آمال عباس تكتب: وقفات مُهمّة.. طبقة النســـاء (2)

من العمق العاشر

آمال عباس

وقفات مُهمّة.. طبقة النســـاء (2)

بحثاً عن وضع المرأة عبر التاريخ.. وعن العوامل الأساسية والموضوعية التي تُشكّل في عموميتها ما نسميته بقضية المرأة, وقفنا المرة الفائتة مع المرأة في مجتمع الأم, حيث كانت تُمارس سلطات وصلاحيات كثيرة ومُطلقة في شكل بدائي وغير منظم ليست فيه دولة ولا رعي ولا ماشية ولا زراعة.. ولا نقود.

ولما سئم الرجل وهو بطبعه متطلع يبحث عن الجديد والأفضل دائماً, ولما سئم الرجل بالتحديد حياة الصيد وزعامة المرأة.. واصل الجهد بإصرار إلى أن اكتشف الحديد والنحاس والبرونز وعرف صناعة الأسلحة والأواني وشَعَرَ بالقُوة.. والشعور بالقوة أخذ يتمركز لدى الرجل بشكل يزداد وضوحاً مع الزمن, فهو الذي اكتشف هذه الأشياء الجديدة في الحياة.. وبالتالي تغيّرت أنواع الحياة والمُمارسات للواجهات.. وبدأت الحروب وصارت المختبر الأول للقوة والجبروت.

ولما كان الرجل هو مالك الأسلحة والأواني وقطعان الماشية, تضاءل دور المرأة واقتصر على الأعمال المنزلية وإنجاب الأطفال.. ومن يومها ظلّ الرجل يجاهد لإنزال المرأة من كرسي الزعامة, فهو يُريد أن يرثه أولاده عكس الحال في مجتمع الأم, حيث كان يرثه أشقاؤه وشقيقاته.. فأولاده ينتمون الى قبيلة أمّهم.. وهذا القرار كان طبيعياً.. إذ أن الرجل يريد أن يصبح مركزه الاجتماعي متناسباً مع دوره الاقتصادي.. وأيضاً حملت المرأة السلاح بدورها لتحافظ على وضعها ومركزها.. ولكنها مُنيت بفشل ذريع أمام تغيُّرات الحياة الاقتصادية المفاجئة.. ونشوء الأسرة الرعوية وبعدها الاقطاع ونهاية الرأسمالية التي قامت كلها على أساس هيمنة الرجل الاقتصادية على الأسرة.. وعلى المجتمع وعلى الدولة بمفاهيمه.. وقد أتت كل التشريعات مركزة على تبعية المرأة وحتمت عليها بألا تكون لها مُهمّة غير الإنجاب وإعداد الطعام.. فكتاب موسى يأمر بهجر الزوجة العقيمة.. وكتب الهند المقدسة لا تعطي المرأة حق امتلاك الثروة.. وحتى فلاسفة اليونان على وفرة اهتمامهم بأمور الحياة والفن لم يرتفعوا بالمرأة الى منزلة أعلى.. بل في كثير من الأحيان جهروا بأصواتهم العدائية لها ففيثاغورس يقول (مبدأ الخير الذي خلق النظام والنور والرجل ومبدأ الشر الذي خلق الفوضى والظلمات والمرأة). وابقراط يقول (المرأة هي في خدمة البطن) وأرسطو يقول (الأنثى أنثى بسبب نقص معين لديها في الصفات) وافلاطون نادى بإشاعة النساء والحضارة الرومانية لم تعترف للمرأة بإرادة حرة ولا مستقلة, وإنما نادت بتبعيتها المُطلقة للرجل.. وظلّت المرأة تتطلع للشرائع الجديدة في كثير من الأمل.. ولكنها كانت كثيراً ما تعرّضت للشعور بالخيبة والخسران فبالرغم من أن المسيحية أتت دعوة محبة وخير وسلام.. منادية بالخلاص للمضطهدين والمغلوبين والرقيق إلا ان الكثير من آباء الكنيسة وقساوستها اعتبروا ان المرأة عدوة وتجسيد للمفسدة.. وهلاك للروح وقد قال يوحنا (ليس هناك بين كل وحوش الأرض المفترسة من هو أشد أذى وضرراً من المرأة). وأتى الإسلام منارة مشعة للغلابة والمسحوقين الذين سحقت الجاهلية إنسانيتهم وكرامتهم.. وجاء القرآن الكريم واضحاً في ضمان الحياة للمرأة التي كانت تدفن حية (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ…… الآية), وارتفع الإسلام بالزواج من عقد التجارة والملكية أو المتعة الجسدية الى أواصر المودة.. (ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها….) فبالرغم من ذلك نجد أن الكثير من الرجال الذين يتحدثون باسم الإسلام منطلقين من منطلقات خاطئة للتشريعات الإسلامية وحتى لفهم الآيات في كثير من الأحيان وفي العصور الوسطى, كانت المرأة جزءاً من ملكية الرجل شأنها شأن ضياع الأرض وقطعان الماشية.. وكان من حق الزوج أن يهدي زوجته أو يهبها أو يبيعها إن أراد.. وكان يحبسها في (حزام العفة) إذا ما سافر.

وحتى عصر النهضة لم يأت بنتائج واضحة وإن أدى إلى بعض التطورات على صعيد المُناقشات وانتعاش الحركة الفكرية الذي أدى نوعاً إلى تراجع التقاليد والمفاهيم الإقطاعية.. وبدأت بعض الأصوات الرجالية تدافع عن المرأة وإن كانت نادرة ومعزولة.

والحق أنا لا أسمي هذا الاضطهاد الذي تعرّضت له المرأة وما زالت تتعرّض له في جميع بلدان العالم المتخلف والعالم الرأسمالي.. لا استطيع أن أسميه (اضطهاد الرجل للمرأة) وإن كانت جذوره ما قبل التاريخ تبدو هكذا.. ولكن إذا وقفنا على الأسباب وقفة عابرة جداً نجد أنها أكبر من المرأة والرجل معاً.. وضدهما معاً إن لم ينتبها لذلك, إنها نظم الحياة وتأثيرات الجانب الاقتصادي بالذات.. ولتكن وقفتنا المرة الآتية عند هذا الموضوع المهم أيضاً.

  • من التراث

في كتاب جغرافية وتاريخ السودان لنعوم شقير جاء الآتي:

القيافة:

هذا ولأهل البادية نباهة طبيعية عجيبة في (القيافة) وهي قص الأثر أو الاستدلال بالأقدام والحوافر.. فإذا هرب منهم هارب أو دخل عليهم سارق أو طرقهم طارق تتبعوا آثار تقدمه أو قدم دابته حتى ظفروا به.. ومن العجيب انهم يعرفون قدم الشيخ من الشاب والمرأة من الرجل والبكر من الثيب والغريب من المستوطن والحر من العبد والحامل من غير الحامل والأعور من السليم والأسود من الأبيض, بل عرفوا ناقة ورأوا أثر ولدها في مكان عرفوه أنه ولدها وذلك مُنتهى النباهة.

  • وجهة نظر

السيدة الفضلى آمال عباس

تحية طيبة

في العدد الأخير لهذه الصحيفة.. ومن خلال العمق العاشر كانت وجهة نظرك حول (ليعرفوا فضلي عليهم) تتناول في بساطة وموضوعية (زي) فتياتنا النواهض اللائي تضع عليهن الأمة آمالاً عراضاً ومن ثم كانت حكمة عائشة بنت طلحة المؤثرة مقارنة عملية, لا بل هي مثال يُحتذى لبنات بلدي.

السيدة الفضلى:

كان تساؤلك في ختام مقالك هو رأي الأخريات.. ولكنني شعرت بأنّه يمكن كذلك للآخرين أن يدلوا بآرائهم البنّاءة لحل هذه القضية المثارة, فالشباب السوداني الأصيل شد ما يستنكره ويستنكر على بنات عمومته الخروج في ثياب تكاد لا تستر أجسادهن ويتحسر على ماضي من سبقوهن, وأنا هنا أصدقك القول بأن (حاضرنا هذا ابن شرعي للماضي قد يكون ابناً عاقاً أو باراً.. وماضينا أب شديد العقاب.. قاس وأيضاً رحيم كبير القلب) فأقول من رحمة قلب ذلك الأب نستمد الحكمة ونستلهم العبر والتريث, فضلاً عن الجري وراء الظاهرات المُستوردة الدخيلة على مجتمعنا وعلى عاداتنا وتقاليدنا.

وشكراً

(عبد الباقي رحمة محمد)

مربع شعر:

قال الحاردلو شاعر البطانة المشهور:

يومبوش العصير مرقت عليهو أمونة

خلت جيلو كله تقول كيابل شونة

الناس البماثلوك على هنونة

مخسوفين عقل ما عندهن موزونة

من أمثالنا:

الفاس ما بتقطع عُودها

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى