حل اللجان التسييرية للنقابات.. بين الشرعية وضياع حقوق العمال

 

الخرطوم: القسم السياسي

بإعلان القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان حل اللجان التسييرية للنقابات, دخلت البلاد في أزمة فراغ نقابي تزداد معه الأزمة تعقيداً، فمنذ انتصار ثورة ديسمبر, ظلت المؤسسات العامّة والخاصّة بالدولة تعيش حالة ركود في العمل النقابي وصراع وتنازع بين مختلف المكونات المعنية بالنقابات والسيطرة عليها, ووصل الأمر لدرجة بالغة الخطورة بعدم الاعتراف باللجان التسييرية التي شكّلتها لجنة ازالة التمكين وفقاً للقانون الذي كفل لها حل الاتحادات وتعيين اللجان تمهيداً لتشكيل النقابات، ولكن الاوضاع التي وصلت اليها البلاد حالياً وإلغاء أو تجميد عمل لجنة التمكين وحل اللجان التسييرية أعاد الأوضاع الى ما كنت عليه, ما يصعب بحسب البعض من المضي في طريق تكوين النقابات بطريقة ديمقراطية تمثل القواعد الحقيقية.

إجراءات منطقية

مراقبون يؤكدون أن الإجراءات الأخيرة منطقية كونها أنهت جزءا من المشكلة بحل اللجان التي لم تحظَ باتفاق ورضاء غالبية المعنيين بها وسط قواعدها المهنية والعمالية, مؤكدين ان اللجان التسييرية كان تشكيلها مشوهاً ويبتعد عن اعراف العمل النقابي, وظهرت فيها النزعة السياسية والتمثيل الحزبي بشكل طاغٍ ولم تشتمل على وجوه نقابية متمرسة ومعروفة في العمل النقابي, ولكن هذا الرأي يفنده آخرون ويعتبرونه محاولة لتجريم القوى السياسية واتهامها بالسيطرة على اللجان دون وجه حق, مشيرين الى ان اللجان تم تكوينها بواسطة قانون أقرّته الوثيقة الدستورية, وان التشكيل تم بواسطة أشخاص داخل المؤسسات والجهات تعلم خبايا ومواقع نفوذ أعضاء النظام البائد الذي كان مسيطراً على النقابات ويمارس عبرها ضغوطا واجراءات مختلفة تجاه العاملين والأعضاء لتمرير أجندته.

سبيل الخروج

السؤال العريض الذي يسيطر على الأجواء حالياً هو كيفية الخروج من مأزق الفراغ الحالي المتمثل في غياب النقابات واللجان التسييرية, وكما هو معلوم فإن وجودها ضرورة تفرضها الظروف لمساندة العاملين بالخدمة المدنية ومُختلف القطاعات فيما يتعلق بالمطالب والحقوق والحماية وغيرها من المهام التي تقوم بها تجاه عضويتها, وفي ظل السيولة التي تعيشها البلاد والاوضاع الاقتصادية الصعبة تنبع أهمية وجود تلك النقابات او ما ينوب عنها للوقوف مع العاملين, وهناك من يؤكد بأنَّ الحاجة الآن كبيرة جداً لتفعيل عملها بغرض مواجهة الأوضاع الحالية وتوفير الحماية للشعب السوداني.

شعارات براقة

قد يختلف الكثيرون حول كيفية تكوين تلك النقابات او الاتحادات, ولكن يبقى المُتضرِّر الأوحد منها بحسب الموظف الناجي البشير والذي يعمل بوزارة المالية هم العاملون البسطاء الذين لا ناقة لهم او جمل في صراع الساسة على النقابات.
ويقول الناجي إن شعارا لكل حزبه والنقابة للجميع مجرد عبارات براقة لا يتم تطبيقها على ارض الواقع, فكل القوى السياسية استخدمت وظلت تستخدم النقابات في عملها على تحقيق اهدافها السياسية حتى وإن كانت توفر الاحتياجات أو الدعومات, إلا أنها كانت تطمع لتحقيق أهدافها السياسية دون مراعاة لحقوق العاملين الذين يهمّهم فقط توفير الاحتياجات الضرورية دون شرط أو وعيد.

اختلاف

وطيلة العامين الفائتين, ظل الصراع قائماً حول شرعية النقابات أو الاتحادات التي حلت عقب انتصار ثورة ديسمبر, واللجان التسييرية التي تم حلها مؤخراً بواسطة قائد الجيش، واتخذ الصراع منحىً قانونياً بين الاطراف المختلفة والتي يتمترس كل واحد منها وراء قانونية وشرعية أحقيته بالنقابة, فأعضاء الاتحادات المحلولة عقب ثورة ديسمبر يؤكدون ان القوانين الدولية والمحلية والاعراف كلها لا تعترف بقرارات الحل والإلغاء, وان التغيير في الحكومات لا يعني إلغاء النقابات القائمة, مؤكدين انهم وطيلة العامين الماضيين ظَلُّوا محل اعتراف كامل من قبل المنظمات الدولية والإقليمية, بينما يستند الطرف الآخر بأن شرعيته مستمدة من قانون لجنة التفكيك وإزالة التمكين, وهو الامر الذي ظل محل جدل ونزاع لم ينتهِ حتى الآن على الرغم من قرارات حل اللجان التسييرية.

مطالب مستمرة

القيادي النقابي يحيى حسين محمد يقول لـ(الصيحة), إنهم ظلوا طيلة الفترة الماضية في مطالبة مستمرة بإرجاع النقابات والاتحادات المُنتخبة والمُعترف بها, وأضاف لم نكن نعترف بقرارات الحل التي تمت قبل سنتين باعتبارها غير قانوني, ويشدد على أهمية إرجاع النقابات الشرعية، وأشار الى أن إلغاء النقابات تسبّب في أضرار كبيرة على العاملين بالدولة وحرمهم من خدمات مستمرة ظلت تنعم بها بواسطة الاتحادات والنقابات الشرعية, ولفت إلى أن توقف محفظة قوت العاملين وحدها تسببّت في زيادة التضخم نظراً لأن ملايين العاملين بالدولة والقطاع الخاص أصبحوا في الأسواق بعد أن فقدوا الاحتياجات الأساسية التي كانت توفرها لهم الاتحادات وصناديق التّكافُل.

انتهاكٌ للقانون

ويؤكد القيادي النقابي محمد المصباح أن هناك قوانين مُحدّدة ومعلومة تحكم تكوين وعمل النقابات. وفي السودان هناك قانون منذ الأربعينات, ولكن الحكومات المتعاقبة ظلت تنتهك القانون وتتدخّل بالتجميد والحل والتكوين, وقال لـ(الصيحة) هذا ليس من حقها, فهو حق أصيل للعمال فقط، وتابع إن تلك التدخلات يتم التراجع عنها من قبل الحكومات في فترة قصيرة, ولكن ما حدث مؤخراً عقب الثورة من تراجع لم يحدث نتيجة لقانون التمكين, مما قادنا للطعن الدستوري ضد قانون التمكين, وأكد في حديثه أنهم في انتظار تكوين المحكمة الدستورية للنظر في قضيتهم الخاصة بإعادة النقابات المنتخبة والشرعية وإبطال إلغائها بواسطة ازالة التمكين, وقال ان الفراغ الكبير الحالي تسبب في فجوة بين الأجر والمعيشة وتوقف التمويل والتكافل, وأضاف المصباح أن تدخل الحكومة بتشكيل لجان التسيير لم ينجح, حيث إنها لم تقم بالدور المطلوب منها ولم تهتم بأوضاع العاملين, كما أنها واجهت معارضة كبيرة وسط القواعد باعتبارها غير منتخبة.

خطأ جسيم

ومن جهتها, تقول الخبيرة سعدية إبراهيم إن حل النقابات من الأساس كان خطأً جسيماً وقعت فيها الحكومة عقب الثورة, وتضيف: على الحكومات أن تتجاوز هذه النقطة لأنها اجراء غير شرعي ولا يُحظى باعتراف الجهات الدولية والمحلية، وأردفت: إن تشكيل اللجان التسييرية التي خلت أخيراً هي الأخرى لم تكن شرعية أو قانونية وتتنافى مع الأعراف الدولية, والدليل إن كل المنظمات الدولية ظلت تتعامل مع الاتّحادات الشّرعيّة المُنتخبة التي كانت قبل الثورة, وأشارت سعدية الى ان الفراغ الحالي يفترض معالجته بجلوس الأطراف أو الشركاء الثلاثة (الحكومة وأصحاب العمل والنقابات) لتحديد المعالجات اللازمة الحالية وعلى الحكومة الاعتراف بأن اتحاد العمال القديم هو الجسم الشرعي المُعترف به.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى