نسبة لأن توقيعات العاملين كان الغرض منها سحب الثقة من النقابة السابقة وليس تكوين لجنه تسيير، والهدف من ذلك التغطية على ملفات خاصة بإدارة الأخيرة للمتكاملات ومستشفى شوامخ، ورشحت معلومات أن المديرة السابقة جاءت في ظروف غامضة، كما أنه لم تتم إجراءات تسليم وتسلم بينها والمدير الأسبق د. خالد ــ الذي لم تتمكن الصحيفة من الحصول منه على إفادة حول ما أثير عن فترة توليه إدارة التأمين لعدم استجابته على الاتصال.

وأعرب مديرو الإدارات عن ثنائهم على المدير الأسبق د. خالد محجوب العوض على فترته القصيرة التي قاد فيها الهيئة والتي تعد من الفترات العصيبة والتي اجتاح فيها وباء كورونا البلاد مما خلق وضعاً استثنائياً استطاعت الهيئة بفضل إدارته والفريق العامل معه أن تتكيف مع الظروف وتخلق واقعاً جديداً تستطيع من خلاله أن تخدم مشتركيها بصورة تتناسب مع ما تعانيه البلاد من أزمات.

وتؤكد جميع المعلومات التي جمعتها (الصيحة) سواء الشفهية أو التي بالمستندات حول ما يدور داخل أضابير هيئة التأمين الصحي ولاية الخرطوم التي تحتشد ساحاتها بالملفات المهملة، على وجود مشكلات إدارية بالغة التعقيد وسيطرة الخطابات العدائية ولغة التخوين والاتهامات عليها والتي انتظمت معظم مؤسسات الدولة على كافة المستويات مما انعكس سلباً على الخدمات التي يتلقاها المرضى من الهيئة.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى