سراج الدين مصطفى يكتب :نقر الأصابع .

8يناير2022م 

 

محجوب عثمان.. تأمُّلات في مسيرة مبدع في طي النسيان!!

في مديتنا الحبيبة كوستي .. مازالت بعض الخواطر والذكريات توشوش في الخاطر.. تفاصيل عشناها لا يُمكن نسيانها أبداً مهما باعدت بيننا المسافات وحرمتنا من الكثير من الأشياء الحبيبة التي تسكن أقصى مكان في الذاكرة .. لأن كوستي ليست كبقية المدن.. فهي رغم فقرها البادي على ملامحها ولكنها ذات سمة اجتماعية يندر وجودها .. والتشابك الاجتماعي مازال هو الملمح الأبرز فيها .. لذلك نشتاقها كثيراً رغم ضجيج العاصمة التي أخذت منا ما أخذت ولم تضف لنا شيئاً جديداً سوى التعب والرهق الذي لا ينتهي.

في الحي الذي أسكن فيها هناك.. كنت أكثر ميلاً وحباً لصديقي بشير سليمان.. فهو شاب مختلف وجدير بالتأمل.. تفاصيله لا تشبه الآخرين.. كنت أحبه جداً لأن (حاجاته بتشبه حاجاتي) كما يقال بلغة هذا الزمن.. بشير سليمان شاب على درجة عالية من الثقافة والمعرفة.. متميز بين أقرانه من شباب الحي.. لذلك تجدني حريصاً عليه دون غيره لأنني أجد فيه نفسي وهو كان النصف الآخر وحتى الآن رغم اللقاءات المتباعدة، ولكن الزمن فشل في أن يجعلنا غرباء.

صديقي بشير سليمان إنسان متعمق الثقافة الفنية.. يحفظ الغناء السوداني وتواريخه.. مُدرك لكل صغيرة وكبيرة.. يعرف كل الفنانين معرفة جيدة.. وله في ذلك تأمُّلات وملاحظات جديرة بالتوقف والمعاينة.. وأنا كثيراً ما أتعلم وأتعرف منه على بعض المعلومات الغائبة عني.. فهو مثلاً يمكن أن يحدثك وباستفاضة عن أحمد فرح.. وود المقرن.. ومهلة العبادية وعن محجوب عثمان صاحب القلب المأسور.. وعن الكثير المثير عن سير وتواريخ من جهلهم التاريخ الغنائي وجعلهم في وضعية الوجوه المنسية.

أهداني بشير سليمان شريط كاسيت عالي القيمة للفنان الراحل محجوب عثمان.. ومحجوب هذا واحدٌ من الذين وجدوا الإهمال في حياتهم أو بعد مماتهم.. لم تقرأ تجربته جيداً ولم تجد حظها من التقدير رغم أنه رفد مكتبة الأغنية السودانية بالعديد من الروائع الجميلة التي كانت تحتشد بالقيمة الفنية العالية.. ولكن أجهزة الإعلام عندنا تضئ كشافاتها على من لا يستحقون وتتجاهل فنانين أثروا الحياة الفنية بدرر غالية لا يجود الزمان بمثلها.

حينما بحثت عن سيرة الفنان محجوب عثمان لم أجد الكثير الذي يوازي قيمته الفنية.. وإن قال البعض عنه بأنه (يعتبر الفنان محجوب عثمان من أصحاب الأصوات النادرة الذين أسهموا بقدر كبير في النهضة الغنائية السودانية وتغيير النمط التقليدي للغناء الذي كان يعتمد على الرق والطبل). وفي طليعة أولئك رائد الغناء السوداني “محمد أحمد سرور وعمر أحمـد والمجدد إبراهيم الكاشف وود الأمين وأبو عركي وعبد العزيز المبارك وهناك رمضان حسن ورمضان زايد والخير عثمان ومحمد مسكين”.

الفنان محجوب عثمان من مواليد ثلاثينيات القرن الماضي، ولد وترعرع بحي “الدباغة” بود مدني. وقد تلقى تعليمه بخلوة والده وكان لهذه الأجواء الصوفية الأثر الطيب في نفس فناننــا الجميل محجوب عثمان، وقوّم لسانه دراسته للقرآن الكريم وتجويده والتملي بخير الكلام الذي أنشد وقيل في مدح المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم وكذلك الأناشيد الدينية ساعده في ذلك صوته الجميل.

يذكر أن الأستاذ إسماعيل خورشيد والذي كان حاضراً قد ألّف أغنيته الشهيرة “الفردوس” أثناء حفل الزواج وقد لحّنها الفنان محجوب عثمان وغنّاها في الإذاعة السودانية مباشرةً. وقد عمل الفنان محجوب عثمان في صباه بحياكة الملابس.. وعند إضراب الفنانين الشهير هاجر للعاصمة، حيث عمل ترزياً بسوق أم درمان، وهناك تعرّف على عدد من الفنانين والشعراء، ومن أهم الشعراء الذين تعرّف عليهم وبنى معهم علاقات طيبة الأستاذ عبد الرحمن الريح والأستاذ السر أحمد قدور والأستاذ عبد اللطيف صبحي والأستاذ إسماعيل خورشيد وكان للأخير القدح المعلى في كتابة معظم الأغاني التي تغنّى بها محجوب عثمان.

وكانت بداياته بتقليد بعض كبار الفنانين ثم ظهر بصورة قوية عند الإضراب الشهير للفنانين الكبار (إبراهيم الكاشف، أحمد المصطفى، حسن عطية، عثمان الشفيع وعثمان حسين) وذلك في مطلع الخمسينيات، وهؤلاء شكّلوا ما يشبه بالنقابة أو الرابطة بزعامة الفنان إبراهيم الكاشف للدفاع عن حقوقهم والمُطالبة برفع أجور تسجيل الأغاني للإذاعة السودانية وحفلاتها المُذاعة على الهواء مباشرة.

شكراً لبشير سليمان الذي جعلني أتوقّف في سيرة هذا الفنان العظيم الذي تجاهلناه حياً وميتاً!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى