الثورة في عامها الرابع.. السَّير في الأشواك!!!

 

الخرطوم: نجدة بشارة                   27يناير2022م 

تدخل الثورة السودانية، مشارف عامها الرابع، وسط مجموعة من تحديات، ازدادت تعقيداً بقرارات الخامس والعشرين من أكتوبر، يقابلها حراك ثوري اُنتظم على امتداد  مدن السودان تُطالب بمدنية الدولة ولعل شرارة الثورة الاولى ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير اندلعت في 19 ديسمبر 2018 في مدن عطبرة وبورتسودان والدمازين والقضارف ومدن أخرى، تنديداً بالتردي الاقتصادي آنذاك، قبل أن تنتقل إلى الخرطوم في 25 ديسمبر، بعد  تبني تجمع المهنيين السودانيين لها وتوجيهها سياسياً وميدانياً ثم انضمت لها أحزاب وتحالفات سياسية وقّعت على ميثاق الحرية والتغيير، الذي قاد بعد ذلك الحراك الثوري.

ورغم سقوط نظام الرئيس المعزول البشير، إلا أن شرارة الثورة حافظت على اتقادها للعام الثالث على التوالي، ولم تتوقف التظاهرات والوقفات الاحتجاجية والإضرابات طوال هذه الأعوام الثلاثة.

بين الأمس واليوم

الملاحظ وبحسب المراقبين، أن التحديات الاقتصادية والبيئة السياسية التي كانت تخيم على الأجواء قبل انطلاق الثورة مازالت تسيطر على المشهد  رغم التغييرات الجيوسياسية ، التي صاحبت إسقاط حكومة الانقاذ السابقة ، وتشكيل الحكومة الانتقالية  من القوى الثورية ، اضافة الى التحديات ومجموعة العقبات، التي صاحبت فترة رئيس الوزراء السابق د. حمدوك من  ضعف خبرة وزرائها، والإرث الاقتصادي المتدهور، وعقبات أخرى تضعها الدولة العميقة وأخرى يضعها العسكر أنفسهم، بما فيها قرارات البرهان التصحيحية التي أفضت إلى حل الحكومة.

وبينما تتجه الثورة الى عامها الرابع، مازالت تُجابه بالتحديات والصعوبات  ومازال الطريق مُعبّدا بالأشواك.. ودماء الشهداء لم تتوقّف منذ سقوط اول شهيد في 19 ديسمبر 2018م ووسط هذه التحديات هل من سبيل للتحول والانتقال؟

 

شعارات مستمرة

في اطار  الشعارات المرفوعة في بداية الثورة،  ما زالت هي ذاتها  التي رُفعت قبل 3 أعوام، وهي  “حرية.. سلام وعدالة”.. “مدنية خيار الشعب”، إلى جانب الشعارات المطلبية القصاص لضحايا الاحتجاجات منذ عهد البشير وهو (الدم قصاد الدم ما بنقبل الدية)، وأضيفت شعارات جديدة عقب قرارات 25 اكتوبر وهي “الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات”.

واشار متابعون  ومراقبون  تحدثوا (الصيحة) الى أن ثورة ديسمبر حافظت على سلميتها، ووصفوا أن ما يُميزها عن كل الثورات في المنطقة العربية  هي (السلمية) وعبرها نالت شهادة العالم،  بينما رأى آخرون  أن شعارات السلمية المرفوعة هُزمت بفعل بعض المتفلتين أو المندسين من ارباب النظام السابق ، إضافة الى وجود بعض العصابات مدفوعة الأجر التي تتخلخل وسط المتظاهرين وتصنع الفوضى والاضطرابات من سرقات ونهب، ولعل هذه المجموعات صنعت وشكّلت العداء بين الثوار والقوات المسلحة وسميت هذه المجموعة وفقاً لبيانات الشرطة بالطرف الثالث في الثورة، وهو الطرف الذي ظل مجهول النسب والهوية.

 

المربع الأول

عبر المحلل السياسي والدبلوماسي الطريفي كرمنو قال لـ(الصيحة) ، عن تشاؤمه، وقال: (أرى ان الثورة عادت للمربع الأول) ، واردف حسب مقولة للمرحوم د. منصور خالد (ان النخب السياسية أدمنت الفشل) ، وسرد كرمنو قائلاً ان السودان مر بثلاث ثورات شعبية بدأت بالثورة التي أسقطت حكم الفريق إبراهيم عبود وهو الذي  قاد  أول انقلاب عسكري بالسودان في 17 نوفمبر 1958، وكان انقلابه في الحقيقة استلاماً للسلطة من رئيس وزرائها المُنتخب  آنذاك عبد الله خليل،  بعد أن خاضت الأحزاب السياسية حينها  أزمات لم تستطع أن تتخطّاها ، أخفقت حكومة الأحزاب وساءت حالة البلاد الاقتصادية!

وحينما استلم السلطة، بارك انقلابه القادة الدينيون في ذلك الوقت لأكبر جماعتين دينيتين: السيد عبد الرحمن المهدي زعيم الأنصار والسيد علي الميرغني زعيم طائفة الختمية، بينما انخرط في معارضته معظم الأحزاب السودانية وقاد المعارضة السيد الصديق المهدي رئيس حزب الأمة، حيث سار حكمه باتجاه التضييق على العمل الحزبي والسياسي وقد حلّ الأحزاب وصادر دورها ثم أطاحت به ثورة أكتوبر الشعبية 1964م، وقد استجاب لضغط الجماهير بتسليم السلطة للحكومة الانتقالية التي كونتها جبهة الهيئات، ثم اندلعت ثورة في 21 أكتوبر سنة 1964 ضد نظام الرئيس السوداني الراحل الفريق إبراهيم عبود مطيحةً بنظامه وكانت أول ثورة شعبية  مشهود لها في أفريقيا والعالم العربي وشكِّلت حكومة برئاسة سر الختم الخليفة، استلم فيها رئاسة وزراء الحكومة الانتقالية وسُميت بحكومة جبهة الهيئات ثم لم يستمر الحكم الديمقراطي للأحزاب أكثر من 4 سنوات، ويواصل كرمنو السرد قائلاً: لعل فترة حكم الراحل الصادق المهدي من (1966 – 1967) شابهت الحالة السياسية في السودان والمظهر العام مع ما يحدث الآن من اضطرابات واحتجاجات، حتى جاء انقلاب 1969، الذي قاده العقيد جعفر محمد النميري، ضد حكومة الرئيس إسماعيل الأزهري. ووقع الانقلاب على نهاية العهد الديمقراطي الثاني في السودان، وشهد بداية حكم النميري الذي امتدّ 16 عاماً ثم قامت الانتفاضة الشعبية الثالثة التي أسقطت حكم نميري، في أبريل 1985، ثم سلمت مقاليد السلطة إلى عبد الرحمن سوار الذهب الذي تقلد رئاسة المجلس الانتقالي إلى حين قيام حكومة منتخبة وارتقى لرتبة مشير فوراً، وسلم سوار الذهب في العام التالي مقاليد السلطة للحكومة الجديدة برئاسة رئيس وزرائها الصادق المهدي، لكن في عهد الديمقراطية عادت الفوضى مجدداً الى الشارع، حتى جاء انقلاب  الفريق عمر البشير آنذاك والذي حكم (30) سنة.

 

سيناريوهات متكررة

وأوضح كرمنو، “مما سبق نلاحظ أن السيناريوهات والأحداث تكررت، والتاريخ في السودان يعيد نفسة وأرى أن الحكم الديمقراطي من الصعوبة بمكان تطبيقه في السودان،  والسبب أن هنالك اكثر من (  140 ) حزبا سياسياً، بينما الدول التي تتمتع بالديمقراطية لا يوجد بها أكثر من حزبين مثلاً في امريكا جمهوري وديمقراطي، وفي بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، ولا توجد دولة لديها هذا الكم من الأحزاب السياسية وكل منها يطلب كرسي السلطة، ثم يتحدّثون عن الديمقراطية”، وبالتالي أرى أن الديمقراطية وحكم النخب صعبٌ تطبيقه في السودان وحتى اذا قامت الديمقراطية أرى أنها لن تستمر وستعود الفوضى والاضطراب مجدداً حتى يحدث توافقٌ بين الأحزاب السياسية أولاً وتكون هنالك ثلاثة او خمسة احزاب سياسية قوية على اكثر تقدير، وان تكون هذه الأحزاب على قلب رجل واحد حتى تستطيع ان تقدم نموذجاً ديمقراطياً ناجحاً في السودان.

 

صُعُوبات الانتقال الديمقراطي

في إطار الانتقال الديمقراطي، وتحديات الانتقال يرى الفريق أول ركن محمد بشير سليمان المحلل والخبير الاستراتيجي بأن نجاح الممارسة الديمقراطية في السودان يُواجه بالكثير من التعقيدات والمشاكل، إذ أن المعضلة الاولى للانتقال تتمثل في عدم التربية الوطنية والإدراك السليم لماهية الديمقراطية  وتطبيقها ممارسةً وسلوكاً من قبل جميع الأحزاب السودانية في داخلها، وعندما تتولى الحكم، وأردف: هذا النهج هو ما ادى الى تكرار فشل التطبيق وإفساح المجال للانقلابات العسكرية عبر استخدام القوة الحَيّة للاستيلاء على السلطة، وتابع: يلاحظ وجود إقصاء بين المكونات المدنية لبعضها البعض، إيلاء المصالح أهمية مقارنةً بالقضايا الوطنية الجامعة على مستوى الدولة، وهو ما نجده صورة حَيّة بالممارسة الحزبية السودانية في كل عهود الحكم الوطني، مما ادى لانتاج منهجية او ممارسة غير ديمقراطية بين هذه الاحزاب حتى يومنا هذا، ولعل واقع الممارسة السياسية التي يعيشها السودان الآن في صورة غير توافقية بين القوى السياسية وإقصاء ديكتاتوري بعيد عن اي مفهوم وطني بعد ثورة ديسمبر وعدم وجود الحد الأدنى من  القبول بالرأي والرأي الآخر بين المكونات السياسية ما يؤدي الى صعوبة تحقيق الديمقراطية الراشدة في السودان، وأشار بشير إلى أنّ بعض الأحزاب التي لا تؤمن أيديولوجيتها بالنهج الديمقراطي أصلاً نجدها تتحدث الآن عن الديمقراطية خداعاً سياسياً ليس الا، ومع كل هذا لا يمكن أن يكون للديمقراطية موطئ قدم في وطنٍ مازالت رؤى أحزابه السياسية بعيدة عن تحقيق مفهوم المواطنة وتتجاذبها العُنصرية والقبلية والجهوية والكراهية والصراع الأيديولوجي والإقصاء واتباع الأجنبي عمالةً وارتزاقاً دون اعتبار لمهددات وتحديات الأمن القومي واستهداف القوات المسلحة التي تقوم بحمايته وهو ما يؤدي بها دائماً للانقلاب على الديمقراطية مع الفشل في محاربة الفساد وتطبيق العدالة الناجزة والشفافية في كل عهود الحكم الوطني، وأوضح ن هنالك أخطاءً تمارسها الأحزاب تقودها الى عاقبة الانقلابات التي تنتج حكماً فاسداً، وطالب المكونات المدنية بمراجعات تقوم بها القوى الحزبية لكل ماضيها السياسي حاكمةً ومعارضةً، تجاوزاً لسيئ ماضيها في الحكم، تحقيقا لحكم ديمقراطي راشد ينقل السودان ويخرجه من جرثومة الفشل الديمقراطي والانقلابات العسكرية إلى حال الدول الناهضة والحديثة.

 

الطريق مُعبّدٌ بالأشواك

في الإطار، يعتقد أيوب محمد عباس رئيس تجمع شباب السودان في حديثه لـ(الصيحة) أن التغيير الحقيقي يفترض أن يتبعه سلوك، وأردف: (الديمقراطية ليست شعارات وخُطب رنّانة)، وقال إن حالة الاحتقان التي تسيطر حالياً على المشهد السياسي على المستويات كافة، سواء من جانب الأحزاب الحاكمة، أو أحزاب المعارضة، تمثل أكبر تهديد للتداول السلمي للسلطة، وهو أمرٌ غير محمود، فمن المهم أن يكون الوصول إلى نظام حكم ديمقراطي مستدام هدف الجميع، وهذا لن يتحقّق إلا بإيجاد ميثاق واتفاق وطني جامع يلتف حوله الجميع، لافتاً إلى أن الفترات الانتقالية دائماً ما تكون عقباتها كثيرة، وبخاصة أنها تأتي بعد أنظمة شمولية تكون قد عاثت فساداً ودماراً يصعب إصلاحه خلال سنة أو سنتين، وأشار إلى أن الوصول إلى بر الأمان يحتاج إلى التسلح بالإرادة القوية بعيداً عن المصالح، وأن يكون استقرار الوطن هو الغاية، وهذا يستوجب من كل المكونات السياسية في جانبي الحكومة والمعارضة تقديم تنازلات من أجل إنجاز مهام الفترة الانتقالية المتمثلة في معالجة الوضع الاقتصادي، وتحقيق السلام الشامل، وإيجاد سياسة خارجية متوازنة بعيداً عن المحاور، وبناء جيش قومي بقدرات وإمكانات هائلة، فضلاً عن إجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة، وختم قائلاً:  الطريق مُعبّدٌ بالشوك ولكن إرادة الثورة تتغلب على الأشواك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى