محيي الدين شجر  يكتب: الخروج من الأزمة

ضبابية في المشهد السياسي الحالي بعد قرارات الخامس والعشرين, تلك التي أصدرها الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان حلّ بها الحكومة بشقيها المدني والسياسي.

حيث لم يستمر القائد العام في تشكيل حكومة أخرى من الكفاءات بالسرعة المطلوبة, ولم يتراجع عن قراراته مع أنه ظلّ يُؤكِّد بأنه مُستمرٌ فيها ولن يتزحزح عنها البتّة.

وهذا الوضع أنتج واقعاً غير مفهومٍ حتى في اوساط الجماعة التي أيّدت قرارته من الحرية والتغيير (ب).

أما الطرف الآخر من الحرية والتغيير, فقد اضطرب بعد تلك القرارات وحاول تجميع شتاته دون جدوى في ظل خلافات طاحنة وسط مكوناته.

الواقع يقول إنّ العودة إلى ما قبل 25 أكتوبر لن يتم, ويأمل الناس في اتفاق يجمع كل أطياف الحرية والتغيير بكل اختلافاتها وتكتيكاتها مع المكون العسكري الذي يمسك زمام الأمر حالياً كما ظل يمسكه طوال الفترة الماضية منذ توقيع الوثيقة الدستورية عام 2020م.

اتفاق يُعيد الحرية والتغيير إلى الواجهة من جديد بدور مختلف ليس كدورها السابق الذي حكمت فيه مجموعة منها حكماً منفرداً دون أن تتيح حتى لاحزاب كبيرة فيها من المشاركة في الحكم.

لقد ظللت اسأل الأستاذ التجاني مصطفى رئيس حزب البعث العربي الاشتراكي عن مشاركة حزبه في حكومة قحت, فكان يرد بأنهم لم يشاركوا فيها أبداً مع أنهم قدموا عدداً من الترشيحات, وكان يقول لي باستمرار إن شخصيات على أصابع اليد الواحد تتحكّم في المشهد, وكنت استغرب من هذا الوضع وأتساءل بيني وبين نفسي كيف لتنظيم يضم أكثر من 80 مكوناً تتحكّم فيه قلة.. تعيِّن وتعزل وتضيف وتحذف؟

الشعب السوداني كله مع المدنية لا خلاف على ذلك, ومع وضع لوائح وأسس لقيام الدولة المدنية, لكنه ليس مع الفوضى والاختلاف والتناحُر في فترة انتقالية.

الشباب الثائر الذي انتفض في وجه الرئيس المخلوع وضحّى بحياته, يأمل في تغيير إلى الأفضل, يأمل في سلام وحرية وعدالة, وفي نهضة اقتصادية تنموية بالاستفادة من الإمكانات الأوروبية والأمريكية وتقنياتها المتطورة, لأنه لن يرضى بعد ذلك بإعادة عهد النظام البائد من جديد أو إعادة تعيين كوادرهم في مناصب الدولة وإن كان تحت غطاء جديد وثوب جديد.

والسودان ملئٌ بالكفاءات غير الحزبية في كل التخصُّصات, لأن الذين يتعاطون السياسة من الأكفاء عددهم قليلٌ, ويمكن أن يسدوا النواقص ولتكون أحزاب الحرية والتغيير حاضنة سياسية كُبرى لوضع السياسات الكلية ولمراقبة الفترة الانتقالية دُون أن تُشارك في الحكم بمثل ما كانت تشارك, ولتكون رئاسة المجلس السيادي للعسكريين حتى نهاية الفترة الانتقالية, بما أنه مجلس شرفي لا دور له كما تنص الوثيقة الدستورية.

ولهذا وفق تقديري الخاص, إن الخروج من هذه الأزمة يتطلب الرجوع أولاً للوثيقة الدستورية وإطلاق سراح المعتقلين من وزراء الحكومة السابقة, وفي نفس الوقت أن يقوم حمدوك بحل الحكومة وتكوين لجنة مُشتركة من كل الحرية والتغيير والمكون العسكري لتكون المرجعية في اختيار كفاءات للحكومة الجديدة من غير الحزبيين ومن غير أعضاء حزب المؤتمر الوطني المحلول ومن ثم الشروع في تكوين المجلس التشريعي بمنح الثوار نسبة 30% منه, وأن يتم الاتفاق بأن تكون رئاسة المجلس السيادي للمكون العسكري حتى نهاية الفترة الانتقالية, وأن يضم أعضاءً غير حزبيين من الولايات.

وبالنسبة لاختيارات حكام الولايات, فيمكن ان تتم عبر تلك اللجنة المشتركة بالتشاور من مُواطني تلك الولايات بعيداً عن القبلية والجهوية يُرشح الشخص ويتم اختياره بالتصويت.

أخشى ما أخشى أن لا يحدث اتفاقٌ ويستمر القائد العام في تشكيل حكومة ومجلس تشريعي وحكام ولايات دُون إرضاء الشارع الذي يخرج باستمرار, ودُون مُوافقة من الحرية والتغيير, لأننا سنصل وقتها إلى طريق مسدود ومُواجهة مسرحها الشارع.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى