في مُهمّة هي الأولى من نوعها في السودان علماء “سويسسودانيون” يغوصون 10 أيام لحماية الشُّعب المرجانية

 

تقرير: فرح أمبدة    24ديسمبر2021م 

قبل شهرين من الآن، غاص خمسة علماء أحياء بحرية، سودانيين من جامعة البحر الأحمر، واثنان من نظرائهم سويسريان  من مركز البحر الأحمر العابر للحدود الوطنية السويسري، مُعروف اختصاراً بـ(TRSC)، عميقاً في مياه البحر الأحمر في مهمة هي الأولى من نوعها على طول الساحل السوداني، بهدف “إجراء مُلاحظات أولية” عن صحة الشُّعب المرجانية في أعماق الشواطئ، ومكث الطاقم البحثي “السويسسوداني” لمدة عشرة أيام على متن سفينة أبحاث سويسرية شهيرة تدعى “دون كويستو” جاب فيها طاقم العلماء 24 موقعًا، بين بلدة دنقناب في الشمال وسواكن في الجنوب، وينتظر أن تستكمل المهمة التي سُميت بالمشروع الاستكشافي متعددة التخصُّصات، “Interdisciplinary Exploratory Project”.

صيف العام 2022، بعد أن يتم مسح 10 مواقع أخرى كجزء مكمل للرحلة الاستكشافية الأولى لمزيد من البحث المتعمق.

وفي ردٍ على رسالة من “الصيحة”، قالت وحدة الإعلام التابعة لـ(TRSC) إن المشروع يهدف إلى مسح 43 موقعاً في السواحل السودانية، لإجراء بحوث متعمقة عن صحة الشُّعب المرجانية التي تتميّز بها السواحل السودانية، منبهاً إلى أن المركز المدعوم من وزارة الخارجية السويسرية، يعطي اهتماماً خاصاً للشُّعب المرجانية السودانية، لما يُمكن أن تساعد به في استدامة النظام البيئي بأكمله.

مُقاومة الموت

من جهته، نبّه الباحث بكلية علوم البحار بجامعة البحر الأحمر، وعضو الفريق العلمي الذي أنجز الدراسة، مصطفى خلف الله الطيب، إلى أن السودان سيجني فوائد عظيمة من هكذا بحوث, لجهة أن الشُّعب المرجانية تُشكِّل ثورة عظيمة وجاذبة للباحثين عن سياحة الغطس, بجانب الفوائد العلمية والطبية والصناعية التي تدخل فيها، وأضاف في حديث لـ”الصيحة” عبر التلفون من بورتسودان، أن عائلات الشُّعب المرجانية التي تنتشر في المياه الإقليمية السودانية، تعيش في بيئة نظيفة وغير مُلوّثة, ما جعل نسب التدمير وسطها قليلة جداً مُقارنةً مع دول أخرى مُشاطئة للبحر الأحمر.

وأعاد إلى الأذهان، في حديثه لـ”الصيحة” بأن الغرض من الدراسة الأولية التي أُجريت, كان لمعرفة قدرة الشُّعب المرجانية في السواحل السودانية “دون غيرها” على تحمُّل الظروف البيئية ودرجات الحرارة على وجه الخصوص، وإن البحث الأولي كان للإجابة على سؤال لماذا تبقى حية؟، ولماذا هي في حالة نمو؟، وما الذي يقلل نسبة التدمير وسطها؟، وما السبب الذي يجعلها قادرة على تحمُّل ارتفاع درجة الحرارة؟.

وقال الطيب إن ما تم كان مسحاً أولياً لعدد من المواقع تصل إلى 24 موقعًا، وإن المجموعة ستعيد الكَرّة في شهر مارس المقبل مع دخول فصل الصيف، قبل أن تتوصّل لإجابات على الأسئلة السابقة.

قُدرة استثنائية

وتتميّز الشُّعب المرجانية في الشواطئ السودانية حسب ما قال المعهد، بقدراتها الاستثنائية على تحمُّل الآثار الناتجة عن تغير المناخ، فضلاً عن مقدرتها على تحمُّل دفء المياه ومقاومة الارتفاع المتزايد للحرارة.

وربط المعهد, المهمة الاستكشافية بـ”الدبلوماسية العلمية” التي تنتهجها وزارة الخارجية السويسرية بهدف إيجاد أرضية مُشتركة مع بلدان العالم حول القضايا ذات الطابع العالمي مثل قضايا البيئة وتغير المناخ على وجه التحديد.

وحملت وحدة الإعلام التابعة لـ(TRSC) “الصيحة” رسالة إلى قاطني الشواطئ المطلة على البحر الأحمر بالحفاظ عليه من الملوثات خاصةً الملوثات الكيميائية، ونقلت عن رئيس مشروع البحث الخاص بالشُّعب المرجانية، أندرز ميبوم، وهو عالِم أحيائي شهير، قوله إنه بحلول نهاية القرن، من المتوقع أن يخسر العالم 90% من الشُّعب المرجانية, إذ أنّ حرارة المياه ستصبح أكثر دفئاً، لجهة تغير المناخ, “لكننا على يقين من أن الشُّعب المرجانية الموجودة في البحر الأحمر، قادرةٌ على مقاومة الارتفاع المُتزايد في درجة حرارة المياه، وإنها ستبقى في حالة جيدة، ما لم تتعرّض للاندثار بسبب التلوُّث في المنطقة”.

شعاب مُتميِّزة

واسترسل ميبوم في الحديث قائلاً: الشُّعب المرجانية الموجودة في البحر الأحمر قادرة على مقاومة ارتفاع حرارة المياه، لذلك جاءت فكرة أن تعمل جميع البلدان المُحيطة بالبحر الأحمر معاً “إن هذا الأمر بالغ الأهمية، لأنّ البحر الأحمر صغير نسبياً, وأي تلوث تتسبّب به دولة ما سيكون له تداعيات على الدول الأخرى”, وزاد: “هدفنا هو جمع العلماء من هذه الدول للعمل معاً، وهو أمرٌ ليس بالسَّهل، فهناك الكثير من العقبات السياسية والدبلوماسية التي يصعب تجاوزها والتي تحول دون أن نعمل معاً على أساس خلفياتنا العلمية فقط”.

دبلوماسية علمية

وأصبحت “الدبلوماسية العلمية” فرعاً مهماً في استراتيجيات العلاقات الخارجية للعديد من الدول، وبالنسبة للسودان، يُعد مشروع حماية الشُّعب المرجانية في السواحل المحلية التي تصل مساحتها لما يقارب الـ1200 كيلو متر، مكسباً وطنياً مُهمّاً، لكونه موئلاً سياحياً معروفاً للعالم، وللتمهيد لتسجيلها كموقع تراث عالمي لليونسكو.

وتتمثّل أولويات المشروع الاستكشافي في أخذ عينات من الشُّعب المرجانية على طول البحر الأحمر، لدراسة وفهم تطوُّرها، وللوقوف على مدى تأثير الملوثات عليها.

 غابة تحت الماء

وحسب منشورات (TRSC)، تُشكِّل الشُّعب المرجانية غابة تحت المياه، حيث تُوفِّر في مُحيطها الغذاء والأوكسجين للمياه والنظام البيئي، وتتعايش مع الطحالب، التي تُغذِّيها بدورها وتعطيها لونها، ومع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، تترك الطحالب المرجان، فيفقد لونه ويتضوّر جوعاً حتى يصل به الأمر إلى الموت، إلا أنّ مرجان البحر الأحمر يتميّز بقدرته على مقاومة مثل هذه الظروف، فخلال العصر الجليدي الأخير، عندما انخفضت مُستويات المياه، وانفصلت منطقة حوض البحر الأحمر عن سائر البحار، هاجر المرجان القادر على تحمُّل درجات حرارة تصل إلى 36 درجة مئوية، عائدًا إلى تلك المنطقة.

أنشطة بشرية

والتدخُّل لحماية الشُّعب المرجانية بات مطلباً عالمياً، يمكن للدول التي تتوافر في شواطئها من السودان، جني ثمار هذا المطلب، وحمايتها تكمن في عملية التحكُّم في الأنشطة البشرية فوقها وبجوارها لتجنُّب الأضرار الصحية للشُّعب ولمُساعدتها على التعافي، وحسب العلماء فإنّ تكوُّن الشُّعب المرجانية، يحتاج ما بين مليون و30 مليون سنة، وفي حدوث تلف جراء الغوص الترفيهي غير المُرشد، يستغرق الأمر ما يقرب من 10 آلاف سنة لتشكيل الزوائد المرجانية.

وتُفيد التقارير الواردة من الأمم المتحدة بأنّ 70% من الشُّعب المرجانية في العالم مُعرّضة للتهديد، وأنّ 20% قد تم تدميرها بالفعل من دون أن يكون هناك أملٌ في نُموِّها من جديد، فيما تتعرّض ما نسبته 24% لخطر الانهيار الوشيك، و26% إضافية مُعرّضة لخطر التهديدات على المدى الأبعد، ويعيش 40% من سكان العالم بالقرب من الشواطئ البحرية.

فوائد مُتعدِّدة

وحسب منشورات الأمم المتحدة، تعمل هياكل الشُّعب المرجانية على حماية المُجتمعات الساحلية من موجات العواصف، وتوفر الرمال للشواطئ، وتدر عائدات ترفيهية هائلة للشركات المحلية، كما أنّ الشُّعب المرجانية هي بمثابة خزانة لحفظ الأدوية في القرن الحادي والعشرين، حيث تحتوي على عدد ضخم من الكائنات الحيّة، بما في ذلك الإسفنج والمرجان وأرانب البحر، والتي تحتوي على جزيئات تمتاز بآثار قوية مُضادة للالتهابات ومُضادة للفيروسات والأورام ومضادة للبكتيريا.

وتُشير بعض الدراسات إلى أنّ الاحتياطيات البحرية السليمة المدارة، والتي تبلغ 50% من الشُّعب المرجانية الخاضعة للحماية، لا تستطيع مُقاومة الاحترار البحري رغم كونها قادرة على استعادة النُّمو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى