اجتماع فرقاء “قحت”.. خطوات في تضاريس الأزمة السُّودانية!!

تقرير: الطيب محمد خير

دخل فرقاء قوى الحرية والتغيير بشقيها المجلس المركزي وقوى الميثاق الوطني على نحو مفاجئ في محادثات شاملة من خلال عقد أول اجتماع, تقابلا فيه وجهاً لوجه بمنزل رئيس حزب الأمة القومي اللواء (م)  فضل الله برمة ناصر منذ تفجر الأزمة التي تصاعدت بالخلافات بينهما وفشلت معها كل الدعوات والمُناشدات التي أطقلها رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك في سبيل التوفيق بينهما, إلا أنّ مصالح وطموحات الشخصيات والأطياف السياسية المتعددة التي تتحكّم في مفاصل الأزمة سدت كافة طرق الحل، وأدت لتعطيل عملية استكمال مؤسسات المرحلة الانتقالية وامتدّ تأثيرها لإحداث شلل كامل في مؤسسات الدولة السيادية, ما دفع القائد العام للقوات المسلحة الفريق البرهان لإعلان حالة الطوارئ وحل الحكومة الانتقالية فكانت بمثابة المصيبة التي جمعت “المُصابينا”.

تمثيل

ورغم أن الجميع رحب بالاجتماع, إلا ان الوجوه التي حضرت في دار برمة ناصر كانت مفاجئة للمحللين، فقد حضر ممثل تجمع المهنيين وعضو لجنة إزالة التمكين طه عثمان, بجانب الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني ورئيس الحزب الناصري ساطع الحاج ورئيس حزب البعث التجاني مصطفى والصادق الزعيم عن القوى المدنية في قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي, فيما مثل قوى الحرية والتغيير الميثاق الوطني عبد العزيز عُشر عن حركة العدل والمساواة, ومثل نور الدائم طه حركة تحرير السودان قيادة مناوي القيادي بشرق السودان الأمين داؤود، بينما غاب حزب البعث العربي الاشتراكى والتجمع الاتحادي.

أجندة

وكانت أبرز الأجندة التي ناقشها الاجتماع لإنقاذ المرحلة الانتقالية التي تمضي بصعوبة في تضاريس أزمة معقدة في بلد تمزقه الصراعات السياسية، واول الاجندة كان اخضاع الاجراءات التي اتخذها القائد العام للقوات المسلحة الفريق البرهان للنقاش والتحليل هل هي انقلابٌ ام غير ذلك, وشدد المجتمعون على ضرورة إيجاد مخرج للأزمة الراهنة بتسوية تكون مقبولة لجميع الأطراف، غير أن طه عثمان حسب ما صرح به الأمين داؤود قد ابدى موقفاً متشدداً بتمسكه بضرورة إنفاذ مطالبهم في قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي بإطلاق سراح كافة المعتقلين وإعادة الأمور على ما كانت عليه قبل (25 أكتوبر), وعلى العكس تماماً أبدى ساطع الحاج الذي يحسب على قوى الحرية والتغيير التيار الذي ينادي بالإصلاح مرونة في موقفه.

تحول كبير

واعتبر مراقبون هذا اللقاء الذي جمع الفرقاء من القوى المدنية وحركات الكفاح المسلح, تحولاً ملحوظاً في إدارة الأزمة وحمل مدلولات وإشارات بأن رئيس حزب الأمة يحاول مد جسور التواصل مع كافة الفرقاء المدنيين, في وقت تمور فيه الساحة السودانية بالعديد من المبادرات الدولية والإقليمية لتسوية الأزمة لإنقاذ الفترة الانتقالية التي وضعتها الخلافات بين مكوناتها المدنية من جِهةٍ, والمكوني المدني والعسكري على أولى عتبات الانهيار.

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري د. عمر عبد العزيز لـ(الصيحة), واضح أن حزب الأمة يسعى بدفع العقلاء داخله للتعامل مع الأزمة ودفعه باللواء برمة ناصر الذي يُعد من الشخصيات الوفاقية ولا خلاف عليها في الساحة السياسية, وهذا فيه جانب خفي لمسعى حزب الأمة للخروج من مجموعة المجلس المركزي والعودة لمجموعة الإصلاح والعودة لمنصة التأسيس, وهذا يتطابق مع ما صرّح به رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي الذي قال إن لديهم تفاهمات مع حزب الأمة القومي وسيعود لقوى الحرية والتغيير الميثاق الوطني (منصة التأسيس) وهذا يظهر من خلال سحب حزب الأمة لمريم من المشهد بطريقة دبلوماسية, بعد أن أشيع عن إصابتها بكورونا, بالتالي لا استبعد أن تكون خطوة رئيس حزب الأمة بجمعه لهذه القوى التي غالبيتها من مجموعة منصة التأسيس تمهيداً لخروج حزب الأمة من المجلس المركزي, لكن لا أتوقع أن يتم ذلك بسهولة وستتحرّك القوى اليسارية للتشويش عليه بإطلاق الاتهامات تجاهه, أقلها أنه باع القضية.

تغيير المسار

وأكد د. عمر الخطوة التي اتخذها الجيش, أحدثت تغييراً كبيراً في مسار اللعبة السياسية وأصبح لا خيار أمام القوى السياسية والمدنية غير أن تبدي مرونة في موقفها حتى يستطيع مسايرة التغييرات المتوقعة في الساحة السياسية التي تؤكد المؤشرات قيام حكومة كفاءات مستقلة بوجود حمدوك أو غيابه, وبالتالي ليس امام هذه القوى السياسية طريق إلا الاتجاه نحو مقاعد المجلس التشريعي حتى يكون لها دورٌ في المهام الثلاثة المُحدّدة لإنجازها في الفترة الانتقالية وهي وضع وتشريع قانون الانتخابات وإصلاح الاقتصاد وتحقيق السلام, وبالتالي يصبح الجهاز التنفيذي ليس له قيمة في المرحلة المُتبقية من الانتقال والفائدة في البرلمان الذي سيجيز قانون الانتخابات, الذي بالضرورة أن تسعى كل المكونات السياسية ليكون لها دورٌ في وضعه كهدف, بجانب العمل على إقامة تحالفات لخوض الانتخابات كهدفٍ بعيدٍ.

أرض مشتركة

وقال أستاذ العلوم السياسية بكلية شرق النيل د. عبد اللطيف محمد سعيد لـ(الصيحة), إن هذه محاولة من هذه القوى السياسية بقيادة حزب الأمة لتشكيل مسار منها لحل الأزمة عبر خلق أرضية توافقية فيما بينها, لكن في ظل المناخ السياسي المتغير بسرعة كبيرة لن يكون لهم اي تأثير في المشهد, بداية ان قائد الجيش البرهان لن يستمع اليهم لأن تأثيرهم في الشارع ضعيفٌ، هذا من جهة, ومن جهة أخرى واضح أن حزب الأمة غير موحد بالإشارة لتصريحات مريم الصادق المهدي.

لا تأثير

من جانبه, استعبد المحلل السياسي د. خالد التجاني ان يكون لهذا الاجتماع اي تأثير في الساحة السياسية سواء على صعيد حل الأزمة او توحيد شقي قوى الحرية والتغيير, واشار الى ان هذه الاجتماع لم يصدر اي بيان يوضح ما توصل اليه ولا اظن توصل إلى نتيجة.

خروج

مراقبون اكدوا لـ(الصيحة) ان الاجتماع لا يعدو ان يكون تحصيل حاصل رغم انه يعتبر بادرة حسن نوايا, لكن وبما انه جمع الأضداد, فإنه حمل بالتأكيد رؤى مختلفة ومواقف متباينة, سيما أنه بحث الأحداث والقرارات التي اتخذها البرهان ومازالت تراها قوى الميثاق الوطني تصحيحاً للمسار, بينما يراها المجلس المركزي انقلاباً على الشرعية الدستورية وتقويضاً لثورة ديسمبر, ويستدلون بأن الاجتماع لم يكن ذا جدوى أو لم يحقق أي اختراق بأنه لم يتوصل حتى إلى تسمية لقرارات البرهان ما بين تشدد طه عثمان ورؤى عبد العزيز عشر, فالأول يرى فيما تم انقلاباً، بينما يرى الآخر أن القرارات تدعم ما ظلوا ينادون به، ويشدد الخبراء على أن الاجتماع لن يكون بداية لتوحيد قوى الحرية والتغيير في إطار واحد، لكنه يصلح كبداية للوصول إلى مسار وَسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى