في ظل مُطالبات بها الأحزاب السِّياسيَّة.. ماذا أعدّت لمُواجهة الانتخابات؟!

 

تقرير: نجدة بشارة  10يناير2022م 

في ظل تَصَاعُد الأزمة السِّياسيَّة، عادت الأصوات تُنادي بِقُوة الى الترتيب لانتخابات كخيار مطروح لمعالجة مشكلات البلاد والخروج من الأزمة السياسية، وتكررت دعوات رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان لإقامة انتخابات حرة نزيهة وشفافة يُفوِّض فيها الشعب مَن يختاره ليحكم، ولفت الى أنه لا بد من استخلاص الدروس والعبر من تاريخنا وتاريخ غيرنا من الأمم، فالتنازع حول السلطة والانفراد بها وما ترتب عليه من إزهاق للأرواح وإتلاف للممتلكات وتعطيل لحياة الناس، يوجب علينا جميعاً تحكيم صوت العقل، ووجه مجلس السيادة الانتقالي بالبدء في اتخاذ الاستعدادات اللازمة لإجراء الانتخابات المقبلة التي ستفضي إلى ترسيخ الانتقال الديمقراطي، والذي يوافق للجدولة التي أعدتها المفوضية القومية للانتخابات وتبدأ مطلع يناير 2023 وتنتهي في يوليو 2023.

المَخرج الآمن

الإمام الراحل الصادق المهدي، كان قد رسم صورة قاتمة للاوضاع السياسية ازاء بسط نفوذ الحرية والتغيير وغياب الوفاق السياسي، فوضع ثلاثة سيناريوهات هي الفوضى، أو الانقلاب العسكري، أو القفز لانتخابات مبكرة، في ظل تباين وتباعد مواقف قوى الحرية والتغيير، إلا أن اتفاقية السلام كانت قد اعادت تشكيل المشهد وادخلت لاعبين جدداً للمسرح السياسي.

مُناورة سِياسيّة

لكن في السياق، ينظر كثير من المُتابعين للدعوة المطروحة وإجراء الانتخابات بالريبة والشك والمناورة السياسية، لا سيما وإن بحر عام واحد لن يكفي لاكتمال الترتيبات واستعدادات الأحزاب لخوض النزال الانتخابي في التوقيت المضروب، من تكوين المفوضيات، والإحصاء السكاني للتوزيع الجغرافي، إضافةً إلى استعداد الأحزاب وإقامة مؤتمراتها العامة وحشد عضويتها.

وتساءل مُتابعون وخبراء ومحللون، عن فرص قيام الانتخابات بداية العام القادم، ومدى جاهزية الأحزاب السياسية لخوض السباق الانتخابي؟ وهل هي الحل الوحيد لأزمة السودان؟ ولعل الدعوة لها ظلت تجد الرفض القاطع وسط غالبية القوى السياسية التي تعتبر أنّ مثل هذه الدعوات لا تخرج عن كونها تلويحات سياسية بل ذهب البعض لوصفها بالانقلاب على الثورة، والإجهاز على الوثيقة الدستورية التي تبين فرص تهيئة البلاد للانتخابات من خلال وضع قوانين تُساعد في الوصول الى الديمقراطية المنشودة، فيما رأى مراقبون أن قيام الانتخابات دون إنجاز مهام الفترة الانتقالية ستكون له آثار مدمرة أكثر مما مضى في ظل الأطماع الدولية الإقليمية، خاصةً بعد قرارات البرهان التصحيحية في الخامس والعشرين من أكتوبر.

هروبٌ من الواقع

اعتبر القيادي بقوى الحرية والتغيير، رئيس حزب البعث التجاني مصطفى لـ(الصيحة) أن مجرد الحديث عن الانتخابات في هذه الظروف السياسية يعد هروباً من ارض الواقع وقد لا تحقق مخرجا ديمقراطيا حقيقيا، وأردف قد تكون هذه الدعوة كمن يبحث عن تبديد الوقت وبدلاً من التفكير في الحلول المناسبة للفترة الانتقالية (نحرث في البحر)، وأضاف بأن المناخ السياسي غير مُهيأ الآن، وأردف (كيف ندعو مواطناً يعاني الجوع وعدم حصوله على الدواء الى صندوق الاقتراع للتصويت)، لذلك مَن يدعو للانتخابات يُمارس هروباً من الواقع، ويرى مصطفى أن هنالك مطلوبات سياسية ودستورية لا بد من انفاذها لتهيئة الملعب للانتخابات، وهذه المطلوبات والتحضيرات مثل تعديل القوانين وإنشاء المفوضية وتهيئة مناخ الحريات، وقال: هذه التحضيرات مُهمة لتساهم في صنع الاستقرار السياسي وإعطاء نتائج مُرضية.

 

تهيئة المناخ

يرى رئيس اللجنة القانونية لحزب الأمة القومي آدم جريجير خلال حديثه لـ(الصيحة) أن الدعوة للانتخابات طبيعية، لجهة أنّ الأحزاب السياسية مُهمتها الفعلية تتمثّل في الإعداد والترتيب وتهيئة قواعدها لخوض السباقات الانتخابية، مُضيفاً بأن هذه  نتيجة للتطور الديمقراطي، وأوضح جريجير بأنّ الدولة لا تخُوض الانتخابات بالأمنيات أو الرّغبة، وإنّما تحتاج لإعادة تهيئة للمناخ السياسي، لا سيما وأنّ البلاد خرجت من حكم شُمُولي، وإنّ النظام البائد ظَلّ يطوق الأحزاب السياسية ويقيد حرياتها، وأضاف قائلاً: لا أعتقد أنّ هنالك أيِّ حزب جاهزٌ حالياً ليخُوض الانتخابات، وأردف كنا نتطلّع لاستقرار الفترة الانتقالية، وأن تكون على الأقل ثلاث سنوات حتى تُتاح للأحزاب بناء نفسها وقواعدها، وأضاف: أيضاً تحتاج الدولة لتكوين المُفوضيات، وإجراء الإحصاء السُّكّاني، إضَافةً إلى سَن القوانين والتشريعات.

عدم جدية

يرى المحلل السياسي د. الفاضل عباس في حديثه لـ(الصيحة) أن قضية الاستحقاق الانتخابي وردت في الوثيقة الدستورية وتوضِّح أنّ الفترة الانتقالية بين سنتين إلى ثلاث، وأردف قائلاً: الآن الفترة الانتقالية غير واضحة وبها الكثير من الاضطرابات، ولا تُوجد أي إرهاصات أو جدية تجاه الانتخابات، وفسّر لا توجد أيِّ استعدادات وعدم تكوين مفوضية الانتخابات أو حتى إثارة أي حديث رسمي عنها، وبالتالي لا توجد أي جدية وهذا يشير الى تبييت النوايا وكل له مآرب، وطالب بضرورة إظهار الجدية من قبل الحكومة الانتقالية، ولفت عباس بأن التسويف الذي تُمارسه الحكومة تتعمّد به إبطاء عملية الانتقال الديمقراطي، والانفتاح للدولة المدنية، وبالتالي لا بد من معرفة أسس الديمقراطية وهي لا تنحصر في الحكم، وإنما في تنشيط المفوضيات والنقابات، وبالتالي الانتخابات النزيهة، ولفت خلال جوابه على جاهزية الأحزاب السياسية لخوضها، قال عباس إن تجربة الإنقاذ في الثلاثين سنة من حكمها وهيمنة حزب واحد، لم يترك أحزاباً ذات وزن أو ثقل قاعدي كبير في الساحة, نسبة للمحاولات المتكررة لحزب المؤتمر الوطني لإضعاف الأحزاب وجعل كل من يُغرِّد خارج سرب الوطني، لكن هنالك القليل من الإرث الحزبي نسبةً لقدم بعض الأحزاب وأصول بعضها منذ 1949م، وأردف بأن تجربة السودان وضعف الأحزاب خاضتها دول كبيرة استطاعت أن تنهض بعض ان دمرت الأحزاب.

 

خيار مطروح

وحسب المحلل السياسي الطريفي كرمنو في حديثه لـ(الصيحة) فإنّ خيار الانتخابات أصبح مطروحا بقوة في ظل الأزمة الراهنة وغياب التوافق بين المكونات التي تقود الفترة الانتقالية،  خاصةً وان هذا الخيار يمثل الخطوة التالية للانتقالية، واردف  كرمنو: لكن أعتقد هنالك تباطؤا من قبل شركاء الحكومة الحالية في عدم تكوين المجالس التشريعية حتى الآن، وبالتالي فإن إطالة أمد الانتقالية كان خرقا للوثيقة وتجاوزا صريحا، وبسؤاله عن أن الانتخابات تحتاج لاستعدادات ومطلوبات، قال ان الانتقالية في مفهومها فترة للاستعداد والتحضير للانتخابات، مشيراً الى أن المخرج الآمن لهذه الأزمة تتمثل في قيام الانتخابات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى