الأزمة السياسية في السُّودان.. ضغوطٌ إقليميةٌ ودوليّة لأجل التحوُّل المدني

 

الخرطوم: آثار كامل    8يناير2022م 

في ظل تصاعد الأزمة السياسية في السودان، ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تضغط بشكل قوي من أجل ضمان استمرار العملية السياسية في السودان، والحفاظ على الديمقراطية التي يسعى اليها المحتجون في شوارع البلاد، حيث حثّت أمريكا مجلس السيادة على ان يكون هناك انتقال يقودة مدنيون في السودان من خلال إجرائها اتصالاً بواسطة “مولي فيي” مساعدة وزير الخارجية الامريكي للشؤون الأفريقية التي أكدت على ضرورة استكمال ترتيبات الانتقال الديمقراطي وصولاً الى انتخابات بنهاية الفترة الانتقالية، فيما نجد أن الاتحاد الأوروبي ودول الترويكا طالبا بشدة السودانيين للالتزام بحوار فوري بقيادة سودانية ودعم دولي لمعالجة قضايا الفترة الانتقالية، كما جدد الاتحاد الأوروبي التأكيد على الحاجة لإجراء تحقيقات مستقلة في جميع الوفيات وما يرتبط بها من أعمال عنف خلال التظاهرات التي جاءت بعد الخامس والعشرين من اكتوبر من العام الماضي.

ويرى مراقبون أن الأوضاع في السودان لا تزال تدور في نفق الأزمة ودهاليزها، ولا بد من إيجاد  مخرج، ولكن في ظل التعنت يبدو انه أصبح بعيد المنال، ففي الوقت الذي يتحدث فيه الكثيرون عن ضوء بدأ في آخر النفق، يصطدم التفاؤل بالواقع الذي يؤكد ان الأزمة لا تبرح مكانها وتظل عالقة تمضي خطوة للامام وخطوة للخلف، مشيرين الى ان الشارع لديه مطالب واضحة ولا ينوي التراجع عنها تتمثل في التأسيس للدولة الديمقراطية.

 

ويضيف المراقبون بانه اذا استمر المشهد بهذا الأمر فلن يجني الجميع اي ايجابيات، بل مزيداً من دماء الشباب في ظل قمع القوات الامنية المستمر، وذكروا ان المخرج الآمن يتمحور في  وحدة القوى السياسية المؤمنة بالمسيرة الديمقراطية وتسليم السلطة لمدنيين وتشكيل حكومة ديمقراطية حرة, واكدوا ان  الحوار وهو ما يفضي الى الانتقال عبر صيغة مدنية ترضي الجميع, وقيام مائدة مستديرة  تتوافق عليها الاطراف على الحد الادنى الذي يحفظ السودان من الاحتراب والصراعات المُميتة.

 

“يونيتامس” والحوار السوداني

 

الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى الى ضمان استقرار العملية السياسية في السودان، دعت الى الاستفادة من بعثة الامم المحدة لدعم الانتقال في السودان (يونيتامس) كوسيط لتقريب وجهات النظر بين الأطراف في السودان، بجانب دعم قيام حوار سوداني سوداني لتجاوز الأزمة الراهنة واستعدادها والمجتمع الدولي كافة لتقديم كل ما من شأنه مساعدة السودانيين لتحقيق الاستقرار والتحول الديمقراطي، ونجد ان بعثة الأمم المتّحدة المتكاملة للسودان (يونيتامس) تشكلت بقرار مجلس الأمن رقم (2525)، وهي بعثة سياسية فنية لا يتجاوز عدد أفرادها (500) فرد يترأسها فولكر بيرتس، وصدر قرار تشكليها بناءً على الطلب الذي قدّمه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك لدعم الانتقال في السودان تحت الفصل السادس للأمم المتحدة, واثار هذا الطلب في وقتها، حالة من الانقسام وسط المكونات السياسية السودانية بين مؤيد ورافض، واعتبر الرافضون ان الطلب انتهاكٌ للسيادة الوطنية واستعمار جديد للسودان، ويرى المؤيدون خاصة قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة وغيرها من الجهات التي تنادي بالحكم المدني، أن البعثة تمثل صمام أمان للفترة الانتقالية ووصولها إلى الحكم الديموقراطي وإرساء دعائم الحكم المدني وتنفيذ اتفاقات السلام وترسيخها وقطع الطريق على العسكريين للانقضاض مرة أخرى على الحكم الديمقراطي، وهناك من يرى بأن البعثة الأممية (يونيتامس) تأثرت بما حدث من تغيير في صبيحة (25) أكتوبر بعد ذهاب حكومة الشراكة التي جاءت بها، ما يعني انتهاء مهمتها، وبالتالي اصبحت هذه البعثة مشلولة وغير قادرة على التحرك وفق مهامها التي جاء بها للعمل في السودان.

 

المبعوث الجديد

تنتظر الدبلوماسي ديفيد ساترفيلد الذي عينّته الولايات المتحدة مبعوثاً جديداً للسودان وإثيوبيا خلفاً لجيفري فيلتمان الذي قدم استقالته، ملفات صعبة وأوضاع معقدة في البلدين، خَاصّةً السودان الذي يشهد وضعاً سياسياً معقداً، فيما قالت الخارجية الامريكية ان ديفيد يمتلك خبرة طويلة في منطقة الشرق الأوسط، وعمله في بعض نزاعات العالم الأكثر صعوبة ستكون متواصلة لدعم السلام في القرن الأفريقي، فيما لا زالت تسعى إلى عقد محادثات في اديس ابابا مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي احمد  لعكس أي زخم إيجابي على أرض الواقع، لعل ديفيد الذي تولى ملف الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والرئيس رجب طيب اردوغان ينجح في الوصول الى حل والتعامل مع أزمتي السودان وإثيوبيا وإحداث نتائج إيجابية.

 

عودة العلاقات

معلومٌ أن العلاقات بين الخرطوم وواشنطن بدأت تعود تدريجياً الى وضعها الطبيعي بعد ثورة ديسمبر المجيدة التي أطاحت بنظام الإنقاذ وعزلت البشير، حيث شهدت حقبته تدهوراً مريعاً،  فضلاً عن فرض عقوبات اقتصادية قاسية انعكست سلباً على كل فصائل الشعب السوداني، وشكّلت ثورة ديسمبر المجيدة نقطة تحول في تاريخ السودان والعلاقات السودانية الأمريكية  عموماً، ونجد علاقات الخرطوم بواشنطن انخرطت بشكل جاد في دعم الثورة والحكم المدني، وأطلقت برنامجاً لمساعدات السودان ورفعت اسمه من قائمة الإرهاب، وغيرها من خطوات مشجعة للتحول الديمقراطي في السودان، لجهة أن واشنطن تضع نصب أعينها الأهمية الاستراتيجية للسودان بمنطقة القرن الأفريقي الملتهبة.

 

بعض الجمود

أدّت أحداث الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي لبعض الجمود في العلاقات السودانية الأمريكية وفق ما أشار اليه أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية احمد حسن الشيخ، حيث أبدت واشنطن قلقها حيال الأوضاع في السودان، لجهة أن الخطوة من شأنها إعاقة المسار الديمقراطي في السودان، واشار في حديثه لـ(الصيحة) الى ان واشنطن تراقب ما يجري من خطوات عملية من قبل الجيش، الا انها  فكت حالة الجمود عبر ترحيبها بالإعلان المُوقع بين البرهان ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، غير ان واشنطن اعتبرت ذلك خطوة اولى ورهنت فك المساعدات المالية بما يحدث من خطوات عملية في مسار التحول الديمقراطي ورفع حالة الطوارئ وإطلاق حوار بين المكونين العسكري والمدني وعودة الشراكة بينهما وفق الوثيقة الدستورية.

 

الفُرصة الأخيرة

تحركات الولايات المتحدة في دعم الانتقال في السودان تأتي ضمن تحركات دولية واقليمية، واعتبرها المحلل السياسي صابر الحاج  في حديثه لـ(الصيحة) بأنها فرصة أخيرة للشركاء لاحتواء الأزمة والعبور بالانتقال الى بر الامان، وصولاً للتحول الديمقراطي الذي ضحى من أجله الشباب، ولفت الحاج بأن  المبعوث الأمريكي المعين حديثاً ديفيد ساترفيلد له خبرة في التعامل مع الأزمات ويمثل الفرصة الأخيرة للشركاء لاحتواء الموقف، وقال اذا لم تُجد تحركاته، فإن الازمة ستعصف بوحدة واستقرار البلاد، وأبدى أسفه للوصول بالأزمة بين الشركاء لهذا الحد الذي تتوالى فيه الوساطات لإصلاحه من دول الجوار الإقليمي والدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى