الخبير التربوي  د. عوض أحمد أدروب يكتب : المناهج  ما بين الخطر والككر

 

سبق أن كانت الحلقة الأولى من مقالاتي بعنوان: لا خير فينا إن لم نقلها ولا خير في المسؤول إن لم يسمعها، وختمت الحلقة بعبارة ” ولنا عودة والعود أحمد “، وها نحن اليوم نعود؛ لنواصل مشوارنا .

المتتبع  لمناهج التعليم العام ، يلاحظ أنها أصبحت ما بين الخطر والككر، والخطر هو السياسات التي بدأت تطبق على المناهج، لاسيما وأنها تتعارض مع الفلسفة السودانية، وهذا أول خطر يحدق بالمناهج السودانية، حيث أنَّ  الفلسفة هي الرؤية النظرية للإنسان عن الخالق وعن الكون والحياة والوجود، وفلسفة المناهج حتى يكتب لها النجاح  يجب أن تتمشَّى مع مبادئ المجتمع السوداني وقيمه وعقيدته وأخلاقه، حيث تٌرسم الغايات العليا للمناهج وأهدافها السامية على الفلسفة التي يتبعها المنهج، وفلسفة المناهج السودانية هي بلا شك مستمدة من الفلسفة الإسلامية، ولك أن تقرأ بتمعن في تاريخ السودان، حيث كتب  نعوم شقير في كتابه تاريخ السودان، عن أثر الممالك الإسلامية في تكوين الفلسفة السودانية، حيث ارتبطت الدولة الإسلامية في السودان بظهور مملكتي دارفور وكردفان (1445هجرية) ، وبنشأة مملكة الفونج وما تبعها من مشيخات (1505هجرية) ، وبانتشار الإسلام في السودان، بدأت الثقافات السودانية  يمتزج بعضها مع بعض من جهة، ومع الثقافة الإسلامية الوافدة من جهة أخرى، وكانت محصلة ذلك أن ظهرت الثقافة السودانية المتميزة ذات الصبغة الإسلامية، انتهى كلام شقير، إلا أنَّ  بني علمان ومن شائعهم يريدون أن ينسبوا الإسلام إلى الكيزان؛ للعداء الذي بينهم وبين الإسلاميين، لكن التاريخ يقول خلاف ما يريده بنو علمان، ونحن على إلمام بفلسفتنا السودانية، وبجذورها الإسلامية، وسنعض عليها بالنواجذ .

وإذا أردت أن تعرف كيف أنَّ المناهج تسير على غير  فلسفة الشعب وتطلعاته وقيمه، فانظر كيف ردود الأفعال عندما تشرع المؤسسة في تغيير المناهج، ولك أن تأخذ على ذلك مثالاً عند تقليص  القرآن  الكريم ، كيف كانت ردود الأفعال وسط الشعب السوداني ، لم ينم الشعب السوداني، وضجَّت الأسافير، واستنكر أولياء الأمور والآباء والأمهات هذا التقليص في القرآن الكريم  ، وهنا بيت القصيد ومربط الفرس، فإذا تعارضت فلسفة المنهج مع فلسفة المجتمع ضجَّ المجتمع، وسٌمِعَ له دَوِيٌّ كدويّ النحل، ولن يُكْتَبَ للمنهج النجاح وإن فٌرِضَ بالقرارات أو القوة، وسوف تصفو الليالي بعد كدرتها * وكلُّ دور إذا ما تم ينقلب، هذا هو الخطر الذي يتعلق بفلسفة المناهج السودانية .

أما الخطر الثاني فهو يتعلَّق بمحتوى المناهج من حيث كمِّه وتنظيمه، فقد صدرت نشرات حددت فيها الموضوعات المحذوفة من مقرري الصفين السابع والثامن، ومقررات المرحلة الثانوية، ومن حقنا أن نتساءل كيف تم اختيار هذه الموضوعات المحذوفة؟ علماً بأنَّ المناهج تُبنى على مصفوفة المدى والتتابع ( Scope& Sequence ) ،  حيث يعد خبراء المناهج هذه المصفوفة ، وهي عبارة عن خريطة لموضوعات المناهج يصممها الخبراء قبل الشروع في تأليف المناهج ، وبالتالي تُحسب فيها الموضوعات المقدمة في كل مادة، وهي ملزمة للمؤلفين، وبالتالي حذف هذه الموضوعات معناه النقص في الجرعة التعليمية المقدمة، وبالتالي تكون المعرفة لدى أولادنا ناقصة ومشوهة، علما بأنَّ ما قُرر على التلاميذ هي أساسيات المعرفة في مختلف العلوم، وفي مصفوفة المدى والتتابع ليس هنالك تكرار، إنما  هنالك توسُّع وتعمُّق في المعرفة، فمثلاً نحن درسنا تاريخ الثورة المهدية في الصف السادس، وفي الصف الثالث بالمرحلة المتوسطة، وفي الصف الثالث من المرحلة الثانوية، لكن بعمق وتوسُّع في كل مرحلة، فالمعرفة تبنى على سابقتها، وهذه أبجديات في المناهج، فلا يعقل أن تغيب عن بخت الرضا.

وبعد هذا التشويه العلمي في الخبرات المقدمة لأبنائنا، أصبح لدينا تنظيمان للمناهج ـ التنظيم الأول: تنظيم منهج المواد المنفصلة من الصف (1- 6) الذي أقرَّه مؤتمر التعليم 2012م، وتنظيم المنهج المحوري من الصف (7- 8) الذي أقره مؤتمر سياسات التعليم 1990م، وهذا يخالف كل النظم العلمية للمناهج في العالم، فأي دولة لها تنظيم واحد لمناهجها، كل هذا جاء نتيجة للتخبط والإسراع في عملية تغيير المناهج دون خطة مسبقة، ودون الاستفادة من آراء الخبراء قبل الشروع في التغيير أو التطوير.

أما الشّق الثاني من موضوعي وهو المناهج السودانية ما بين الخطر والككر، فأعني بالككر من ظلَّ  يسكت وهو يعلم أننا قاتلنا الإنقاذ في ذات هذه القضايا المتعلِّقة بما يجب أن تكون عليه المناهج، ووجدنا في ذلك معاناة ومشقة ومضايقة، كنت أحسب أنَّ الككر  عندما تم تعيينه  أن يستمر في إقرار الحق ، وأن يرسي دعائم النظريات الحديثة  في المناهج ، وأن يدافع عن القرآن وعلومه، ولكن يبدو أنَّه  نظر بعينٍ إلى القيم والأخلاق ونظر بالثانية الى الككر والطاقة أم قرينات ، فآثر الككر والطاقية أم قرينات، وهو يعلم تماماً أنَّ جدودنا في السلطنة الزرقاء لم يجلسوا على الككر إلأ بعد أن أوقدوا  تقابة القرآن ، فهنيئاً لك الككر الذي أنت سيده * وإنك من نور البهاء تزيده .

ولنا عودة والعود أحمد

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى