أثر الراهن السِّياسي على الواقع الاقتصادي

 

الخرطوم: آثار كامل

الجُمُود السِّياسي التي تعيشه البلاد، بدأ تأثيره يظهر بصورة جلية على حياة المواطن في كلفة باهظة يدفعها ويتحمّلها في وقت اتسعت فيه فوضى الأسواق وأدت إلى موجات غلاء متتالية، مما دفع مراقبين إلى الحديث عن ضرورة مراجعة سياسة التحرير الاقتصادية أو إلغائها تماماً خلال المرحلة الحالية، فيما بات مؤخراً، وجود انفلات كبير في أسعار السلع في السوق من قبل التجار وضعف آليات الرقابة على الأسواق نتيجة ضعف ميزانية التسيير المخصصة للعمل، فما زال شبح الأزمة الاقتصادية القاسية تُرافق المواطن في حلِّه وترحاله مع ضعف الدعم الدولي بعد تعقيدات المشهد السياسي وتخبُّط الحكومة في عملية تطبيق توجيهات صندوق النقد الدولي مع تزايُد الهموم المعيشية على المواطنين.

ضبابية الرؤية

ويرى مراقبون بأن الجميع اعتادوا على عدم إيلاء المرحلة الانتقالية كثير اهتمام والشعور بالمسؤولية تجاه المواطن، وتفشّت الممارسات الاحتكارية في السلع الرئيسية، فيما تشهد حال البلاد الاقتصادية تعقيداً يوماً بعد يوم، بل إن الوضع على حافة الانهيار، مشيرين إلى أن حالة الضبابية وانعدام الرؤية في ظل عدد من المُعطيات الأخيرة بالمشهد السياسي لها أثر كبير على الوضع الاقتصادي للمواطن.

وطالب المراقبون بإيجاد ضوابط لتقليل السلبيات التي خلّفتها بعض القرارات الاقتصادية الخاطئة وخير مثال تطبيق سياسة التحرير الاقتصادي في السودان العام 1990 في بواكير عهد حكومة الإنقاذ، ورغم انتقادها إلا أن وزير المالية في ذلك العهد عبد الرحيم حمدي دافع عنها، وقال إن المؤسسات المالية الإقليمية والدولية بدأت في تطبيع علاقاتها مع السودان، بعد أن تأكّدت من جدية الحكومة في تطبيق سياسات التحرير الاقتصادي في ظل شكوى المُواطنين من ارتفاعات الأسعار وتضاؤل الدخل، فيما ترتفع مُعدّلات البطالة والفقر في أغلب المناطق بالبلاد.

جمودٌ سياسيٌّ

قال مصعب محمد علي أستاذ العلوم السياسية جامعة النيلين لـ(الصيحة) ، إن حالة الجمود السياسي المؤثر على الكلفة الاقتصادية التي يتحمّلها المواطن الآن لا بُدّ أن تُحل سياسياً في المقام الأول حتى تقل هذه الكلفة على المُواطن، لافتاً إلى أنّ الراهن السياسي المُجمّد أثّر بصورة كبيرة على المواطن في المعيشة، بجانب عزوف الشباب عن الزواج بسبب التكاليف، وقال اننا الآن نتعامل وفق سياسة بُنيت على وصفة صندوق النقد الدولي.

طريقٌ مسدودٌ

يرى الخبير الاقتصادي حسن عبد الرحمن في حديثه (للصيحة) بأن الأوضاع الآن طريقها مسدود وانعكس الأمر على الوضع الاقتصادي للمواطن، وأضاف بأن الأمر لا يعتمد على الجمود السياسي فقط، بل لا بد أن نرجع الى الخلل والعوامل الأخرى، منها قصور الرقابة وجشع التجار واستغلالهم لخروج الدولة من السوق في وضع تسعيرة تُخضع لأمزجتهم، ولفت بأن هذه الفوضى تحتاج إلى تكثيف الرقابة على الأسواق وإلزام المحال التجارية بوضع ديباجة على السلع تحدد السعر، والتوسع في إنشاء مراكز البيع المخفض وتنشيط التعاونيات في الأحياء ومواقع العمل لتوفير السلع الاستهلاكية للمواطنين بسعر المصنع، مع تكفُّل الحكومة بمصروفات النقل والتكاليف التشغيلية لهذه المواقع وإعفائها من الرسوم والجبايات، لضمان وصول السلع للمُستهلكين بأقل الأسعار.

ارتفاع نسبة العنوسة

كشف أستاذ العلوم الاجتماعية ناجي الفضل، عن ارتفاع كبير في نسبة العنوسة بولاية الخرطوم خلال الأشهر الماضية بسبب الضائقة الاقتصادية التي يُعاني منها السودان منذ فترة، وأكد لـ(الصيحة) أن نسبة الطلاق بولاية الخرطوم زادت أيضاً، موضحاً أن المواطن السوداني يعيش ظروفاً أكثر من قاسية وأن مسؤوليات المنزل تتضاعف عليه يوماً بعد الآخر، مشيراً إلى أن نقص الضروريات يُحوِّل الحياة إلى جحيم!!!

الإنتاج الحل

إن حالة التجمد والتمترس السياسي الذي تشهده البلاد عقب إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر، جعل الوضع الاقتصادي أكثر تدهوراً في ظل توقُّف الإنتاج وتبقى المعضلة الأساسية هي دفع المواطن هذه الكلفة في ظل ازدياد المُشكلات، منها ما هو موروثٌ من العهد السابق، كتدني الإنتاج وتدهور العُملة، بيد أنّ الفشل في إدارة الاقتصاد أهم سِمة خلال العامين الماضيين بسبب الصراع السياسي، ما عطّل تنفيذ أي سياسات إصلاحية في الاقتصاد وإهمال قطاعات الإنتاج.

من جانب آخر، كشف الخبير الاقتصادي د. محمد الناير، عن ارتفاع الدَّين الخارجي من 1.3 تريليون جنيه إلى 6.24 تريليون جنيه بزيادة 400 بالمئة، من أصل الدَّين البالغ 56 مليار دولار.

 

وصوّب الناير، انتقادات خلال منتدى إضراب العاملين وآثاره على المرافق العامة يوم السبت، إلى قرار خفض قيمة سعر الصرف، بصورة حادة ليصبح 375 جنيهاً بدلاً من 55 جنيهاً.

وذكر أنّ المستهدف من الناتج المحلي الإجمالي عام 2021م بلغ 9.5 تريليون جنيه مُقارنةً بقيمة الدولار 55 جنيهاً بلغ 108 مليارات دولار لينخفض إلى 5.13 مليار جنيه.

ورأى الناير أن ضعف الرواتب هي سبب أساسي لغياب 50 بالمئة من العاملين عن العمل وليس بسبب جائحة كورونا، وتابع: انخفض متوسط دخل الفرد من 250 دولارا الى 4.3 دولار فقط، وارتفع معدل الفقر من 60% إلى80% وفق حديثه.

وأشار الناير إلى عدم اهتمام الحكومة بالاقتصاد هذه الأيام بسبب عدم الاستقرار السياسي، وقال لا اقتصاد بلا استقرار سياسي، مبيناً أنه ولأول مرة يدخل العام الجديد بلا موازنة للدولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى