د. أحمد سمي جدو محمد النور يكتب : تطورات الأوضاع في تشاد وانعكاساتها على السودان (1 – 2)

 

22يناير2022م 

إن العلاقة السياسية والاجتماعية بين السودان ودولة تشاد ذات خصوصية، لأنهما بلدان متجاوران، وبينهما حدود مشتركة وامتدادات جغرافية مؤثرة، مثلت فيما مضى ولا زالت تشكل مناطق طرد وتخلخل سكاني أسهم في خلق نطاقات للتداخل اللغوي والعرقي والثقافي على طول الحدود بين البلدين. جعلت من السودان عرضة لتدفقات بشرية من تشاد باتجاه السودان بسبب موقعه الاستراتيجي المهم بالنسبة للجارة والشقيقة تشاد، خاصة وإن تشاد بلد مغلقة على نفسها وليس لديها منفذ على البحر إلا عبر السودان الذي يمثل وسطية سياسية جاذبة بحكم الاستقرار السياسي النسبي الذي يتمتّع به، وفرص العمل المتوفرة فيه، والمشاريع التنموية والشركات التي يمكن أن تستوعب أيدٍ عاملة كثيرة سواء من داخل البلاد أو عابرة للحدود. اذا علمنا بأن السودان قد ظل دائم التأثير بما يجري من أحداث مسرحها تشاد ممثلة في الكوارث  الطبيعية، والمجاعات والحروب الأهلية المدمرة والصراع حول السلطة بين الدولة والحركات المسلحة التشادية التي ظلت تنطلق من عُمق الأراضي السودانية لتغيير الوضع السياسي في تشاد. فقد انطلق حسين هبري من السودان للقضاء على حكومة جكوني عويدي عام ١٩٨٢م. وكذلك إدريس ديبي اتنو من عمق الأراضي السودانية وبمساعدة عسكرية وأمنية واستخباراتية من حكومة الإنقاذ لتغيير الوضع في تشاد، وقد نجح إدريس ديبي بالفعل في القضاء على نظام حسين هبري في ديسمبر ١٩٩٠م.

إن مقتل إدريس ديبي وبتلك الصورة الهمجية وفي ميدان المعركة، لديه دلالات إثنية وقبلية كبيرة بحسب ثقافة الكيانات القبلية المكونة للنسيج الاجتماعي التشادي والذي سوف يجعل من الدولة التشادية ميداناً واسعاً للتصفيات الجسدية التي كانت ستطال بعض الرموز التشادية ذات الصلة بمقتل الجنرال إدريس ديبي اتنو. الأمر الذي سوف يفاقم من خطورة الأوضاع بدرجة كبيرة وغير مسبوقة. ومما يزيد الطين بلّه هو استعجال إنشاء المجلس الانتقالي المكون من ١٥ من جنرالات الجيش التشادي ذوي التركيبة القبلية المحضة لإدارة الدولة لفترة انتقالية حددت بـ١٨ شهراً، تعقبها انتخابات تفضي الى ولادة نظام ديمقراطي حقيقي طال انتظار الشعب التشادي له. إلا أن الطامة الكبرى قد تمثلت في قيام  المجلس الانتقالي الذي أمر بحل البرلمان وتعطيل العمل بالدستور التشادي ، في تجاوز صريح وواضح لفقرة في الدستور التشادي تقول (في حالة خلو منصب الرئيس بالموت أو العجز يتم إسناد الرئاسة الى رئيس البرلمان ولمدة ثلاثة أشهر تُجرى خلالها انتخابات لاختيار رئيس جديد) . في إشارة الى أن نظام الرئيس إدريس ديبي مازال حاكما ومسيطرا ونافذا  وأن شيئاً لم يتغير . الأمر الذي يؤكد بأن الأوضاع السياسية في تشاد تسير بصورة متسارعة الى الأسوأ وفي طريقها الى التعقيد  والتشبيك. بحيث تصبح الدولة التشادية عرضة لعملية فوضى خلاقة واستقطاب  محلي واقليمي ودولي في مقبل الأيام.

إذا علمنا بأن الأوضاع الداخلية في تشاد هشة وغير متماسكة تماماً . فقد تتفجر بين عشية وضحاها ، وذلك للطابع القبلي والاثني للحركات المسلحة التشادية ، وانتشار السلاح ، وتعدد حركات المعارضة التشادية ، واختلاف  أجندتها ، مما ينعكس سلباً على الأوضاع الأمنية في السودان وخاصة إقليم دارفور المتاخم  للأحداث، اذا أضفنا لها منطقة الجنينة الملتهبة أصلاً ، والتي أعلنت بواسطة واليها محمد عبد الله الدومة منطقة منكوبة ، ليستقطب لها الدعم المادي والعيني المطلوب تقديمه للمواطنين الذين خرجوا من منازلهم ولاذوا  بمؤسسات الدولة، مما يزيد الحال سوءاً على سوء باحتمال قدوم لاجئين جدد من الجارة تشاد هرباً من الحرب الدائرة في تشاد بين حركات المعارضة التشادية ونظام محمد إدريس ديبي ومجلسه الانتقالي.

وبقراءة فاحصة لما يجري من تطورات سياسية أعقبت مقتل الرئيس ديبي أتنو، نجد أن دور فرنسا  في تشاد قد تضاءل  وانكمش في الآونة الأخيرة  الى حد كبير، فلم تعد تدعم نظام الرئيس ديبي كما كان في السابق، لأن إدريس ديبي قد أقحمها في صراع مصالح مع الصين عندما سمح لها بالتنقيب عن البترول في تشاد عبر شركة cnpc  المنافسة للشركة الفرنسية total. مما يُشير بوضوح بأن فرنسا قد تخلت عن حليفها القديم إدريس ديبي وأصبحت تبحث عن شخصية تشادية بديلة تتماشى  وتتماهى مع مصالحها وأهدافها في منطقة السودان الأوسط أو حوض بحيرة تشاد . فلا استبعد أن تكون فرنسا قد خططت للتخلص منه أو كانت وراء عملية مقتله بواسطة عناصر من الجيش التشادي مقربة من فرنسا وخاضعة لنفوذها الطاغي على المؤسسة العسكرية التشادية.

 

كلية الإمام الهادي

الملازمين

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى