منى أبوزيد تكتب : الجَلَّادون الأعِزَّاء..!

13يناير2022م 

“إن أي ديكتاتور سيكون معجباً جداً بوحدة وطاعة وسائل الإعلام الأمريكية”.. نعوم تشو مسكي..!

إعلام العالم الأول يضع أجندة أولوياته فتحذو حذوه حكومات وشعوب، ومع اتساع دائرة المفارقة يتضخم السؤال عن عدالة ونزاهة “الدور الأخلاقي لوسائل الإعلام”. الفيلم الأمريكي الساخر “ذيل الكلب” المأخوذ من رواية “بطل أمريكي” للكاتب “لاري بينهارت” نجح في إبراز هذا المعنى، من خلال أحداثه التي تدور حول اشتراك منتج هوليوود والقائمون على حملة الرئيس الأمريكي في افتعال إعلامي لاحداث حرب كاملة في ألبانيا، وإظهار سجين مختل عقلياً كشهيد وبطل قومي.. إلخ.. للتغطية على فضيحة أخلاقية لرئيس البلاد قبل أربعة عشر يوماً من الانتخابات الأمريكية، وهي – كما ترى – صورة كاريكاتورية لمظاهر استماتة البيت الأبيض في تلميع صورته الإعلامية أمام الناخب ودافع الضرائب الأمريكي..!

في رسالة الفيلم حكمة تقول إنّ الإعلام سلاح خطير على عدوك إذا أحسنت استغلاله، خطير في القضاء عليك إذا أسأت استخدامه، لذا لا مجال أبداً للنزق والعشوائية واللعب على أوتار الصدفة في تقديم الصورة الإعلامية، فأقل خطأ أو قصور يعني – ببساطة – أن ينصرف المتلقي عنك بقرار حاسم “ضغطة زر” مع العزم الأكيد على ألا يعود..!

منشأ خطورة الإعلام – أيضاً – هو أنّ النجاح فيه يتوقف على “الإقناع” وليس “المصداقية”، فالكذب “المَجيَّه” المُنمق والمدجج بالحجج والبراهين – وإن كانت باطلة – أحب إلى المشاهد والقارئ والمستمع من الصدق “المجهجه” المتعثّر بضعف الحجة..!

الجماهير على رأي “ألفريد هيتشكوك” – المخرج السينمائي الشهير – “وحوش” تتعاطف مع الصورة الفنية القوية وتسخر من الضعيفة حتى وإن توقفت قليلاً أمام صدقها، والجماهير بحسب “كريستيان ديور” – أشهر رواد الموضة – هم “الجلادون الأعزاء” الذين يحيا صاحب البضاعة الإعلامية بهم، وقد يموت بردود أفعالهم..!

المحطات الفضائية اليوم هي ساحات الحروب الإعلامية بين الدول من جهة، وهي – أيضاً – ساحات الصراعات السياسية والثقافية والاجتماعية بين شعوب وطوائف الدولة الواحدة من جهة أخرى، تفوز هذه وتخسر تلك، بمعارك الإقناع التي باتت أشرس حروب هذا العصر..!

بعد كل ذلك، أرجو أن تشاركني الحسرة على مشكلات الفضائيات السودانية التي لا تزال محصورة في المنافسة التقليدية على كسب خيار “الريموت كنترول” وتقديم البرامج المُقنعة بجدارتها في مضمار الترفيه والتسلية فحسب، أمّا المهارة في توجيه دفة الرأي الدولي، أو الأهلية لخوض حروب الإقناع العالمية فمآرب لا تزال بعيدة المنال بكل أسف..!

ولا يزال الغناء هو سيّد الشاشة، هو سيّد المساء والسهرة، هو سيّد الفواصل في البرامج الحوارية، وهو وسيلة الإعلانات التجارية البائسة لجذب المستهلك. الإعلام في السودان لا يزال يغني لكسب الجمهور، والجمهور “كلٌّ يغني على ليلاه”. فهل – يا تُرى – من مُذَّكِر..؟!

 

 

 

 

 

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى