طارق عبد الهادي يكتب: المُتردِّدون في قبول الصفقة والخاسرون

نصر ديبلوماسي وإنجاز كبير للحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري وهو الخروج من قائمة الدول الراعية للإرهاب وما سيتبعها من رفع للحصار الدولي المفروض على السودان الذي بعد الآن سيسير بمقدراته الطبيعية، ومما لا يلتفت إليه كثيرون هو أن حمدوك قد أظهر حنكة ديبلوماسية وقدرات تفاوضية عالية بربط تمرير الاتفاق بموافقة المجلس التشريعي، ذلك أن تعليق قبول الاتفاق بموافقة المجلس التشريعي، الذي سيتم تشكيله في غضون شهرين، يعني انهمار المنح والمساعدات على السودان خلال هذه الفترة، مساعدات تمكن الحكومة من الخروج من عنق الزجاجة وتحسن سعر صرف الجنيه السوداني، انهمار منح المساعدات المالية ومنح النفط والقمح والقروض من البنك الدولي، انهمار حقيقي وليس وعود مؤتمرات شركاء السودان طوال الفترة السابقة التي كان حصادنا منها الجملة الأشهر، وأموالي المواعيد.

إن أبلغ رد على المعترضين على توقيع اتفاق سلام مع إسرئيل هو أننا في السودان تحديداً، وخلافاً لما هو عليه الحال مع الدول العربية التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل أو وقعت اتفاقات سلام معها خلال الفترة الماضية، من موريتانيا والمغرب غرباً وإلى البحرين والإمارات شرقاً، نحن الوحيدين في المنطقة الذين نعد في حالة حرب حقيقية معها، نعم، حرب ساخنة وليست باردة، شملت تصنيع وتهريب الأسلحة والصواريخ إلى غزة عبر شرق السودان، معظم الأسلحة الفاعلة لحماس إما صنعت في السودان وتم تهريبها إلى هناك أو هربت إليها عبر شرق السودان وتعرضنا نتيجة ذلك، خلال عقد ونيف منذ بداية هذه الألفية، تعرضنا للقصف عشرات المرات من الطيران الإسرائيلي الذي وصل إلى قلب الخرطوم، قتل المئات من أهلنا في شرق البلاد في المسافة بين بورتسودان وحلايب وبعضهم كان  قد لا يكون حتى يحمل أسلحة معه ولكن المسار أصبح مشبوهاً نتيجة تهور نظام الإنقاذ السابق ومغامراته، فلم يكن يكترث لمصير السودان وما سيجره على البلاد والمواطنين من مصائب، وسقط أبرياء كثر وتحولت قوافل تجارية عادية إلى رماد،  يجب توقيع اتفاق سلام مع إسرئيل وعلى السودان طي هذا الماضي خلفه والاتجاه نحو التنمية والتطور والاندماج مع المجتمع الدولي.

الحكومة الانتقالية مفوضة بموجب الوثيقة الدستورية ومفوضة لأنها أتت نتيجة هذه الثورة العظيمة، الضخمة، فهي مفوضة بإدارة السياسة الخارجية بتوازن وباستقلالية، وفقاً لمصالح السودانيين، وبدون أي تأثير خارجي، بل مصالح السودان فقط لا غيرها ولا عزاء للمخذلين والمترددين وأصحاب الأيادي المرتجفة، الذين يحسبون كل صيحة عليهم، والذين، نتيجة عجزهم عن قراءة الواقع الدولي جيداً، سيجدون أنفسهم خارج دائرة التأثير في سودان المستقبل وسيخسرون انتخابياً في مقبل الأيام وسيصبحون خارج المساق التاريخي للبلاد . لا أعرف لماذا كل هذا الوجل والتخوف والتردد، وكان الأحرى بنا تكوين قاعدة وطنية عريضة تراعي مصالح البلاد العليا وتلتف حول هذا الاتفاق التاريخي، وقد رأينا قبلنا بلداناً وقعت اتفاقات سلام مع إسرائيل ولم  نر هذا الجزع بل استقرت هذه البلدان ونمت وتطورت وتقدمت وازدهرت وودعت عهد الحروب إلى عهود الزراعة والصناعة والسياحة كما هو الحال مع مصر (1979)، والأردن (1994)، والآن الإمارات والبحرين (2020). فلماذا تريدون للسودان وحده، وهو ليس من دول الطوق ولا دول المحور، تريدونه وحده يقف بهيكل عظمي نتيجة حصار ممتد وهو يقف وحيدًا حاملاً لواء القضية الفلسطينية، اتقوا الله في هذا السودان.

من الأحزاب التي  أيدت هذا التحول التاريخي، حزب المؤتمر السوداني وهو حزب سوداني خالص لا يتبع لأي أيدلوجية مستوردة وليس له ولاء خارجي. وكتلة الجبهة الثورية وهي كتلة سودانية خالصة.

فمن هم الخاسرون إذن؟

الخاسر الأكبر هو حزب الأمة القومي بزعامة الإمام الصادق المهدي، فقد نظر لمصلحته كحزب لوراثة قاعدة الإسلاميين الانتخابية عبر هذا الموقف الطوباوي المتشنج ولم ينظر لمصلحة البلاد في حين وافق غريمه حزب الأمة جناح مبارك الفاضل على العلاقة مع إسرائيل، وهو موقف عقلاني يحسب له والخاسر الثاني هو الحزب الشيوعي السوداني وهذا حزب مصاب بالعمى الأيدلوجي ويدمن تنكب الطريق في كل مرحلة تاريخية وهو مشغول اليوم بمجاملة من تبقى من الرفاق في الحزب الشيوعي اللبناني وغيره وأيم الله أن ظهور أحدهم وهو يرغي في قناة الميادين مندداً بخطوة الحكومة السودانية ليبين للرفاق أنه مع العهد الذي قطعه معهم، وأنه مع القضية.. و..و..و… الخ، تالله أن ذلك لأحب إليه من مصلحة السودان، إنهم يفضلون شهوة الكلام ونشوة الحضور الإعلامي وبريق الأضواء على مصلحة البلاد، ما تبقى من المعترضين هي أحزاب لا ترى بالعين المجردة، لا ترى إلا بالعدسة المكبرة، أحزاب من بقايا أفرع وامتدادات أحزاب البعث السورية والعراقية وهلمجرا، تلك التي لحقت بالعرب العاربة، ولك أن تعرف يا عزيزي أن هناك كائناً حزبياً في السودان، بلاد العجائب، يسمي نفسه بالحزب الوحدوي الديمقراطي الناصري!

أما الحزب الذي سكت كأبي الهول فلم نسمع له حساً ولا صوتاً، وسط كل هذا الحراك والضجيج، لا مؤيداً ولا معارضاً، فهو الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة مولانا المرغني، فقد صبح محتار يكوس هداي، فأي من الموقفين مكلف معه عقائدياً ولوجستياً وشعبياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى