بين لاءات الشارع الثلاثة والأزمة.. هل من سبيل للخروج؟

 

تقرير- نجدة بشارة   29ديسمبر2021م

كردة فعل على  قرارات رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان التصحيحية  ليلة  الخامس والعشرين من أكتوبر ، رفع الشباب الثائر (بالشارع) ثلاثة شعارات، أن “لا تفاوض، لا مساومة  ولا شراكة” مع المكون العسكري.

لخبراء ومحللين، فان هذه الشعارات تذهب بعيداً عن الواقع ، لا سيما وان لا دولة بلا توافق بين المدنيين والعسكريين في ادارتها ، لا مدنية دون أمن وحماية ، ولا سلطة للمكون العسكري بلا سياسيين ومدنيين .. اذن المعادلة تحتمل وجود طرفين حتى يحدث التوازن ، تماماً كما حدث بعد سقوط النظام المعزول وجرى تضمينها في الوثيقة الدستورية ، لتدار بموجبها المرحلة الانتقالية.

لكن وبالنظر الى الأرض الآن  ، نجد أن هنالك  حالة من انسداد الافق السياسي وشللاً تاماً على كل مناحي الحياة، تفاقمت الأزمة المعيشية ، تعطل تكوين الحكومة ، وقد تتفاقم في حال صدقت تلويحات رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بالاستقالة.

إذن كيف اذا وضعنا الشعار في اطار البحث والتمحيص  لإيجاد معالجة سياسية، ومنطقة وسطى لاحتواء الازمة السياسية السودانية قبل انفراط العقد؟.. وهل من سبيل للخروج من هذه الازمة؟ وهل من بصيص نور يعيد الحرارة إلى الشراكة بين مكونات الفترة الانتقالية؟

 

اللاءات الثلاثة

 

تعيد اللاءات التي رفعتها القوى الثورية “لا تفاوض، لا مساومة ولا شراكة”، بلاءات ثلاثة أخرى رفعها القادة العرب في قمة الخرطوم الشهيرة عقب هزيمة يونيو 1967 وهي: لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض مع إسرائيل، ومع الفارق بين الحدثين والزمنين، غير أن أصحاب الموقف الجديد كانوا لصالح مواقف داخلية وبين أصحاب مصلحة واحدة وهي إخراج البلاد من عنق الزجاجة الى رحاب التوافق والرضاء لادارة المرحلة.

 

ويرى محللون ان معطيات المشهد السياسي الماثل الآن تتطلب ضرورة مراجعة المواقف السياسية لأطراف الصراع القائم الآن وبالتركيز على دور وواجب السلطة الحاكمة الآن بحسبانها ذات المسؤولية الوطنية الاولى عن أي كارثة وطنية قد تحدث وفق معطيات المشهد السياسي السيئ الماثل الآن، حيث لا وطن، بل ولا سلطة اذا لم تأخذ كافة الاطراف بعوامل الحوار والتفاوض والتنازل، بعيداً عن سقوف المطالب والجمود فيها، والا فلا وطن يلم شمل السودانيين، وأن يتبع هذا التوافق على ميثاق وطني شامل تحدد فيه المطلوبات السياسية المطروحة الآن، ويؤسس من خلاله لحكم مدني يستوعب فيه الكافة في إطار حقوق المواطنة، وتصبح فيه القوات المسلحة بعيداً عن السلطة، مع التأكيد على دورها الدستوري والرقابي لمسار الفترة الانتقالي، حفاظاً وحماية للأمن القومي مع اعتباريتها ميثاقاً وقوانين وبما يحافظ على معنوياتها ويعيد هيبتها واستقرارها.

 

تجمع المهنيين: نخشى على الثورة!

 

وعلق القيادي بتجمع المهنيين الذي يقود الشارع د. وليد علي لـ(الصيحة) بأن هنالك أربعة شعارات رفعها الشارع، أن لا مساومة ، لا تفاوض ولا شراكة ، ورهن حل الازمة بالاستجابة لرغبة الشارع ، وقال ان الشارع يستشعر خطورة الموقف ويخشى على ثورته من وجود ممثلين للنظام البائد بالسلطة.

وعن وجود حلول وسطى للخروج من الأزمة، قال لا يمكن ان يكون هنالك حوار ما لم تنتف اسباب بقاء ممثلين للنظام السابق بالسلطة، وزاد ان هنالك الكثير من الاجراءات والشواهد التي تشير الى إرجاع النظام المعزول لسدة الحكم.

تعوزها العقلانية

لكن في الاتجاه الآخر، يرى الخبير الاستراتيجي الفريق محمد بشير سليمان تعليقاً على شعار(لا تفاوض .. لا شراكة .. لا شرعية), وقال لـ(الصيحة): لا شك ان شعار (لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية) الذي اعلنته وتردده لجان المقاومة والقوى السياسية التي تسعى لإسقاط السلطة الحاكمة الآن بشقيها العسكري والمدني قد أسقط كل المفاهيم والوسائل السياسية التي تقوم عليها ركائز السياسة المرتبطة بحكم وإدارة الدولة بناء وحماية لأمنها القومي وبما يؤدي للحفاظ على وحدتها وتماسك شعبها، وفي ذات الوقت ألغى سمات السياسة من فن ومبادئ مهمة كالمرونة والمناورة بدلاً من التأسيس لحالة الجمود، واردف ارى ان هذه الشعارات تعوزها العقلانية والحكمة التي كم هي مطلوبة الآن في إطار البُعد الوطني الكلي وبما يتجاوز الازمة السياسية الوطنية التي أراها الآن تتدحرج نحو التحول لكارثة وطنية حسب قوله.

وزاد بقوله: قد تقود حالة الانسداد السياسي الى ان يتحول الوطن بسببها الى حالة اللا دولة، وقد يؤدي لحالة الفوضى الخلاقة التي يدفع في اتجاهها البُعد الخارجي الذي يؤسس لها كآخر مراحل استراتيجيته لتفكيك السودان وتحويله لدويلات، والمؤسف ان يتم ذلك بأيدي السودانيين أنفسهم.

 

وتساءل بشير هل يسعد الذين يديرون مقاومتهم للسلطة ايا كانت بشعار لا تفاوض ولا شراكة ولا شريعة، بسماع او ترديد كلمات (هنا كان وطن اسمه السودان) ، والذين سيكونوا نتيجة لذلك في حالات نزوح ولجوء ومسغبة وتشرُّد وفي وقت لا تقبل كل الدول استضافتهم بما ذلك الدول التي يدعون باطلاً انها صديقة السودان وذات رعاية لحقوق الإنسان، والأمثلة لذلك نعيشها واقعاً وما حال سوريا وليبيا واليمن والعراق وما يجري بدول (أوروبا الغربية) محاصرة للاجئين وغيرها ليس ببعيد. فما بال القوم لا يتدبرون؟!!

نقاط التقاء ولكن!

بينما ذهب المحلل السياسي عبد الرحمن أبو خريس في حديثه  لـ( الصيحة ) للبحث عن نقاط الالتقاء والمشتركات بين المكونات السياسية التي تقود الشارع من جهة والمكون العسكري في سدة السلطة، منها ان كل الأطراف تؤمن وتدعو للدولة المدنية والتحول الديمقراطي ، اضف الى ذلك هنالك اتفاق وفقاً لنص الوثيقة الدستورية على تشكيل حكومة تكنوقراط، وقال كل هذه مؤشرات لنقاط التقاء، وذهب أبو خريس أن هنالك فرصة للتقارب بين المكونين في نقطة دعم التحول الديمقراطي ، واقترح لكل الأطراف التمسك بالوثيقة الدستورية أولاً ، ووضع ميثاق شرف بينها للالتزام باستكمال بناء المؤسسات واكتمال الفترة الانتقالية وصولاً الى انتخابات حرة نزيهة ، وان ينشط الحوار هذه الفترة بين الطرفين لحين الوصول الى اتفاق ملزم.

 

وفي المقابل، أيّد بعض المحللين الدعوات المرفوعة والتي تدعو لانتخابات مبكرة في حال لم يجد الشارع والسلطة الحاكمة نقاطا وسطا للالتقاء.

أهمية الحوار

في ذات السياق، وبناءً على ما ذكرت، يصبح التفكير خروجاً من سابق ما ذكرت من مآلات وحال، واجباً وطنياً على ان يتم التفكير هذا في دائرتي كل من الذين يعارضون مع ضرورة ادراك انهم جزء من كل.

ويقول محمد بشير ذلك ما لا يمنحهم حق إدارة الدولة منفردين والذين ساندوا ووقفوا مؤيدين للسلطة الحالية  وبذات اعتبارية انهم ايضا جزء من كل وطني احتكاماً لهدف استراتيجي واحد يجب ان تتوحد كل القوى الوطنية بكافة تصنيفاتها لتحقيقه الا وهو (الوحدة الوطنية) التي يتطلب تحقيقها سياسياً اعتبار عوامل، دولة المواطنة التي تقوم على مفهوم القومية والمساواة عدلاً دون إقصاء مع بناء دولة المؤسسات القومية التي تكون فيها القوات المسلحة مؤسسة تنفيذية وفق الدستور وعلى مسافة واحدة بين الحكومة والمعارضة  اداءً لواجباتها المركزية وحماية واحتواء لمهددات الأمن القومي على ان ينص دستورًا وقانوناً على حرمان اختراق او استقطاب السياسيين لها مع بنائها هيكلياً وتنظيمياً تطويراً لها لأداء واجباتها وفق عقيدة مأخوذة من عقيدة الدولة. (يجب ان تكون للدولة عقيدة معلومة ومحددة في الدستور). كما وبالضرورة وقبل كل العوامل اعتبار مبدأ القيم والأخلاق في الشؤون الوطنية.

إنّ مُعطيات المشهد السياسي الماثل الآن تتطلب ضرورة مراجعة المواقف السياسية لأطراف الصراع القائم الآن وبالتركيز على دور وواجب السلطة الحاكمة الآن بحسبانها ذات المسؤولية الوطنية الأولى عن أي كارثة وطنية قد تحدث وفق معطيات المشهد السياسي السيئ الماثل الآن، حيث لا وطن بل ولا سلطة اذا لم تأخذ كافة الأطراف بعوامل الحوار والتفاوض والتنازل بعيداً عن سقوف المطالب والجمود فيها وإلا فلا وطن يلم شمل السودانيين وأن يتبع هذا التوافق على ميثاق وطني شامل تحدد فيه المطلوبات السياسية المطروحة الآن ويؤسس من خلاله لحكم مدني يستوعب فيه الكافة في اطار حقوق المواطنة وتصبح فيه القوات المسلحة بعيداً عن السلطة، مع التأكيد على دورها الدستوري والرقابي لمسار الفترة الانتقالي حفاظاً وحماية للأمن القومي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى