حزب الأمة القومي.. رماديةٌ وغُموضٌ تجاه اتّفاق “البرهان وحمدوك”

 

تقرير: نجدة بشارة    10ديسمبر2021م

منذ توقيع الاتفاق السياسي بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ورئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك الشهر الماضي، ظلّت مواقف حزب الامة القومي غارقة في الرمادية والضبابية، ولم يعلن الحزب عن موقف واضح يدعم فيه أو يرفض الاتفاق السياسي، ما يُنبئ بحدوث انقسام وتباين في الآراء داخل الحزب بشأن هذا الاتفاق، ووجود جناحين يضم أحدهما رئيس الحزب المُكلّف اللواء معاش فضل الله برمة ناصر داعمٌ للاتفاق، وجناح يرفض الاتفاق جُملةً وتفصيلاً, ويرى أن حمدوك باع المكون السياسي وانضم لقيادة الانقلاب كما ظلت تقول مريم الصادق المهدي التي تشغل منصب نائب رئيس الحزب..

تباينٌ وغُمُوضٌ

وعلى الرغم من صدور بيان في وقت متأخر ليل امس الاول, يشير بقدر كبير الى رفض الاتفاق, إلا أن رئيس الحزب فضل الله برمة، عاد وصرح أمس بأن الحزب لم يعلن رفضه للاتفاق، إنما طالب بتوسيعه.. وقال “اتفقنا داخل حزب الأمة على تطوير الاتفاق”، وإنّ الحديث عن رفض الحزب للاتفاق غير صحيح، لأنّ هذا التوافق حقّق إيجابيات كبيرة، وسلبية الاتفاق المذكور تكمن فقط في ثنائيته، لكن مريم الصادق ترى غير ذلك, فقد عبّرت في لقاء تلفزيوني سابق عن رفض الاتفاق, وقالت “إن حمدوك انقلابي بدلاً من كونه رئيس وزراء ثوري وان الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك غير مُرضٍ”!

وقياساً على موقف مريم القديم وموقف برمة الجديد ومقاربتهما مع البيان الذي أصدره الحزب, فقد فسّر مُحلِّلون ومُراقبون بأن الموقف يبدو أكثر غموضاً في مُحتواه، كون أن البيان لم يبين موقفا ثابتا او جديدا للحزب يدعم او يرفض فيه الاتفاقية.

خريطة طريق 

وكان المكتب السياسي للحزب قد عقد اجتماعاً دورياً استمر على مدى يومي الثلاثاء والأربعاء, ناقش مسار عمليه التحول الديمقراطي, وقرر ان الاتفاق السياسي المُوقّع يوم ٢١ نوفمبر الماضي بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة والدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء لا يستجيب لرؤية حزب الأمة القومي لمعالجة الأزمة في البلاد, ولا الى تطلعات الشارع الثوري, وسيقدم الحزب خريطة طريق لتأمين الاستقرار السياسي والتحول المدني الديمقراطي في البلاد, وستطرح على كافة المكونات السياسية للتوافق حولها، لكن لم يوضح البيان تفاصيل الخارطة المتوقع الإعلان عنها.

إعلانٌ سياسيٌّ

وكانت وسائط إعلامية قد أكدت مؤخراً عن اعلان سياسي سيُطرح في غضون ساعات من كتابة هذا التقرير، وسيتم التوقيع عليه بين المكون العسكري ومكونات سياسية اخرى، وان أهم بنود الإعلان الوثيقة الدستورية هي الحاكم للفترة الانتقالية وان الحريات العامة غير قابلة للانتهاك, كما يشدد الإعلان السياسي على ضرورة إكمال الهياكل الدستورية والعدلية، لكن هذا الإعلان لن يكون دستوراً للفترة الانتقالية.

والشاهد ان رئيس حزب الأمة فضل الله ناصر يشارك في الاعلان السياسي المزمع الإعلان عنه بخلاف حزبه الرافض لهذا الإعلان.

موقف برمة

صرّح برمة أمس الأربعاء بأن الاعلان يضم القوى السياسية والتي سوف تتشاور لتطوير الاتفاق السياسي المُوقّع حالياً بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ورئيس الحكومة عبد الله حمدوك، موضحاً أن هذا الاتفاق حقق إيجابيات كبيرة، لكن سلبيته أنه اتفاق ثنائي، وقال إن هناك مساعٍ لتكوين قاعدة عريضة لدعم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، مؤكداً أن حزبه لم يرفض اتفاق حمدوك والبرهان، منذ البداية ولكنه كان يطالب بتطويره.

لا يسمن ولا يُغني 

لكن الأمين العام لحزب الأمة الواثق البرير نفى في تصريح لـ(الصيحة) اي صلة  للحزب بالإعلان السياسي الذي سيعلن عنه، وأردف: من الناحية المؤسسية للحزب فإنه لن يشارك في الإعلان السياسي المزمع الإعلان عنه، وقال إن كل ما يتعلق أو يبنى على الاتفاق السياسي الذي وقع بين البرهان وحمدوك  ليس للحزب علاقة فيه, وبرر البرير موقفهم بأن الاتفاق  لا يلبي طموحات الشعب السوداني، وأكد أن الحزب بصدد إصدار خارطة طريق اليوم أو غداً السبت تضم رؤية الحزب السياسية للخروج من الأزمة وتشرك العسكريين والمكونات السياسية والمدنية، وأردف: رؤيتنا واضحة بشأن الاتفاق السياسي الثنائي في أنه لا يلبي طموح الشارع, وزاد: لسنا “مصححين لنبيِّن أن هذا صحيح وذاك خطأ، لكن على موقفنا ان ما تم بين البرهان وحمدوك لا يسمن ولا يغني من جوع”.

ديمقراطية

وكانت مصادر قد كشفت ان موقف الحزب تجاه اتفاق “البرهان وحمدوك” حُسم بالأغلبية داخل الاجتماع الذي عُقد بمقره، بعد ان طرح للتصويت ليصوِّت 39 عضواً ضد الاتفاق مقابل 31 عضواً صوّتوا لصالح قبوله, ما فسّره مراقبون بأنه ربما أدى لانشقاق, كون ان كفتي الميزان فيما يتعلق بالموقف تجاه الاتفاق السياسي تبدو مُتقاربة.

لكن الواثق البرير أكّد في حديثه لـ(الصيحة) بأنّ الاجتماع صوّت بعضويته بشأن الاتفاق السياسي, وان كفة الديمقراطية الأغلبية رجّحت أن الاتفاق الذي تم بين البرهان وحمدوك ثنائي وبُني على قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر.

ضبابية المواقف

وشرح محللون أن حزب الأمة القومي حالياً يُعاني من انفصال تام بين فئة شباب الحزب الثائر والذي يُنادي بالمدنية ويمثل الغالبية، وبين قياداته التقليدية التي تبحث عن حلول وسطى، تتمثل في خارطة طريق أو إعلان سياسي لحل الأزمة السياسية والانحناء للعاصفة، وربما يضطر الحزب مستقبلاً للانحياز لكتلته الانتخابية من الفئة التقليدية بالحزب، لكن اذا تأخرت الانتخابات عن الموعد المضروب لأي سبب, ستظل مواقف الحزب مع الشباب الثائر.

نُذُر انقسام

ويرى المحلل السياسي بروفيسور عبده مختار أن ما يحدث الآن داخل حزب الأمة ينذر بالانقسام والذي وصفه بأنه ليس بالشيء الجديد لجهة الانقسامات المتكررة التي صاحبت مسار تكوين الحزب، وأوضح في حديثه لـ(الصيحة) أن مشكلة الاحزاب السياسية في السودان أنها ليست على قلب رجل واحد, ولا يوجد تماسك أيديولوجي او فكري يمسك بوحدة الحزب, مُعتبراً ان ذلك يزيد من إشكالية تلوين المواقف داخل هذه الأحزاب ويجعل مواقفها رمادية، وأضاف: “حزب الأمة يعاني من غياب الشخصية القيادية (الموحدة) والمرجعية إضافة لضعف البنية الحزبية”, وزاد “هذا ديدن الأحزاب السياسية في السودان”, ولفت إلى أن كثرة الإعلانات السياسية وخرط الطريق في الوقت الراهن لن تخدم المشهد السياسي ولن تحل الأزمة بقدر ما قد تعقدها وتؤثر على استقرار الدولة ومسار الثورة, لا سيما في هذه المرحلة الانتقالية الدقيقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى