منى أبوزيد تكتب : في الإجماع والقياس..!

4يناير2022م 

“إن الحضارة لا يمثلها الغرب أو الشرق، بل يمثلها الإنسان القادر على تذوق الجمال أينما يراه”.. الصادق النيهوم..!

مفارقات طريفة في مجتمعنا أنتجها الاستلاب الثقافي، أولها وأولاها انتشار ظاهرة العنوسة من جهة، وكثرة الأسباب غير الواقعية لرفض الزيجات من جهة أخرى. فكثيراً ما نسمع اليوم عن قصص طريفة لفتيات يرفضن الزواج من رجال يتمتعون بكل الصفات المناسبة، لأسباب تافهة جداً..!

قد يجد العريس – الذي كان الزواج منه محل تفكير – أنه قد بات مرفوضاً، فقط لأنه قام بتغميس قطعة من الكيك الإنجليزي في فنجان الشاي باللبن، أثناء جلسة رومانسية مع زوجة المستقبل!، أو لأنه قد تم ضبطه متلبساً بجنحة لبس حذاء غير مناسب ذات لقاء. وربما لأنه قد ارتكب جريمة أكثر بشاعة “تجشأ أو تمخَّط أمام إحدى صديقات العروس”، ولن يشفع له استخدام للمنديل، ولن يرق له قلب العروس – جراء ذلك – وإن تعلل بالزكام..!

تسأل الفتاة عن أسباب رفضها لهذا العريس أو ذاك فتحدثك بازدراء عن سقوطه في امتحان “الإتيكيت”، لكنك إذا ما سألتها ما هو ذلك الإتيكيت؟!. أو ما هي أبجديات الإتيكيت الاجتماعي التي يجب مُراعاتها ليكون الإنسان في مأمن من السلوكيات المتخلفة في حضرة القوم الراقين، لن تجد عندها سوى إجابات عائمة، هزيلة، ومستوردة من حسابات الفيس بوك ومقاطع الواتس آب..!

الطريف جداً أنك إذا جرّبت أن تخضع تصرفاتها – هي نفسها – لمعايير السلوك الاجتماعي السليم ومقاييس الذوق والتحضر و”الشياكة” والأناقة، ستفاجأ بكونها “قادَّة” في جميع المواد!. وتلك لعمري أسوأ مسالك الإسقاط الاجتماعي وأخطر مهالك الاستلاب الثقافي..!

حسناً!، فهمنا أن البعض يريد من الجميع أن يتواطأ مع رياح الرقي والأناقة التي هبّت عليه فجأةً، وأن يتذمّر في المقابل من بقاء الآخرين من بعض أقاربه أو معارفه على حالهم، فيفرض وصايته الاستعلائية على سلوك الآخرين لأنه قد اكتشف – ذات سياحة إسفيرية – بأن هنالك عوالم جديدة تشجب هذه السلوكيات المألوفة لدينا، وإن كانت خاطئة عند غيرنا..!

ولكن!، حتى القاعدة الأولى من قواعد الإتيكيت – نفسه – تنص على أنه يجوز لنا أن نكسر بعضه وأن نحطمه تحطيماً إذا ناقض فينا ثَوابتَ إنسانية عامة، كالدين والعادات والتقاليد والصحة العامة، وذلك بحسب الأعراف الدولية نفسها. فما هو الإتيكيت إن لم يكن قناعة في المقام الأول..؟!

أسلوب التحية وطريقة المصافحة وآداب المحادثة واللهجة وآداب الزيارة والضيافة والاستئذان وطريقة تقديم الهدايا، واحترام المواعيد وآداب التعامل مع المرضى والأناقة في الملبس وآداب الموائد …إلخ.. كل هذه القواعد المنسوبة إلى الإتيكيت تكاد تطابق ما كان عليه الحال في عصر الصحابة “يا غلام، سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك”، “من عرض عليه ريحان فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الريح” …إلخ …إلخ..!

حتى سحب الرجال لمقاعد المطاعم لمساعدة السيدات على الجلوس، أو فتح أبواب السيارات قبل دخولن، هو موروث قديم، فقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يجلس على الأرض، ويطلب من زوجته أن تقف على رجله قبل أن تركب الراحلة..!

سيداتي، آنساتي، لا ضير من بعض الكيك في أكواب الشاي، ولو كان ذلك مَدعاةً لرفض العرسان لما تزوّجت نصف نساء السودان..!

 

 

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى