عقدت المُقارنة مؤسسة بحثية أمريكية .. “كبوات الديمقراطية” في تونس والسودان.. دُروبٌ مُتفرِّقةٌ وعقباتٌ متماثلةٌ

 

تقرير: فرح أمبدة      7ديسمبر2021م 

عقد معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو بيت خبره أمريكي شهير، أُسس في العام 1985 وتعتمد عليه دوائر اتخاذ القرار هناك، أمس الأول، منتدىً سياسياً افتراضياً، للمقارنة بين الوضع في السودان عقب القرارات التي اتخذها قائد الجيش في 25 أكتوبر، واتفاق البرهان وحمدوك في 21 نوفمبر، وقرارات الرئيس التونسي، قيس سعيّد، التي أقال بموجبها الحكومة وجمّد عمل البرلمان في 25 يوليو، ويهدف المُنتدى حسب ما جاء في مسودة الإعلان عنه، إلى “توضيح وتحديد وجهة نظر مُتماسكة وواقعية للمصالح القومية للولايات المتحدة وتعزيز فهم مُتوازن وواقعي لتلك المصالح”.

تَنَاقَش في المنتدي، الذي استمر لساعة ونصف الساعة، ثلاثة من الخبراء، هم، ألبرتو فرنانديز، القائم بالأعمال الأمريكي في السودان سابقاً ومنسق وزارة الخارجية الأمريكية للاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب، وياسر زيدان هو باحث في شؤون الأمن القومي والقرن الأفريقي، يعمل بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ومحاضر غير متفرغ في الجامعة الوطنية السودانية، وشيراز عربي، محللة سياسية تونسية ومستشارة إقليمية لـ”هيئة الأمم المتحدة للمرأة”، فيما أدارت المنتدى الباحثة، سارة فوير، التي عملت ضمن فريق البحث الشهير “واشنطن والربيع العربي القادم”:

اتفاقٌ ثلاثيٌّ

اتفق الباحثون الثلاثة، على أن مسارات الديمقراطية في البلدين، تُواجه عقبات “حقيقية وعملية” تتمثل في عملية التحول والأوضاع الاقتصادية، والتأسيس القانوني والدستوري للانتقال الديمقراطي المستدام، فَضلاً عن الضغوطات الخارجية، وبالنظر الى أقوالهم, فإن الولايات المتحدة ترى فرقاً بين ما يجري في السودان حيث الوضع في مرحلة انتقالية لبلدٍ كان منعزلاً عن العالم، وبين تونس وقد جرت فيها انتخابات، وكان بها برلمان مُنتخب، ومؤسسات حكم تم الانقلاب عليها.. وفيما يلي تنشر “الصيحة” ملخصاً لما تمّ في المنتدى.

وضعٌ معقّدٌ 

بدأ الباحث والأستاذ الجامعي ياسر زيدان، حديثه عن ما يجري في السودان بالقول: إنّ الوضع في السودان من السردية السائدة عن المُنافسة بين الجيش والحكومة المدنية يُعد صعباً ومُعقّداً، وعند الحديث عنه، غالباً ما يتمّ تجاهل العديد من العوامل، ومنها:

1- نظراً إلى عدم كفاءة الحكومة المدنية، فقد واجه المسؤولون صُعوبة في تشكيل مؤسسات انتقالية أو حتى الحكم بفعالية منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في عام 2019.

2- فاقم “اتفاق جوبا للسلام” المُوقّع عام 2020 بين الحكومة الانتقالية وتحالف المتمردين، التوترات القبلية والمدنية، وينظر الكثيرون إلى الحكومة على أنها كيانٌ يركز على المدن ولا يُدرج العناصر القبلية.

3- منحت الأحزاب السياسية الأولوية للمصالح الحزبية من خلال توظيف حلفائها في الحكومة، وقد ساهمت هذه المحسوبية في تكوين تصوُّر بأنّ الأحزاب مهتمة فقط بالسلطة وليس بتشكيل مؤسسات لدعم عملية الانتقال إلى الديمقراطية.

سياسات الشوارع

إنّ الشعب ناشطٌ للغاية في سياسات الشوارع, حيث اندلعت العديد من الاحتجاجات منذ استيلاء الجيش على الحكم، ولكن في حين يعارض الكثيرون الانقلاب، إلا أنّهم يفتقرون إلى القدرة على تحريك الحشود التي أطاحت بالبشير، فالمُحتجون الحاليون هم في أغلبهم ناشطون شباب غير سياسيين، وكان من الممكن أن يتركوا أثراً أكبر لو أنّهم أنشأوا مَظلّة سِياسيّة واسعة، لأنّ ذلك من شأنه أن يحسِّن قُدرتهم على إرساء توازن قوة أمام الجيش، ومن جهتها، تدرك الحكومة أن الشعب يستطيع لعب دورٍ في تحديد معالم الأحداث الوطنية والانتقال القائم نحو الديمقراطية.

كارثة مُنتظرة

يُذكر أن ردّ الولايات المتحدة إزاء استلام الجيش زمام السلطة كان ناجحاً، يقول زيدان، حيث أتى متسقاً مع دول إقليمية على غرار السعودية والإمارات وإسرائيل ومصر، وساهم هذا النهج في تعزيز الضغوط الأمريكية المُمارسة على قادة الجيش في السودان، لكن، وفي الوقت نفسه يجب أن لا يغيب عن بال واشنطن أنّ للجيش دوراً يضطلع به في العملية الانتقالية، فالبلاد تحتاج إلى عناصر النظام السابق – حسب قوله – للوقوف إلى جانب الشعب من أجل الحفاظ على هيكلية الحكومة وتجنّب الحرب الأهلية.

ويختتم زيدان حديثه قائلاً: بإمكان الولايات المتحدة أن تلعب دوراً إيجابياً في هذا الصدد من خلال المُساعدة في صياغة المبادئ والإجراءات الانتقالية.

أما على الصعيد الاقتصادي، فإنّ الوضع في السودان ينذر بكارثة، وهذا التحدي يجعل الأمر أكثر إلحاحاً بالنسبة للشعب السوداني لكي يلمس وجود مؤسسات مُناسبة ويشعر بأنّ الديمقراطية تعمل لصالحه.

مطالب مُتنامية

أما ألبرتو فرنانديز، القائم بالأعمال الأمريكي السابق في الخرطوم ومنسق وزارة الخارجية الأمريكية للاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب، فبدأ حديثه بالقول: أسفرت العملية الشرعية لسياسات الشوارع في السودان عن تنامي المطالب بإنهاء العلاقة بين رئيس الوزراء عبد الله حمدوك والجيش، في نسختها الجديدة، لكن من غير الواضح كيفية ترجمة هذه الرغبة في إطار سياسي واضح، فضلاً عن ذلك، حاولت الحكومة العسكرية – مثلها مثل حكومة البشير – الاستفادة من قُوة التحرُّكات في الشارع السوداني، حيث تلاعبت بها من خلال دسّ عناصرها في الجماعات المُحتجة.

وفيما يتعلّق بالرد الأمريكي، هناك فرقٌ رئيسيٌّ بين السودان وتونس، فالسودان يختبر مرحلة انتقالية نحو الديمقراطية, في حين تمّ انتخاب الرئيس التونسي بشكل ديمقراطي، وتمنح هذه الشرعية سعيّد بعض النفوذ في واشنطن، وفي المقابل، كانت العديد من السلطات العسكرية في السودان ثابتة في نظام البشير، وبالتالي، يميل المسؤولون الأمريكيون بشكل أكبر نحو الحفاظ على علاقات طبيعية مع تونس, في الوقت الذي يمارسون فيه ضغوطاً على السودان.

فرصة ذهبية

يعتقد فرنانديز أن القمة الديمقراطية المقبلة التي يعقدها الرئيس بايدن الشهر المقبل، ستوفر فرصة ذهبية للتشجيع على الإصلاح، لا سيما إذا اقترنت هذه الجزرة الدبلوماسية بعصا في شكل عقوبات على حكومات تُثير المشاكل، وتُريد الإدارة الأمريكية التراجع عن الانخراط في الشرق الأوسط، لكن عليها أن لا تنسى أنّ قادة المنطقة يّشعرون بذلك، وبالتالي فإنّ قراراتهم تتأثّر بهذه الخطوة، ويُعتبر الانقلاب في السودان مجرد مثال واحد دفعت فيه التوقعات بفك أمريكا ارتباطها بالمنطقة إلى قيام الحكومات باتخاذ خطوات تُهدِّد المصالح الأمريكية.

أما فيما يتعلّق بالاقتصاد، فيقول فرنانديز: يعتقد الشعب السوداني أن الانتقال إلى الديمقراطية سيحدث تحسينات ملموسة في حياتهم اليومية، وبالتالي، من المُهم الجمع بين التنمية الاقتصادية وأي جهود تهدف إلى التحرر السياسي.

لحظتان حاسمتان

وفيما يتعلق بالأحداث في تونس, تقول الباحثة التونسية، شيراز عربي، من أجل فهم ردّ فعل الشعب التونسي إزاء أفعال الرئيس قيس سعيّد خلال الأشهر العديدة الماضية، من المُهم النظر إلى لحظتين حاسمتين. الأولى، حين أقال الحكومة وجمّد عمل البرلمان في 25 يوليو, حيث حُظي قراره بدعم العديد من التونسيين، وكانت البلاد قد أحرزت بعض التقدُّم منذ عام 2011 عندما أدّت احتجاجات “الربيع العربي” إلى الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي, إلا أن التحسينات الاجتماعية – الاقتصادية لم تواكب التقدم المُحرز على صعيد الحقوق السياسية، وبالتالي، شعر الشعب التونسي، أن الديمقراطية لم تفِ بوعودها، وكان الكثيرون سعداء عندما حلّ سعيد البرلمان، الذي يمثل وجه الديمقراطية التونسية، لكن المشهد – حسب رأيها – تغيّر في 22 سبتمبر حين أعلن سعيّد أنه سيحكم بمرسوم ويعلّق العمل في أقسام من الدستور غير المُرتبطة بالحريات وينهي المراجعة القضائية للإصلاحات.

ومنذ ذلك الوقت، والحديث لشيراز، دخلت تونس في فترة ديكتاتورية – الحكومة قائمة بالاسم فقط، في حين أن الرئيس هو صانع القرار الوحيد ويتجاهل منظمات المجتمع المدني التي تمثل العامة، وإنّ الشعب يريد الشفافية وإطاراً زمنياً لإنهاء التدابير الاستثنائية, إلى جانب خُطة واضحة لإرساء ديمقراطية مُباشرة، وعلى الرغم من المُقاومة التي عبّرت عنها منظمات المجتمع المدني، إلّا أن سعيّد لم يُحاول التواصل مع هذه الجهات الفاعلة أو غيرها التي تُناهض نظامه القائم على حكم الرجل الواحد. ووفقاً لذلك، شعر الكثير من السُّكّان بأن مواردهم محدودة، لأنّهم لا يثقون بالسياسة أو بالأحزاب، وقد اتّسع عدم التواصل هذا بين النخبة السياسية والعامة بسبب الفساد وغياب التقدُّم المُحرز في المسائل الاقتصادية.

تزامن وترافق

تسترسل شيراز في الحديث.. الدعم الأمريكي مُهمٌ لأبناء الشعب التونسي، لكنهم يتوقّعون أن يكون متوائماً مع تطلعاتهم, على سبيل المثال، يقدرون أن واشنطن لم تصنّف تصرفات سعيّد على أنها مُحاولة انقلاب، كما أنهم يؤيدون تحقيق المزيد من التحوُّل الديمقراطي، ولكنهم يرغبون في رؤية التأثيرات العملية للديمقراطية في حياتهم اليومية، ولهذا السبب يجب أن تترافق الإصلاحات الاقتصادية مع الإصلاحات السياسية، وإلا فإنّ الانتقال السياسي القادم سيفشل على الأرجح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى