أحمد موسى قريعي يكتب: الإسلام السياسي.. يوميات البارود والدم (15)

زوايا

أحمد موسى قريعي 

الإسلام السياسي.. يوميات البارود والدم (15)

جماعة الهجرة والتكفير السودانية (1)

(فلترق كل الدماء)

“فلترق منهم دماء أو ترق منا  دماء أو ترق كل الدماء” بالطبع كل الشعب السوداني يحفظ هذا الشعار عن “ظهر قلب” كما يقولون. لأنّ هذا الشعار تردد بشكل هستيري أيام “سكرة” المشروع الحضاري التي كانت تُنادي بها الحركة الإسلامية السودانية. لكن ما هي العلاقة التي تربط بين جماعة الهجرة والتكفير السودانية، والحركة الترابية الإنقاذية وهذا الشعار؟

العلاقة واضحةٌ ولا تحتاج إلى مزيدٍ من الإيضاح، فالشعار يقسم الناس إلى “مسلمين” و”كفار” فالكفار محكوم عليهم بالقتل وإراقة الدماء، وفي حالة العجز يجب أن تُراق كل الدماء. المُهم إراقة الدم بأي شكل. ولكن لم نفهم حتى الآن هل هذا الشعار يعني أن الحركة الإسلامية السودانية تعتنق الأفكار التكفيرية؟

الإجابة على هذا السؤال “نعم” الحركة الإسلامية في حقيقتها تحمل أفكار التكفير مثلها مثل جماعة “الهجرة والتكفير”, بل تعتبر أشد خطراً منها, لأن بيدها السلطة والمال والنفوذ وآلة البطش، كما أنها رضعت من ذات المصدر وهو كتاب “معالم في الطريق” للمصري سيد قطب المؤسس الحقيقي لتيارات الإسلام السياسي التكفيرية. ومثلما خرجت “الهجرة والتكفير” من عباءة الإخوان المسلمين، كذلك خرجت الحركة الإسلامية. لكن الاختلاف في عدم مجاهرة الحركة الترابية بتكفير الآخرين، بل تقتلهم على “طول”.

بين يدي وثيقة تبين أن “الخليفي” منفذ جريمة قتل المصلين في مسجد الشيخ “أبو زيد محمد حمزة” بالثورة الحارة 11 عام 1994م، ليس من جماعة “الهجرة والتكفير” التي نُسبت إليها العملية، وإنما كان ضابطاً في جهاز الأمن الثوري الإسلامي التابع للحركة الإسلامية في قسم خاص يسمى “حركات التحرر الإسلامية”, والآن أترككم مع الأقوال المنسوبة “للخليفي” كما جاءت في نص الوثيقة السرية المترجم لمُحاكمة مُرتكبي جريمة مسجد الشيخ أبو زيد، والمفرج عنها عام 2007م فقد قال “الخليفي” في تلك الوثيقة: (ياسر وعبد الباقي “اثنان من القائمين بالاغتيال قتلا إبان اعتقالهما” شهيدان حقيقيان وسوف يجدان جزاؤهما عند الله. لقد كانا من أعز أصدقائي. لقد كانا من بين القلة من المسلمين الحق في السودان. ياسر كان واحداً من الذين شاركوا في انقلاب يونيو 1989. لقد كان هو الذي أوكلت إليه مهمة اغتيال الخائن عبد الرحمن سعيد، ولكنه وجد أنه قد اُعتقل. لقد التقيت بياسر وعبد الباقي أول مرة في سهل البقاع اللبناني. عرفتهما كمجاهدين من السودان وهما سودانيان حقيقيان لأبويهما وأميهما. وقد تلقينا تدريبنا العسكري سوياً على يدي الحرس الثوري الإيراني في العامين 1987- 1988. بعد التدريب ذهبنا إلى بيشاور، بباكستان، ومنها للجهاد في أفغانستان. كان ياسر وعبد الباقي مجاهدين مخلصين وكانا يخططان لإيقاع عقوبة الكفر على محمد عثمان الميرغني “وهو الزعيم الروحي للحزب الاتحادي الديمقراطي المحظور حالياً والذي يعيش في المنفى غالباً في مصر” وقد قاموا بالهجوم على منزله ولكن أحد العملاء المصريين أحبط خُطتهم. يعود لياسر وعبد الباقي فضل إنشاء منظمة نداء الجهاد السودانية. وقد قصدوا بإنشاء تلك المنظمة رضاء الله ونيل غفرانه فقط. وقد ودعتهما وهما في طريقهما لمناطق العمليات في الجنوب (أي جنوب السودان) ليقاتلوا الشيطان وجنود الكفر. وحينما عادا انضم ثلاثتنا لجهاز الأمن الثوري الإسلامي في قسم خاص يسمى “حركات التحرر الإسلامية” وكان المنسق هو المجاهد شرف الدين مختار، وهو مسؤول كبير في منظمة الدعوة الإسلامية “هذه المنظمة الطوعية الإسلامية مقرها الخرطوم وتديرها الجبهة الإسلامية القومية” وهو كذلك ممثل الشيخ حسن الترابي في الأمن. كان ياسر برتبة ملازم وعبد الباقي كان عريفاً. وقد رفضت أن تكون لي أية رتبة خلاف كوني جندي عادي، وقد أذن لي شيخي حسن الترابي بذلك محترماً لرغبتي ومقراً لها، وكل ما في الأمر أنني أعتقد أن جيش النبي محمد ليس فيه رتب. وحينما أراد شيخي بن لادن ذات مرة رجالاً جيدين موثوقين ذوي إيمان قوي للعمل معه، رشحت له ياسر وعبد الباقي ضمن 18 شخصاً آخر من بين أفضل المجاهدين من الصومال والجزائر ومصر. وحالما أحب ياسر وعبد الباقي شيخ أسامة، لأنه هجر الثروة والحياة السهلة وانضم للجهاد والسعي لنشر الإسلام.

لقد التقيت بشيخ أسامة أول مرة في بيشاور بباكستان، ومرة أخرى عبر الشهيد بسام السوري الذي أقمت في بيته بالرياض حينما تركت زملائي الليبيين. وحينها قدّمني بسام لشيخ أسامة. ومنذ ذلك الوقت صار شيخ أسامة بن لادن وشرف الدين “مسؤول الدعوة” أعز الناس إليّ.

لم أكن أعرف عن مجموعة أنصار السنة السودانية إلى أن استمعت لشيخي الترابي وشيخي بن لادن. فعرفت من كليهما أن أبو زيد والهدية والناجي “وهم كبار قادة أنصار السنة” ليسوا مسلمين صادقين. وقد أثبت شيخاي الترابي وبن لادن أيضاً بما لا يدع مجالاً للشك أن أنصار السنة هؤلاء جواسيس للأسرة الوهابية الحاكمة في السعودية. إنّهم عملاء للسفارات الصليبية. وهم على صلة بالسفير محمد صبري، سفير الأسرة الحاكمة في السعودية “محمد بن صبري سليمان صبري هو السفير السعودي في الخرطوم”. وبعد ذلك عرفت أكثر عن فساد الأسرة الحاكمة في السعودية من شيخي بن لادن الذي ساعدني في العام الماضي 1993م على الذهاب إلى السعودية، باسم محمد عبد الرحمن، للقيام ببعض الأعمال ولمعرفة المزيد عن الوهابية وأنصار السنة.

وحينما عُدت طلب مني شيخي أسامة بن لادن وأخي شرف الدين الإعداد لاغتيال بعض الرموز السياسية السودانية أمثال الصادق المهدي، وميرغني عبد الرحمن “ممثل محمد عثمان الميرغني في الخرطوم” ومحمد نقد، لأنهم أئمة الكفر. فذهبنا بدون أي جهد منا للتخفي للمكان الذي يصلي فيه الأنصار عادة بأم درمان. ولكن مع الحراسة المشددة والأعداد الكبيرة من الشرطة التي تحرس المكان، لم نستطع تنفيذ خطتنا. وكان معي في هذه العملية أخي المجاهد محمد المنصور الذي جاء خصيصاً لأداء هذا الواجب الإسلامي من معسكر أبو نعام. وقد ذهب محمد المنصور إلى أبو نعام مع 10 من المجاهدين الليبيين الآخرين من لواء الشهيد الليبي أحمد الأحوص. هذا اللواء يعمل تحت إشراف إبراهيم عمر. حينما كانت هذه المجموعة في الخرطوم نصحها أخي شرف الدين بمغادرة الخرطوم لأن السفير الليبي السابق رمضان بشير علم بشأنهم وبدأ في تعقبهم.

أقول لكم إنني انضممت لجهاز الأمن السوداني بإخلاص وتفان شديدين، لم أكذب على أي من أعضائه وكنت لهم كأسامة بن زيد للنبي محمد. لقد خدمتهم بإخلاص وأطعت أوامرهم. إن حادث مسجد أم درمان هو نتاج لهذه الخدمات.

ولتنفيذ عملية مسجد أم درمان قمنا باستئجار منزل بالقرب من أمبدة بغرب أم درمان. وقد ساعدنا ضابط من جهاز الأمن الإسلامي، تحت إمرة أخي غازي صلاح الدين، في استئجار المنزل. ودرج أخي غازي صلاح الدين على زيارتنا بين الفنية والأخرى في الساعات الأخيرة من الليل. وقد أخبرني في زيارته الأخيرة بأن الأخ شرف الدين سوف يأتي ليناقش معي الخُطة. وهذا ما حدث وقبل 20 يوماً من العملية تم إخباري بأن اثنين من المجاهدين السودانيين اللذين أحبهما سوف ينضمان إليّ في المنزل وأن ثلاثتنا سوف نقوم بتنفيذ الخطة.

أقول لك، إننا قد تعاونا بإخلاص مع قيادة الثورة الإسلامية وفقاً للتعاليم الإسلامية. إننا لسنا قتلة ولسنا من منظمة “التكفير والهجرة” كما ادّعى عبد الرحيم محمد حسين الذي لا يدري. هذا الجاهل أنكر معرفته بي، بالرغم من أنه كان يراني اجتماعياً في منزل الترابي. وكنت آراه يأتي كلما تحدث ضائقة. قال لي في المستشفى: كيف تقتل نفساً حرمها الله؟ وذكرت له أن الأمر أكبر من مقدراته على الفهم، واستشهدت بآية قرآنية تقول إنه ينبغي القضاء على المنافقين والكفار وذرياتهم كذلك. ولا أدري هل فهم ما عنيته أم لا. أقول لك يا أخي إنه لم تكن هناك مؤامرة كما يقول هذا الإعلام الجاهل بل طاعة لأوامر الله، نفذت في رابعة النهار ضد أناس عصوا الله وأوامر الرسول.

بعدما نفذنا عمليتنا اتجهنا وفقاً لتوجيهات شرف الدين لمنزل خاص بمنظمة الدعوة الإسلامية في منطقة بالقرب من مايو جنوبي الخرطوم. حيث أمضينا ليلتنا هناك, وفي اليوم التالي اتّجهنا إلى منطقة بالقرب من الرياض “أيضاً جنوبي الخرطوم” حيث منزل المجاهدين الليبيين، وذلك لمعرفتي بأخينا محمد المنصوري ورغبتي في إخباره بما قمنا به وطلب مشورته. لم نفكر أبداً في الهروب لأن المجاهدين الحقيقيين لا يفعلون ذلك أبداً. إنهم يحبون دائماً ملاقاة ربهم. ولو كنا أردنا الهرب لكان ذلك هيناً ولما كان أحد وجدنا. نصحنا الأخ المنصوري بأن نسلم أنفسنا ولكننا رأينا أن من الحكمة الذهاب لبن لادن الذي يقع منزله بالقرب من منزل المجاهدين الليبيين.

وجدنا بن لادن يجلس في كرسي في حديقة منزله. حينما رآني قال غاضباً “لماذا ارتكبت مثل هذه الجريمة؟ هذا ليس ما كنا نريد”، وذكرت له بأننا مجاهدون نعمل لتحقيق إرادة الله، وإن ما حدث كان إرادة الله وإننا كنا مدركين لكل العواقب. إنها حرب بين الإسلام والكفر سوف تؤثر على الجميع. غادر بن لادن حديقته ولدى دخوله للمنزل صرخ قائلاً “أوقفوه”. علمت أن ذلك كان أمراً بالتخلص مني، لذلك بدأنا إطلاق النار وفعل حرس بن لادن نفس الشيء. كان هنالك ثلاثة إيرانيين ومصري يدعى جبر تعرّفت عليه في بيشاور. قتلنا ثلاثة منهم. نزل أسامة بن لادن إلى الطابق التحتاني “تحت الأرضي” حيث يوجد مخبأ، أدركت ذلك لأنني كثيراً ما ذهبت لذلك المنزل. تلقيت إصابة من أحمد الجزائري وهو حرس لبن لادن تعرفت عليه في بيشاور. أحمد نفسه قتل عبد الباقي وجرح ياسر في قدمه. إنني اتهم شرطة البشير بقتله.

لقد جئنا أحمد وبن لادن وشخصي من باكستان للسودان معاً. وأعلم أن أحمد مجاهد صلب جيد التدريب، وقد تدرب على يدي المخابرات الأمريكية.

حتى أوائل العام 1983م أشرف شيخي بن لادن على 800 من المجاهدين العرب والأفارقة، تم تحضيرهم جميعاً لخدمة الثورة الإسلامية في السودان. إن بن لادن مربوط بشكل مباشر بالترابي وهو أيضاً مسؤول من الجهاد في مصر وليبيا وتونس والجزائر إضافة إلى موريتانيا. الحقيقة هي أن بن لادن استخدم ثروته من أجل الجهاد.

أريد أن أقول إن شيخي اتهمني بأني قاتل والله يعلم الحقيقة. إنني أقول ذلك لأرضي ضميري وفي نفس الوقت لشرح ما حدث لكي أموت بسلام.

وإذا كانت لديّ أمنية، فإنني أتمنى أن أرى شيخ الترابي لأدافع عن نفسي وأدحض كل التهم التي وجهها ضدي الجاهل عبد الرحيم حسين، ومنها أنني لا أعرف منزل شيخ الترابي، إنني أعرف منزل شيخي كما يعرف الطائر عشه. الترابي رائد في الحركة الإسلامية العالمية وصانع الحركة الإسلامية الحديثة. لقد اتهموني بمحاولة قتل شيخ الترابي. هذه كذبة. كيف يمكنني أن أقتل رجلاً بكل تلك الحكمة؟.

يتبع ….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى